«فى صورته الحالية، من المرجح أن يكون الهيدروجين الرمادى القذر أرخص من النوعين الأزرق والأخضر حتى عام 2050 على الأقل»
تخلّفت الدول الغنية عن الصين فى صناعات الطاقة النظيفة التى هيمنت على العقد الماضى تقريبًا: الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وبطاريات الليثيوم أيون والمركبات الكهربائية.
مع ذلك، ربما كنتَ تأمل أن تأخذ زمام المبادرة فى تقنيات المستقبل، مثل الهيدروجين النظيف. لكن الأمر ليس كذلك.
ففى أوروبا وأمريكا الشمالية، يبدو أن هذا النهج — الذى بدا فى السابق بمثابة مفتاح أساسى لتنظيف الصناعات التى يصعب إزالة الكربون منها، مثل الصلب والكيماويات والشحن والطيران — قد فشل.
فى غضون أيام قليلة من يوليو، انسحبت شركات «بريتيش بتروليوم» ومجموعة «وودسايد إنرجي» و«فورتسكيو» من مشاريع الهيدروجين فى أستراليا والولايات المتحدة، التى قُدّرت قيمتها بمليارات الدولارات.
تتوقع «بلومبرج إن إى إف» أن تنتج أوروبا 1.2 مليون طن فقط من أصل 10 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2030. إن كان هناك أى أمل فى هذا القطاع، فإنه يأتى من الهيدروجين الأزرق، الذى يُنتج عادة عبر تفكيك الغاز الأحفورى ثم ضخ ثانى أكسيد الكربون المُهدر تحت الأرض لاستخراج النفط من الآبار المُستنزفة.
أما الهيدروجين الأخضر النظيف، المُنتج باستخدام الطاقة المتجددة لتقطيع جزيئات الماء، فهو بالكاد يحقق تقدماً يُذكر.
تُمثل الصين الاستثناء، إذ يأتى منها أكثر من نصف الطاقة الإنتاجية الحالية للهيدروجين الأخضر، وهى نحو 506 آلاف طن. وهناك مساعٍ لاستحداث 2.86 مليون طن إضافية حول العالم، منها 45% فى الصين. مشاريع الهيدروجين الصينية تتزايد.
لا يكاد يمر أسبوع إلا ويشهد بدء تشغيل مشروع جديد.
سيتمكن خط أنابيب، بدأ العمل فيه الشهر الماضي، من نقل الغاز من منطقة غنية بالطاقة المتجددة شمال غرب بكين إلى مدينة تانغشان الصناعية، التى تبعد عنها أكثر من 700 كيلومتر.
كما أُقرّ خط آخر فى يوليو لنقل الهيدروجين من مزارع الرياح فى منغوليا الداخلية إلى مصنع كيماويات فى بكين.
فى المجمل، أُطلق أكثر من 500 مشروع هيدروجين هذا العام، وسيكون هذا القطاع هدفاً للنمو فى إطار الخطة الخمسية المقبلة التى تبدأ فى عام 2026.
كان يفضل لو استطعنا أن نقول إن كل هذا النشاط سيسهم فى إزالة الكربون من كثير من قطاعات الصناعات الثقيلة التى ما تزال مصدر معظم بصمة الصين الكربونية.
لكن، لا تعوّلوا على ذلك. فالنتيجة الأرجح هى أن كثيراً من هذا الهيدروجين سيُباع على هيئة بدلات رسمية بسعر 15 دولاراً وأحذية رياضية بسعر 10 دولارات على موقعى «شى إن» و«تيمو».
يعود ذلك إلى أن الاستخدام الرئيسى للهيدروجين حالياً هو فى صناعات التكرير والكيماويات، حيث يُستخدم لإزالة الشوائب وإنتاج المواد الخام اللازمة للبلاستيك والبوليمرات.
تستهلك هذه المصانع حوالى 43% من إجمالى 100 مليون طن مُنتجة حاليًا.
ويأتى معظم هذا الاستهلاك من الهيدروجين الرمادي، وهو الشكل الأكثر تلويثًا، والمُستخرج من الغاز الأحفورى والفحم ومنتجات التكرير.
ما الذى يجعل السيارات الكهربائية عاملاً مؤثرًا؟
يُرجح أن يزيد الارتفاع المستمر فى استخدام المركبات الكهربائية من إقبال هذه المصانع عليه، مع أن فهم السبب يتطلب درساً سريعاً فى الكيمياء.
يتكون البترول المستخرج من آبار النفط والغاز من مزيج من سلاسل جزيئية لا تُحصى من الهيدروجين والكربون.
تقوم مصافى النفط بفرز وفصل جميع هذه الجزيئات لزيادة كميات السلاسل متوسطة الطول المستخدمة فى البنزين والديزل، والسلاسل الأقصر المستخدمة فى صناعة الكيماويات.
مع ازدياد حصة السيارات والشاحنات الكهربائية فى السوق، سينتهى بنا الأمر بفائض متزايد من البنزين والديزل، لكن يُرجح أن يستمر استهلاك البلاستيك فى النمو لفترة أطول.
هذا يعنى أن المصافى ستحتاج إلى تكسير مزيد من الجزيئات متوسطة السلسلة إلى جزيئات ذات سلاسل أقصر. سيتطلب ذلك كميات إضافية من الهيدروجين.
يبدو تحويل الهيدروجين الأخضر العالمى إلى علب طعام جاهز وزجاجات مياه نتيجةً مخيبة للآمال، مقارنةً بمستقبل يُستخدم فيه الهيدروجين لتحقيق تخفيضات هائلة فى الانبعاثات نحتاجها فى إنتاج الصلب والأسمنت والأسمدة وما شابه.
مع ذلك، لا ينبغى أن يكون كذلك.
فى صورته الحالية، من المرجح أن يكون الهيدروجين الرمادى القذر أرخص من النوعين الأزرق والأخضر حتى عام 2050 على الأقل، كما بيّنت «بلومبرج إن إى إف».
إذا أردنا أن يصل الهيدروجين الأخضر إلى النطاق وتخفيضات الأسعار اللازمة لتغيير هذه الصورة، فيجب أولاً اعتماده جماعياً لدى أكبر مستهلكى الهيدروجين، أى صناعة الكيماويات.
إذا ساهمت الاضطرابات فى قطاع التكرير الناتجة عن تراجع محركات الاحتراق الداخلى فى تسريع هذه العملية، فهذا أفضل بكثير.
أى أمل فى مستقبل الهيدروجين الأخضر سيمر عبر الصين وصناعتها البتروكيماوية.
قد لا يبدو النعل الداخلى البلاستيكى الرغوى فى أحذيتك الرياضية حلاً فعالاً لمشكلة المناخ، ولكن إذا كان بإمكانه المساعدة فى تحويل الهيدروجين النظيف من مجرد حلم إلى صناعة قابلة للاستمرار، فقد يكون أفضل أمل لدينا.








