أكد محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، أن أزمة تمويل التنمية باتت أكثر تعقيدًا، في ظل تراجع المساعدات الإنمائية، وتزايد أعباء الديون، وضعف تدفقات الاستثمارات الخاصة، ما يفرض تساؤلًا جوهريًا حول مصادر التمويل البديلة القادرة على سد هذه الفجوة دون تعميق أزمات المديونية.
وأوضح خلال مشاركته في منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، أن تمويل البنية الأساسية يمثل المحرك الأكبر لتمويل التنمية، ليس فقط كهدف مستقل ضمن أهداف التنمية المستدامة، وإنما كمكوّن رئيسي داخل معظم الأهداف الأخرى، مثل الصحة والتعليم والطاقة والمياه وبناء القدرات المؤسسية، لافتًا إلى أن دراسات حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية أظهرت أن 48% من تمويل البنية الأساسية يأتي من مصادر خارجية، و41% من الموازنات العامة، مقابل 11% فقط من الاستثمارات الخاصة.
وأشار إلى أن مصادر التمويل الثلاثة تواجه ضغوطًا متزامنة؛ إذ تراجعت المساعدات الإنمائية العالمية بنحو 7% في 2024، مع توقعات بانخفاضها بين 15 و20% خلال 2025، في حين باتت الموازنات العامة مثقلة بأعباء خدمة الدين، التي تجاوزت في عدد من الدول ما يُنفق على التعليم والرعاية الصحية.
قال محيي الدين، إن فجوة تمويل التنمية على المستوى العالمي تُقدَّر بنحو 4 تريليونات دولار سنويًا، وفقًا لأحدث تقارير الأمم المتحدة، مؤكدًا أن نصيب الدول العربية والإسلامية من هذه الفجوة «ليس بالقليل»، سواء في إطار الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي أو الدول العربية الـ22.
ولفت إلى أن صافي التدفقات المالية إلى الدول النامية أصبح سالبًا للعام الثالث على التوالي، مسجلًا نحو 208 مليارات دولار في 2022، و258 مليار دولار في 2023، و205 مليارات دولار في 2024، بإجمالي يتجاوز 740 مليار دولار، ما يعكس أن ما يُسدَّد من أقساط وفوائد يفوق ما يتم الحصول عليه من تمويل جديد.
وفيما يتعلق بالاستثمارات الخاصة، أوضح أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية تراجع إلى نصف مستواه، مقارنة بعام 2008، إذ انخفض من نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بين 2 و3% حاليًا، مع تسجيل تراجع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في نحو 60% من الدول النامية والأسواق الناشئة.
وشدد مبعوث الأمم المتحدة، على أن التمويل الإسلامي والابتكار المالي يمثلان جزءًا محوريًا من الحل، سواء قبل اللجوء إلى الاستدانة أو كبدائل أكثر كفاءة لإدارة الأزمات، مشيرًا إلى أن الصكوك الإسلامية، وآليات المشاركة وتقاسم المخاطر، توفر أدوات تمويلية تتفوق على الأدوات التقليدية في ربط التمويل بالاقتصاد الحقيقي.
أضاف أن التمويل الإسلامي لا يقتصر على مشروعات البنية الأساسية طويلة الأجل، بل يمتد أيضًا إلى التمويل متناهي الصغر ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، مؤكدًا أن هذه الأدوات يمكن توظيفها في مختلف مراحل إدارة الدين، سواء في مرحلة الوقاية، أو أثناء الصدمات، أو حتى بعد التعثر، كما حدث في تجارب دول مثل تشاد وزامبيا وإثيوبيا وغانا.
وأشار محيي الدين، إلى أن العالم يقترب من 2030 دون تحقيق تقدم كافٍ في أهداف التنمية المستدامة، إذ لا تتجاوز نسبة الأهداف التي تسير على المسار الصحيح 15–17%، بينما انحرف 55% من الأهداف عن مسارها، وأصبحت 35% أسوأ مما كانت عليه في 2015.
وفي المقابل، لفت إلى وجود تجارب ناجحة نسبيًا في دول عربية وإسلامية، ودول أخرى مثل الصين والهند، التي نجحت في خفض الفقر المدقع عبر الاستثمار في البنية الأساسية والإنتاج والتكنولوجيا، دون الوقوع في أزمات مديونية حادة.
واختتم محيي الدين بالتأكيد على أن جوهر التمويل الإسلامي يقوم على التمويل من أجل غرض تنموي واضح، وليس تمويلًا من أجل التمويل، مشددًا على أهمية توسيع مجالات المشاركة في الربح والخسارة، وتعزيز دور الصيرفة الإسلامية، التي تجاوز حجمها 4 تريليونات دولار، إلى جانب التكافل وسوق المال الإسلامي، لبناء نموذج تمويلي أكثر عدالة واستدامة يخدم أهداف التنمية ويعزز صلابة الاقتصادات في مواجهة الأزمات.







