شهد السوق العقاري المصري تحولًا لافتًا في خريطة الطلب والاستثمار، مع تصاعد الاهتمام بالمشروعات الفندقية والتجارية ذات العائد الدولاري، في ظل انتعاش النشاط السياحي، وسعي المستثمرين للتحوط من آثار التضخم وتقلبات سعر الصرف، إلى جانب توجه الدولة للتوسع في الطاقة الفندقية ودعم القطاعات المدرة للعملة الصعبة.
ويأتي هذا التحول بالتوازي مع ما وصفه خبراء السوق بـ«الزخم الانتقائي»، إذ تراجع الطلب على بعض المشروعات مقابل نمو قوي في أخرى، خاصة تلك القادرة على تحقيق دخل متكرر ومستدام، والالتزام بمواعيد التنفيذ والتسليم.
وفي وقت تشير فيه البيانات إلى ارتفاع الطلب على العقارات الفندقية والتجارية بنسب تراوحت بين 20% و40% خلال عام 2025، يتوقع مطورون وخبراء أن يقود القطاع الفندقي موجة النمو المقبلة في السوق العقاري، مع استمرار استقرار الأسعار، وترقب عودة النشاط تدريجيًا بدءًا من عام 2026، مدعومًا بمشروعات سياحية كبرى وتشريعات جديدة تستهدف ضبط السوق وزيادة الانضباط .
الشيخ: الطلب لا يقتصر على الأجانب ويمتد ليشمل المصريين بالداخل والخارج
قال علاء الشيخ رئيس مجلس إدارة شركة «أسيت تاب» للتسويق العقاري، إن توجه الشركات العقارية نحو المشروعات ذات العائد الدولاري جاء مدفوعًا بتنامي اهتمام الدولة بقطاع السياحة وزيادة عدد الغرف الفندقية، باعتباره من أقوى القطاعات القادرة على تحقيق عوائد دولارية لكل من الشركات والعملاء، لافتًا إلى أن مناطق مثل البحر الأحمر والعين السخنة، إلى جانب مشروعات كبرى مثل رأس الحكمة وعلم الروم، لعبت دورًا مهمًا في تشجيع هذا التوجه.
وأوضح أن التحول نحو المشروعات ذات العائد الدولاري لا يعد إجراءً مؤقتًا للتحوط من تقلبات سعر الصرف، بل يمثل تحولًا طويل الأجل في استراتيجيات الشركات العقارية، مدفوعًا بخطط الدولة لرفع عدد الغرف الفندقية إلى نحو 500 ألف غرفة بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 268 ألف غرفة حاليًا، وهو ما دفع عددًا كبيرًا من الشركات إلى إطلاق مشروعات فندقية لضمان عائد دولاري مستدام لها ولعملائها، متوقعًا استمرار التوسع في هذا النوع من المشروعات لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
وأشار الشيخ، إلى أن الطلب على العقارات ذات العائد الدولاري لا يقتصر على الأجانب فقط، بل يمتد ليشمل المصريين العاملين بالخارج، وكذلك المصريين المقيمين داخل مصر، مستشهدًا بإقبال عدد كبير من المصريين على شراء وحدات في دبي بهدف تحقيق عائد دولاري، إلى جانب تنامي الطلب على الوحدات الفندقية داخل السوق المصرية من مختلف الفئات.
وأكد أن العقار يعد من أهم الأصول المدرة للدخل، إذ يجمع بين كونه سلعة استثمارية وادخارية في الوقت نفسه، حيث ترتفع قيمته بمرور الوقت، مع قدرة المستثمر على تحقيق عائد دوري من خلال التأجير، على عكس العديد من الأدوات الاستثمارية الأخرى.
أضاف الشيخ، أن السوق العقاري المصري يمتلك طلبًا قويًا يدعم التوسع في مشروعات المكاتب والمراكز التجارية والفندقية، مشيرًا إلى استمرار الطلب المرتفع على الوحدات التجارية في منطقتي غرب وشرق القاهرة، حيث ارتفع حجم الطلب على العقارات التجارية والفندقية خلال عام 2025 بنحو 40% مقارنة بالعام الماضي.
