تعتمد آمال أوروبا في العودة إلى النمو خلال عام 2026، إلى حد كبير على برنامج إنفاق ألماني ممول بالديون تبلغ قيمته تريليون يورو، يركز على البنية التحتية والدفاع، بحسب استطلاع أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز».
لكن الاقتصاديين الـ88 الذين شملهم الاستطلاع منقسمون حول ما إذا كان هذا الدفع المالي من برلين سيقود إلى «نهضة أوروبية» أم سيتلاشى في ظل نقاط الضعف الهيكلية الراسخة وانعدام اليقين الجيوسياسي؟
قال نيك كونيس، كبير الاقتصاديين في «إيه بي إن أمرو»، إن أوروبا، مع بقاء أكبر اقتصاد فيها عالقاً في حالة ركود منذ أواخر 2022، كانت بحاجة إلى عودة الروح الحيوية الاقتصادية لدعم تعافٍ تقوده قوة الطلب المحلي.
وبحسب استطلاع «فاينانشيال تايمز»، من المتوقع أن يتباطأ نمو منطقة اليورو بمقدار 0.2 نقطة مئوية العام المقبل إلى 1.2% في 2026، قبل أن يرتفع إلى 1.4% في 2027.
ويتماشى هذا التوقع بشكل عام مع أحدث تقديرات موظفي البنك المركزي الأوروبي.
تبين أن توقعات العام الماضي بنمو قدره 0.9% في عام 2025 كانت متشائمة أكثر من اللازم، بعد أن توسع اقتصاد التكتل بنسبة 1.4%.
كما بدت المخاوف التي عبر عنها اقتصاديون في استطلاع العام الماضي من أن البنك المركزي الأوروبي كان بطيئاً في خفض أسعار الفائدة في غير محلها.
وقالت بيا فرومليت، الاقتصادية في «إس إي بي»: «بشكل عام، فوجئنا إيجاباً بمرونة النمو في 2025».
لكن الاقتصاديين أبدوا شكوكاً بشأن «ما إذا كان الحافز المالي يمكن أن يتحول إلى زخم محلي مستدام، بدلاً من مجرد امتصاص الصدمات الخارجية»، بحسب ليا دوفاس، كبيرة الاقتصاديين في «تي إيه سي إيكونوميكس».
كبير الاقتصاديين في «أليانز جلوبال إنفستورز»: «التصحيح الحاد في تقييمات التكنولوجيا الأمريكية سيظل الخطر العالمي الأكبر»
ويتوقع جيمس روسيتر، المحلل في «تي دي سيكيوريتيز»، «صراعاً» بين حالة عدم اليقين الجيوسياسي والسياسة المالية التوسعية.
كما يتوقع المتفائلون أن تتعزز المرونة الكامنة بفضل التحفيز المالي خلال العام المقبل.
وقال يان فون جيريش، كبير الاستراتيجيين في «نوردا»، وهو من بين الأكثر تفاؤلاً مع توقعه نمواً بنسبة 1.5% في 2026، إن «الاستهلاك الخاص يمتلك إمكانات كبيرة للمفاجأة صعوداً».
يذهب رايو هايسكانن، كبير الاقتصاديين في المصرف الفنلندي «أو بي بوهيولا»، إلى أبعد من ذلك، متوقعاً «عودة شمال أوروبا».
رغم الانقسام بشأن آفاق النمو، يسود إجماع واسع على أن البنك المركزي الأوروبي أعاد التضخم إلى مساره المنضبط، إذ يتوقع الغالبية العظمى من الاقتصاديين أن يحقق هدفه متوسط الأجل البالغ 2% في 2027، بعد أن ينخفض قليلاً إلى 1.9% في 2026.
ويتوقع ثلاثة أرباع المشاركين أن يُبقي البنك المركزي الأوروبي على سعر تسهيلات الإيداع الرئيسي دون تغيير عند 2% حتى نهاية 2026.
وبحلول نهاية 2027، يرى الاقتصاديون في المتوسط زيادة واحدة في أسعار الفائدة إلى 2.25%.
وقالت سابرينا خانيتشي، الاقتصادية في «بيكتيه أسيت مانجمنت»، إن النمو مستقبلاً «سيعتمد بدرجة أقل على السياسة النقدية وبدرجة أكبر على تنفيذ السياسة المالية، والثقة، والتقدم في الإصلاحات الهيكلية».
لكن ليس الجميع مقتنعاً بقدرة برلين على الوفاء.
