أعاد الجدل الدائر حول قانون الإيجار القديم فتح النقاش حول مستقبل السكن فى مصر، ليس فقط من زاوية العلاقة بين المالك والمستأجر، وإنما من منظور أوسع يتعلق بقدرة السوق العقارى على استيعاب ملايين الأسر التى قد تجد نفسها مضطرة للبحث عن بدائل سكنية خلال السنوات المقبلة.
ومع ترقب القطاع لما إذا كانت التعديلات المرتقبة ستُشعل الطلب على التمويل العقارى، تتباين تقديرات الخبراء بين من يرى أنها قد تشكّل شرارة موجة توسع جديدة، وآخرين يحذرون من أن ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة أسعار الوحدات قد يقلصان جدوى اللجوء للتمويل، خاصة لدى الشرائح المتوسطة ومحدودة الدخل.
وصدَّق الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 4 أغسطس 2025 على القانون رقم 164 لسنة 2025 لإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وتعمل فى السوق 26 شركة مرخّصة للتمويل العقارى، أبرمت نحو 9.8 ألف عقد بقيمة 25.1 مليار جنيه خلال عام 2024، وفق بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية.
وتضم القاهرة وحدها نحو 1.1 مليون وحدة بنظام الإيجار القديم، فيما يبلغ إجمالى الوحدات على مستوى الجمهورية 2.9 مليون وحدة يسكنها نحو 1.6 مليون أسرة، أى ما يعادل 6.5 مليون مواطن، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
«عبدالحميد»: التمويلات العقارية تتجه إلى 40 مليار جنيه بنهاية 2025
وقال أيمن عبدالحميد، العضو المنتدب لشركة «الأولى للتمويل العقارى»، إن استمرار نمو القطاع مدفوع بارتفاع أسعار العقارات وانخفاض الفائدة نسبياً خلال الفترات السابقة.
وأشار إلى أن لجوء المستأجرين القدامى للتمويل العقارى سيظل مرهوناً بوجود مبادرات حكومية تستهدف كبار السن وذوى الدخل المحدود، وإلا سيبقى اعتماد هذه الفئات على الإيجار أو برامج الإسكان الحكومية.
وأوضح «عبدالحميد» أن القطاع شهد نمواً متسارعاً تجاوز 60 ـ 80% سنوياً، مع توقعات بوصول حجم التمويلات إلى نحو 40 مليار جنيه بنهاية 2025، وتخطى 50 مليار جنيه خلال 2026، مدفوعاً بالارتفاع الحاد فى أسعار العقارات وتحول شرائح واسعة من العملاء إلى الشراء بالتقسيط بدل السداد النقدى.
ويرى حازم حسانين، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء والتشريع، أن حق السكن ليس قضية اقتصادية فحسب، بل قد يتحول إلى أزمة اجتماعية إذا لم تُطرح حلول متوازنة.
وأضاف أن ارتفاع دفعات التمويل العقارى يُنفّر محدودى الدخل، داعياً إلى إعادة هيكلة شروط التمويل، وتمديد فترات السداد، وتبسيط المستندات المطلوبة، إلى جانب إطلاق مبادرات مدعومة للفئات المتوسطة.
وقال محمد باغة، أستاذ الإدارة واقتصاديات التمويل والاستثمار، إن ارتفاع أسعار الفائدة نتيجة سياسات مكافحة التضخم، وتراجع قيمة الجنيه، وارتفاع تكلفة مواد البناء، كلها عوامل أسهمت فى زيادة أقساط التمويل العقارى، ما يشكّل عبئاً إضافياً على محدودى الدخل.
وأشار إلى أن الاشتراطات القانونية فى المدن الجديدة وضعف المعلومات الائتمانية لبعض الفئات يحدّان من قدرة البنوك والشركات على التوسع فى التمويل.
وتوقع «باغة» أن يؤدى توسع الدولة فى برامج الدعم، وتقديم شروط تمويلية أفضل وفترات سداد أطول للمستأجرين القدامى، إلى جانب نمو العمران فى المدن الجديدة، إلى تعزيز نشاط التمويل العقارى، شرط تفعيل التيسيرات القانونية والتنظيمية اللازمة.
من جانبه، توقع «حسانين» ارتفاع عدد عملاء التمويل العقارى تدريجياً إلى نحو 5 ملايين عميل مع إخلاء الوحدات خلال 5 ـ 7 سنوات، مشيراً إلى تأثير إيجابى مرتقب على القطاع، يقابله استمرار القيود على الفئات محدودة الدخل.
«الشافعى»: آليات عادلة للتسعير ضرورة للحد من مبالغة الشركات فى أسعار الوحدات
وأكد خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، أن التمويل العقارى قد يشهد نشاطاً متزايدًا، خلال الفترة المقبلة، مطالباً بوضع آليات عادلة لتسعير الوحدات تجنّباً لمبالغة بعض الشركات فى تحميل المستهلكين أعباء إضافية.
وكشف استطلاع لـ«البورصة» شمل 98 من المستأجرين القدامى و9 من الملاك، أن 65.3% من المستأجرين لم يفكروا مطلقاً فى اللجوء للتمويل العقارى، بينما اكتفى 18.3% بالتفكير دون بحث فعلى، فى حين بحث 11.2% فى البرامج المتاحة ثم عدلوا عن التقدم بسبب ارتفاع الفائدة، و5.1% فقط تقدموا للحصول على التمويل.
وعند سؤال الملاك عن استعدادهم لبيع وحداتهم للمستأجرين عبر التمويل العقارى، أعرب 12% عن استعدادهم، فيما أبدى 26% تردداً، و34% رفضوا البيع؛ حفاظاً على أصولهم الاستثمارية، بينما يرغب 17% فى الاحتفاظ بالوحدات لأبنائهم أو لمشروعات أخرى، و11% لا يثقون بشركات التمويل.
«أبوجازية»: القطاع قادر على ابتكار منتجات لمحدودى الدخل بشرط وجود دعم حكومى
وأوضح بسام أبوجازية، الخبير القانونى، أن الشركات والبنوك تفرض غرامات على المتعثرين تتراوح بين 2% و5% من المبالغ المستحقة، إضافة إلى رسوم إعادة الجدولة التى تبلغ 2%، فضلاً عن الإجراءات القضائية لبيع العقار المتعثر عن السداد بإشراف المحكمة وتقييم خبيرين.
وأكد «عبدالحميد»، أن القطاع قادر على تصميم منتجات تلائم محدودى الدخل بشرط وجود دعم للفائدة من الدولة، بينما اقترح «حسانين» تأسيس صناديق عقارية وصكوك تمويلية طويلة الأجل، وتفعيل نظام «الإيجار التمليكى» (Rent-to-Own)، بما يسمح للمستأجرين بالتملك تدريجياً دون الحاجة إلى مقدم مرتفع.