وأوضح أن السوق شهد خلال العام الحالي ما وصفه بـ«الركود الانتقائي»، حيث حققت بعض المشروعات والمطورين مبيعات قوية، في حين تراجعت مبيعات مشروعات أخرى، نتيجة لزيادة وعي العملاء وقدرتهم على تصفية الاختيارات، والابتعاد عن المطورين الذين يبالغون في التسعير أو لا يقدمون قيمة مضافة حقيقية.
وأكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تفوق المطورين القادرين على الإسراع في معدلات البناء والتشطيبات والالتزام بالجداول الزمنية، متوقعًا أن يكونوا «الحصان الأسود» في السوق العقاري خلال الفترة القادمة.
واختتم بأن الدولة تعمل حاليًا على إعداد وتنظيم تشريعات جديدة تتم مناقشتها داخل مجلس النواب، تستهدف ضبط السوق العقاري وفرض ضوابط على تأخيرات التسليم، بما يمهد لدخول السوق مرحلة جديدة من التنظيم وزيادة الانضباط، مع توقعات باستقرار أكبر في مستويات الأسعار خلال الفترة المقبلة.
البستاني: تحول طويل الأجل في استراتيجيات الشركات بهدف التحوط من آثار التضخم
وقال المهندس محمد البستاني، رئيس جمعية المطورين العقاريين والرئيس التنفيذي لشركة «منصات العقارية»، إن هناك توجهًا متزايدًا من جانب المستثمرين نحو المشروعات ذات العوائد الدولارية، بهدف التحوط من آثار التضخم والحفاظ على قيمة الاستثمارات، مؤكدًا أن هذا التوجه لا يعد مؤقتًا، بل يمثل تحول طويل الأجل في استراتيجيات الشركات العقارية خلال المرحلة الحالية.
وأوضح أن المشروعات الفندقية تعد من أبرز القطاعات القادرة على تحقيق دخل دولاري مستدام داخل السوق المصري، في ظل تحسن مؤشرات السياحة وارتفاع معدلات الإشغال.
وأشار البستاني، إلى أن البيع على مراحل يعد الخيار الأفضل للمطورين خلال الفترة الحالية، بما يساعدهم على مواجهة تأثيرات التضخم، وضمان استمرارية التنفيذ والالتزام بمواعيد التسليم، وتجنب الضغوط التمويلية التي قد تؤثر على استكمال المشروعات.
وأضاف أن السوق المصري يمتلك طلبًا قويًا يدعم التوسع في مشروعات المكاتب والمراكز التجارية والفندقية، موضحًا أن الطلب على العقارات التجارية والإدارية ارتفع خلال العام الحالي بنحو 20%، في حين تراوح نمو الطلب على العقارات الفندقية ما بين 30% و40%.
لفت البستاني، إلى أن السوق العقاري شهد تباطؤًا نسبيًا في وتيرة المبيعات خلال العام الحالي 2025، إلا أنه توقع عودة النشاط تدريجيًا بدءًا من الربع الثاني من عام 2026، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه لا توجد زيادات سعرية مطروحة حتى الآن.
عبدالمنعم: العقار الفندقي يبرز كأفضل استثمار بعوائد دولارية متوقعة في 2026
وأوضح إبراهيم عبدالمنعم رئيس شركة «كونسالتنج» للتسويق العقارى، أن التحول نحو المشروعات ذات العائد الدولاري بدأ بشكل أساسي في أسواق خارجية مثل دبي، حيث تعمل شركات مثل «الأولى» و«فيرست» على تطوير وبيع شقق فندقية يتم تسعيرها بالدولار، وتصل أسعار بعض الوحدات إلى نحو 90 ألف دولار.
وأشار إلى أن هذا التوجه بدأ يلقى اهتمامًا داخل السوق المصرية، خاصة في منطقة الهرم عقب افتتاح المتحف المصري الكبير، حيث ظهر توجه لدى مستثمرين لتطوير شقق فندقية يتم تسويقها من خلال إدارة متخصصة تتولى تأجير الوحدات نيابة عن المالكين، مع تحقيق عائد يحتسب بالدولار.
أضاف عبدالمنعم، أن بعض الشركات بدأت بالفعل في التوسع في إنشاء شقق ووحدات فندقية بمنطقة غرب القاهرة، مع التركيز على الوحدات صغيرة المساحات، لتناسب الطلب المتوقع من المستثمرين والعملاء.
