بأداء فاق التوقعات وتجاوز حاجز 4500 دولار للأوقية، يواصل الذهب قيادة المشهد الاستثماري العالمي في عام 2025 بقوة غير مسبوقة، مسجلاً ارتفاعاً سنوياً تجاوز 70%، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتقلب السياسات النقدية، واستمرار الغموض في المشهد الاقتصادي العالمي.
ومع تسجيله عشرات المستويات القياسية الجديدة والقمم التاريخية، أعاد الذهب تأكيد مكانته كأحد أعمدة الاستقرار في أوقات الاضطراب، ومخزناً للقيمة حين تهتز الثقة بالعملات والأسواق.
وخلال عام 2025، حقق المعدن الأصفر أداءً استثنائياً، متفوقاً على معظم فئات الأصول الأخرى، ليصل سعر الأوقية إلى 4562.2 دولار حتى نهاية تداولات يوم الجمعة 26 ديسمبر، بارتفاع نسبته 72.8%، وهي أكبر قفزة سنوية له منذ عام 1979؛ مما عزز جاذبية الذهب كأداة تحوط وتنويع فعالة للمحافظ الاستثمارية.
واستند هذا الصعود القوي إلى مزيج معقد من العوامل، في مقدمتها الطلب المستمر من البنوك المركزية، التي واصلت تعزيز احتياطياتها من الذهب للعام الثالث على التوالي بمعدلات تاريخية مرتفعة. كما أسهم تصاعد التوترات الجيوسياسية، لا سيما في الشرق الأوسط، في تعزيز الإقبال على “الملاذات الآمنة”، إلى جانب تراجع الدولار الأمريكي وتنامي التوقعات بخفض أسعار الفائدة.
ولعب الزخم الاستثماري القوي من صناديق المؤشرات المتداولة والمستثمرين الأفراد والمؤسسيين دوراً محورياً في دفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وبرزت الرسوم الجمركية خلال العام كعامل غير تقليدي زاد من اضطراب السوق، مع شروع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بلورة سياساتها التجارية؛ مما دفع المستثمرين إلى زيادة حيازاتهم من الذهب تحوطاً من المخاطر.
كما أثار احتمال فرض رسوم على الذهب نفسه حالة من القلق في السوق الأمريكية، دفعت المتعاملين إلى استيراد كميات كبيرة من الذهب المادي؛ مما أدى إلى نشوء فجوة سعرية بين عقود الذهب في نيويورك والأسعار الفورية في لندن.
وتفاقمت هذه المخاوف في 31 يوليو، عقب أنباء عن احتمالية خضوع واردات الذهب السويسري لرسوم جمركية بنسبة 39%؛ مما تسبب في اضطراب حاد، وقفزت أسعار الذهب الفوري بأكثر من 3% في جلسة واحدة، قبل أن تتراجع الأسعار بعد توضيحات رسمية بأن سبائك الذهب لن تُدرج ضمن الرسوم.
ويرى محللون أن خطورة هذا التطور كانت تكمن في الأهمية الهيكلية للذهب داخل النظام المالي؛ إذ تُستخدم السبائك كضمان رئيسي لعقود التداول الآجلة.
وكان من شأن فرض الرسوم أن يحدث خللاً واسع النطاق، لا سيما أن مصافي التكرير السويسرية تمثل نحو 70% من إنتاج الذهب المكرر عالمياً.
ومع التطلع إلى عام 2026، يدخل سوق الذهب مرحلة جديدة في ظل استمرار حالة عدم اليقين الجيو-اقتصادي.
وتشير توقعات “جي بي مورجان” إلى إمكانية وصول الذهب إلى مستوى 5000 دولار للأوقية في 2026، مدفوعاً بضعف الدولار واستمرار الطلب المؤسسي.
وفيما يتعلق بالطلب، تتوقع الأبحاث استمرار مشتريات البنوك المركزية عند مستويات مرتفعة لتبلغ نحو 755 طناً، في وقت بات فيه الذهب يمثل قرابة 20% من الاحتياطيات الرسمية العالمية، وهي أعلى نسبة منذ عام 1996، متجاوزاً حصة السندات الأمريكية.