فقد قال هنري كوك، الاقتصادي في «إم يو إف جي بنك»، إن «ارتفاع الإنفاق الحكومي ميكانيكياً سيؤدي إلى رفع النمو في ألمانيا، لكن السؤال الأساسي هو ما إذا كان ذلك سيترجم ذلك إلى تعافي أوسع نطاقاً».
يحذر المتشككون من أن مليارات اليوروهات من الاقتراض الجديد قد تُوجه في النهاية إلى تمويل الرعاية الاجتماعية وغيرها من النفقات الجارية، بدلاً من استثمارات جديدة، في حين قد يكون للإنفاق المخصص للدفاع تأثير محدود فقط على النمو.
وقال بن بلانشارد، المحلل في «أبسولوت ستراتيجي ريسيرش»، إن «التفاؤل الذي رافق إعلان فريدريش ميرتس في وقت سابق من هذا العام تلاشى خلال الأشهر الأخيرة».
حذر فيليكس فيذر، الاقتصادي في «أبردين»، من أن «أي شخص يتوقع قفزة كبيرة في الأوضاع الاقتصادية لألمانيا في 2026 من المرجح أن يُصاب بخيبة أمل».
في الوقت نفسه، تواجه أجزاء واسعة من القاعدة الصناعية الأوروبية ضغوطاً متزايدة نتيجة تعرفة جمركية أمريكية بنسبة 15% فرضها الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب احتدام المنافسة من نظراء صينيين، ما يترك المستهلكين قلقين ومترددين في الإنفاق.
اقتران اتفاق سلام في أوكرانيا بالتحفيز المالي قد يدشن «نهضة أوروبية»
وقال فابيو بالبوني، اقتصادي منطقة اليورو في «إتش إس بي سي»، إن الرسوم الأمريكية «لم يكن لها حتى الآن تأثير سلبي ملموس على نمو منطقة اليورو»، لكنه أضاف: «قد نكون شاهدنا فقط قمة جبل الجليد».
ويرى أغلبية محدودة من المشاركين في الاستطلاع أن أكثر من نصف الأثر السلبي الإجمالي لهذه الرسوم قد تحقق بالفعل.
فقد حذرت أبولين مينو، الاقتصادية في شركة إدارة الأصول الفرنسية «كارمينيك»، من المنافسة الشرسة من المصدرين الصينيين التي تهدد بـ«إضعاف» الصناعة الأوروبية بشكل أكبر.
وقالت إن التكتل الأوروبي ككل، وكذلك الحكومات الفردية، يتبعون نهجاً «أقل من المطلوب ومتأخراً جداً» في مواجهة «صدمة صينية» متفاقمة.
وقد يشكل انفجار ما يصفه بعض الاقتصاديين بـ«فقاعة الذكاء الاصطناعي» في أسواق الأسهم الأمريكية عاملاً ضاغطاً إضافياً على نمو أوروبا.
وحذر كريستيان شولتس، كبير الاقتصاديين في «أليانز جلوبال إنفستورز»، من أن «تصحيحاً حاداً في تقييمات التكنولوجيا الأمريكية يظل الخطر العالمي الأكبر».
وأضاف أن الهبوط الحاد في الأسهم الأمريكية والدولار «سينعكس صداه أيضاً عبر أوروبا»، ما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض على الحكومات والشركات.
وقال جون لويلين، كبير الاقتصاديين السابق في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وشريك في شركة الاستشارات «إندبندنت إيكونوميكس»، إن «خطر حدوث أزمة مالية من نوع ما تنتقل تداعياتها إلى الاقتصاد الأمريكي والقطاعات المالية واقتصادات دول أخرى مرتفع ويتزايد».
في المقابل، يرسم بعض خبراء الاقتصاد سيناريوهات أكثر تفاؤلاً، من بينها نهاية الحرب في أوكرانيا، أو على الأقل التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام.
وإذا كان اتفاق السلام «موثوقاً وغير مضراً لأوكرانيا»، فقد «يقلص بشكل كبير حالة عدم اليقين الجيوسياسي ويحسن الثقة»، بحسب كريستوف بوشيه، كبير مسؤولي الاستثمار في «إيه بي إن أمرو إنفستمنت سوليوشنز».
في هذا السيناريو، قد تنخفض أسعار الطاقة، بينما ترتفع الاستثمارات والصادرات.
ومع اقتران ذلك بالتحفيز المالي عبر برامج الإنفاق الحكومي واحتمال تراجع معدلات الادخار المرتفعة لدى الأسر، قد يؤدي الأمر إلى إطلاق «دورة حميدة» و«نهضة أوروبية»، وفق راينهارد كلوزه، الاقتصادي في «يو بي إس».
