تدخل خدمات التمويل غير المصرفي في مصر، مرحلة جديدة من إعادة التشكيل، مدفوعة بتسارع التحول الرقمي وإطلاق منظومة الهوية الرقمية، في خطوة تستهدف تحديث البنية التحتية المالية، وتسريع تقديم الخدمات، وتعزيز الشمول المالي، إلى جانب رفع كفاءة إدارة المخاطر داخل القطاعات الأكثر اعتمادًا على الحلول الرقمية.
وتضع المنظومة الجديدة الشركات أمام نموذج تشغيلي مختلف كليًا، يقوم على الاعتماد الكامل على البيانات الرقمية في اتخاذ القرار الائتماني، بما يقلص الحاجة إلى المستندات الورقية والفروع التقليدية ونقاط التفعيل الميدانية، ويعيد ترتيب معادلة التكلفة والسرعة وتجربة العميل داخل السوق.
الشنواني: تطبيق KYC المركزي يقلص الاعتماد على الفروع ويعزز الشمول المالي
أكد أحمد الشنواني، الرئيس التنفيذي لشركة «سهولة» للتمويل الاستهلاكي، أن تطبيق منظومة الهوية الرقمية يمثل نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات المالية غير المصرفية، إذ يتيح إتمام جميع الإجراءات عن بُعد دون الحاجة لتواجد العميل داخل الفروع أو تقديم مستندات ورقية، ما يختصر الزمن ويُحسّن كفاءة التشغيل.
وأوضح أن المنظومة الجديدة تتيح التعامل مع كل عملية تمويل باعتبارها معاملة رقمية مستقلة وموثقة بالكامل، بما يمنح الشركات والعملاء مرونة أكبر في مراجعة المعاملات أو إنهائها في أي وقت، ويُحسّن دقة المتابعة ويحد من الأخطاء التشغيلية المرتبطة بالإجراءات اليدوية.
وأشار إلى أن تطبيق KYC المركزي سيؤدي إلى خفض تكلفة جذب العملاء لدى شركات التمويل غير المصرفي، نتيجة تقليص الاعتماد على العمالة داخل الفروع وتقليل الإجراءات التقليدية، لافتًا إلى أن هذه التكلفة كانت تُحمَّل في السابق على المصروفات الإدارية أو تنعكس ضمن هامش التسعير.
ورغم ذلك، شدد الشنواني على أن العميل قد لا يلمس انخفاضًا مباشرًا في التكلفة على المدى القصير، في ظل التزامات الشركات باستثمارات أولية مرتفعة في البنية التحتية التكنولوجية، تشمل قواعد البيانات، وأنظمة الأمن السيبراني، والتوقيع الإلكتروني، إلا أن هذه التكلفة ستتراجع تدريجيًا مع اتساع نطاق الاستخدام وامتداد أثرها على سنوات تشغيل أطول.
وأكد أن البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية، يتحركان في اتجاه واحد، يتمثل في التحول الرقمي الكامل، موضحًا أن الهوية الرقمية ستُسهم في دمج شرائح واسعة غير مشمولة مصرفيًا داخل المنظومة المالية، عبر إتاحة التعامل من خلال التطبيقات الإلكترونية دون الحاجة لزيارة الفروع أو استيفاء مستندات معقدة، ما يدعم انتشار التمويل الرقمي ويعزز الشمول المالي.
ويرى الشنواني أن منظومة “أعرف عميلك” إلكترونيًا اللحظية تمنح شركات التكنولوجيا المالية ميزة تنافسية واضحة مقارنة باللاعبين التقليديين، بفضل قدرتها على استيعاب الحلول الرقمية بسرعة أكبر، وتقديم تجربة أكثر سلاسة للعملاء، مع الالتزام في الوقت نفسه بمعايير عالية من الأمان وحماية البيانات.
وبينما يتركز الاهتمام غالبًا على عنصر السرعة وخفض التكلفة، يشير خبراء إلى أن الأثر الأعمق لمنظومة الهوية الرقمية يتمثل في تحسين جودة القرارات الائتمانية ورفع كفاءة إدارة المخاطر، خاصة في الأنشطة المرتبطة بالتمويل قصير الأجل والتخصيم.
وكان البنك المركزي قد أعلن مؤخرًا إطلاق منظومة الهوية الرقمية وKYC اللحظية ضمن استراتيجية الدولة للتحول الرقمي، بهدف إتاحة التحقق الإلكتروني الفوري من بيانات العملاء وربطها بمنظومات مكافحة غسل الأموال، بما يسمح بإتمام المعاملات المالية عن بُعد وتقليص زمن الموافقات من أيام إلى دقائق، مع الحفاظ على أعلى معايير الأمان وحماية البيانات.
ويأتي هذا التطور في توقيت يشهد توسعًا ملحوظًا في أنشطة التمويل الاستهلاكي والتكنولوجيا المالية، ما يجعل المنظومة الجديدة عنصرًا حاسمًا في تسريع نمو القطاع وإعادة رسم خريطة المنافسة داخله.
صدقي: المنظومة الرقمية ترفع كفاءة إدارة المخاطر وتدعم القرارات الائتمانية
من جانبه، قال حسين صدقي، المدير التنفيذي لشركة «توسع» للتخصيم، إن المنظومة الرقمية التي أطلقها البنك المركزي تستهدف بالأساس رفع كفاءة إدارة المخاطر داخل المؤسسات المالية، وتقليل نسب المخاطر المرتبطة بالتحقق من بيانات العملاء، بما ينعكس مباشرة على جودة المحافظ الائتمانية.
وأوضح أن الربط الإلكتروني لمنظومة أعرف عميلك إليكترونيًا بآليات مكافحة غسل الأموال يتيح التأكد من صحة بيانات الهوية وسلامتها، ما يعزز كفاءة فرق الاستعلام الائتماني من الدرجة الأولى، ويُسهم في تحسين جودة القرارات الائتمانية وتقليل احتمالات التعثر.
وعن تأثير المنظومة الجديدة على تكلفة جذب العملاء، أشار صدقي إلى أن الأثر سيكون محدودًا، موضحًا أن تطبيق الهوية الرقمي قد يضيف أعباء تشغيلية طفيفة في البداية، لكنها تظل ضئيلة مقارنة بحجم محافظ التمويل، ولا تمثل عنصر ضغط حقيقي على الشركات.
وأكد أن تسريع الإجراءات الناتج عن التحول إلى الهوية الرقمية سيدعم بشكل مباشر انتشار التمويل الرقمي وتعزيز الشمول المالي خلال الفترة المقبلة، لافتًا إلى أن عنصر السرعة يمنح ميزة تنافسية نسبية لشركات التمويل، وإن لم تكن حاسمة بالكامل، في ظل تقارب مستويات التحول الرقمي بين اللاعبين الرئيسيين في السوق.
وفيما يتعلق بحماية بيانات العملاء، شدد صدقي على أن الإطار التنظيمي الحالي كافٍ لضمان أمن المعلومات، مشيرًا إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية أصدرت ضوابط صارمة للأمن السيبراني وحماية البيانات قبل إقرار العمل بمنظومة أعرف عميلك إلكترونيًا، إلى جانب وجود قانون لحماية البيانات جرى التشديد مؤخرًا على تطبيقه بإجراءات أكثر صرامة.
كتب: محمود معتز ومحمود الزهري