وأكد أن منطقة غرب القاهرة تشهد طلبًا مرتفعًا على الوحدات العقارية، في حين لا يزال المعروض أقل من حجم الطلب الفعلي، ما يدعم فرص التوسع في هذا النوع من المشروعات خلال الفترة المقبلة.
ولفت عبدالمنعم، إلى أن انتعاش النشاط السياحي يعزز من جاذبية العقار الفندقي، ليصبح أحد أفضل أنواع الاستثمارات العقارية ذات العائد الدولاري المتوقعة خلال عام 2026، مشيرًا إلى أن عددًا من الشركات الكبرى بدأ التوجه بالفعل لهذا القطاع، من بينها مجموعة طلعت مصطفى، إلى جانب شركات أخرى لم تعلن عن خططها بعد.
وأضاف أن الطلب على العقارات التجارية والفندقية ارتفع خلال العام الحالي بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي، في انعكاس مباشر لتحسن معدلات الإشغال والنشاط الاقتصادي.
أشار عبدالمنعم، إلى أن السوق العقاري شهد خلال العام الجاري 2025 تأخرًا في مواعيد التسليم لدى عدد من المطورين، وهو ما أثر سلبًا على السوق بشكل عام، خاصة مع اتساع نطاق هذه الظاهرة وتكرارها في أكثر من مشروع.
العادلي: الشركات تراهن على العائد الدولاري لتحقيق الاستقرار الاستثماري
وقال المهندس رياض العادلي، رئيس مجلس إدارة شركة «نكست دور» للتسويق العقاري، إن الشركات العقارية تتجه حاليًا إلى المشروعات ذات العائد الدولاري، باعتبارها تحقق دخلاً أعلى للمستثمرين، وتوفر قدرًا من الاستدامة والاستقرار للاستثمارات، مشيرًا إلى وجود تحول ملحوظ داخل السوق نحو هذا النوع من المشروعات خلال الفترة الأخيرة.
أضاف أن هذا التحول لا يمكن الجزم باستمراريته على المدى الطويل، إذ يرتبط بشكل مباشر بالأوضاع الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، موضحًا أنه حال استمرار تراجع معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف، قد يكون هذا التوجه مؤقتًا، أما في حال حدوث أي تقلبات اقتصادية جديدة، فمن المرجح أن يتحول إلى توجه دائم داخل السوق.
وأوضح العادلي، أن استراتيجيات الشركات العقارية تختلف من شركة لأخرى، وفقًا للمناطق التي تستثمر فيها ونوعية المشروعات التي تطورها، لافتًا إلى أن طبيعة الاستثمار نفسه هي التي تحكم شروط كل شركة وتوجهاتها.
وأشار إلى أن من أبرز المشروعات القادرة على تحقيق دخل دولاري في السوق المصرية، المشروعات المرتبطة بالقطاع الفندقي، والاستثمارات السياحية والساحلية، إلى جانب أنواع محددة من المشروعات الإدارية والتجارية.
أكد العادلي، أن الطلب على العقارات ذات العائد الدولاري لا يقتصر على الأجانب فقط، بل يمتد ليشمل المصريين العاملين بالخارج، موضحًا أن القوة الشرائية للمصريين بالخارج تمثل ما لا يقل عن 30% من حجم الطلب في السوق العقاري.
ولفت إلى أن الوضع المالي للمطور هو العامل الحاسم في تحديد توجهاته خلال الفترة المقبلة، حيث يضطر بعض المطورين إلى التخلي عن الأصول المدرة للدخل لتحقيق عوائد سريعة، في حين يفضل آخرون الاحتفاظ بها لتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
وأضاف العادلي، أن السوق المصري شهد طلبًا متزايدًا على المشروعات التجارية والفندقية، مع نمو ملحوظ في هذا القطاع، مشيرًا إلى أن حجم الطلب ارتفع خلال العام الحالي بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي.
واختتم بأن عام 2025 مثل مرحلة لإعادة تصحيح مسار السوق العقاري، بينما يُتوقع أن يكون عام 2026 عامًا بتوجهات وتحديات جديدة، متوقعًا أن يشهد العقار الفندقي طلبًا متزايدًا خلال الفترة المقبلة.








