وسط تحسن ملحوظ في المؤشرات الكلية وتعافي مصادر النقد الأجنبي، تدخل توقعات نمو الاقتصاد المصري لعام 2026 مرحلة أكثر تفاؤلًا، مدعومة بإجماع دولي متزايد على قدرة الاقتصاد على استعادة زخم النمو المستدام.
ودفعت الطفرة في الاستثمارات العامة، وعودة النشاط الاستهلاكي، وتحسن أداء الصادرات والسياحة، مؤسسات دولية كبرى ووكالات تصنيف ائتماني إلى رفع تقديراتها لمعدلات النمو خلال العامين المقبلين، مع ترجيحات بتسجيل الاقتصاد معدلات تقترب من 5% وربما تتجاوزها.
وبينما ترى الحكومة أن عام 2026 يمثل نقطة تحول في مسار الإصلاح الاقتصادي، يربط الخبراء هذا السيناريو الإيجابي باستمرار التيسير النقدي، وتراجع المخاطر الخارجية، وتعاظم دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو.
وسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر 5.3% خلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026، مقارنة بـ 3.53% خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق، مدفوعًا بعام حافل بنمو الإنفاق الاستهلاكي للأفراد، وزيادة الاستثمارات العامة، إلى جانب تراجع عجز الميزان التجاري نتيجة ارتفاع الصادرات المصرية لمستويات قوية.
وسجلت الاستثمارات العامة نحو 924 مليار جنيه خلال عام 2024/2025، مقارنة بـ181.4 مليار جنيه في عام 2015/2016، محققة نموًا بنسبة 401.1% خلال 10 سنوات، ما ساهم في دعم النمو الاقتصادي.
ورفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الناتج المحلي المصرى للعام المالي 2025/2026 إلى 5.2%، مقارنة بتقديرات سابقة عند 4.8%.
وعزت تسارع النمو إلى الاستثمار المتزايد، ونمو الصادرات، وتحسن المؤشرات الكلية، وفقًا لتقريرها السنوي حول آفاق الاقتصادات السيادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2026.
وأبقت الوكالة على التصنيف الائتماني لمصر عند درجة B مع نظرة مستقبلية مستقرة، و ذلك لتحسن مؤشرات القطاع الخارجي وتوافر دعم خارجي ملحوظ، مقابل استمرار تحديات تتعلق بارتفاع الدين العام وحجم الاحتياجات التمويلية.
وأشارت الوكالة إلى أن تراجع الهجمات التي استهدفت خطوط الملاحة في البحر الأحمر خلال الشهور الماضية قد ينعكس إيجابًا على إيرادات قناة السويس، التي تعرضت لضغوط ملحوظة خلال العام الماضي نتيجة إعادة توجيه السفن إلى مسارات بديلة.
وأكدت «فيتش»، أن تحسن مؤشرات الاستثمار والصادرات سيشكل محركًا رئيسيًا للنمو، إلى جانب الاستفادة من الاستقرار الإقليمي، ما يضع الاقتصاد المصري على مسار إيجابي لتحقيق معدلات نمو أسرع خلال 2026 وتعزيز الاستدامة المالية على المدى المتوسط.
وفي السياق ذاته، أكدت رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، أن عام 2026 سيشكل نقطة تحول مهمة للاقتصاد المصري، في ظل مستهدفات حكومية للوصول إلى معدل نمو اقتصادي يبلغ 7%.
وقالت المشاط: «نتوقع تجاوز معدل النمو 5% خلال العام المالي الحالي، ونعمل على الوصول إلى مستويات 7% بما يسهم في زيادة معدلات التشغيل وتحقيق تنمية تنعكس بشكل مباشر على المواطن».
وأوضحت أن المصدر الرئيسي لهذا النمو يتمثل في قطاعات الصناعة، والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهي قطاعات إنتاجية يقودها القطاع الخاص.
وعدل البنك الدولي توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي 2025/2026 إلى 4.3%، بزيادة 0.1 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة الصادرة في يونيو، كما رفع توقعاته لنمو العام المالي 2026/2027 إلى 4.8% بدلًا من 4.6%، في ظل تحسن بيئة الاستثمار واستقرار المؤشرات الكلية.
أما مجموعة «بي إن بي باريبا» فتوقعت نمو الاقتصاد بنسبة 5.2% خلال عام 2026، مع ارتفاعه إلى 5.5% في 2027، مدفوعًا بالاستثمار في الشركات والتحسن المستمر في الاستهلاك المنزلي، الذي يمثل أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت إلى أن جزءًا كبيرًا من الانتعاش في عام 2025 جاء نتيجة رفع القيود على الوصول إلى العملة الأجنبية، مع الإشارة إلى أن قطاع الهيدروكربونات لا يزال يواجه حالة من عدم اليقين بعد تراجع النشاط في القطاعات الاستخراجية بنسبة 9% خلال 2025.
بينما توقعت وكالة «إس آند بي جلوبال» أن يبلغ النمو الحقيقي للاقتصاد المصري متوسط 4.8% خلال الفترة من 2026 إلى 2028، مدعومًا بالطلب المحلي وقطاعات البناء والسياحة، إلى جانب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتجارة، والزراعة، والرعاية الصحية.
في حين توقع بنك الإمارات دبي الوطني أن تحقق مصر معدل نمو اقتصادي يبلغ 4.94% خلال عام 2026، في ظل تراجع معدلات التضخم واستكمال البنك المركزي لدورة التيسير النقدي.
نجلة: تعافي مصادر الدولار نقطة فاصلة ونمو الاقتصاد يتراوح بين 4.8% و5.3% فى 2026
وقال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، إن التقديرات الخاصة بعام 2026 تشير إلى أن الاقتصاد المصري مرشح لتحقيق معدل نمو يتراوح بين 4.8% و5.3%.
وأوضح نجلة أن العامل الأهم الداعم للنمو في 2026 يتمثل في التحسن المتزامن لمصادر العملة الأجنبية، معتبرًا أن هذا التطور يمثل نقطة فارقة في المسار الاقتصادي.
وأشار إلى أن إيرادات السياحة مرشحة لتجاوز 17 إلى 18 مليار دولار، مدعومة بالتشغيل الكامل للمتحف المصري الكبير وزيادة عدد الرحلات والطاقة الفندقية.
وأضاف أن قناة السويس، في ظل التهدئة الإقليمية وعودة خطوط الملاحة العالمية، مرشحة للعودة تدريجيًا إلى مستويات قريبة من 8 إلى 9 مليارات دولار سنويًا، فيما عادت تحويلات المصريين بالخارج إلى مسارها الطبيعي، مع تقديرات لعام 2026 تتراوح بين 30 و33 مليار دولار.
وأوضح أن السياسة النقدية تمثل عامل دعم إضافيًا للنمو، متوقعًا استمرار خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي خلال 2026، بما يسهم في تقليل تكلفة التمويل، وتحفيز الاستثمار في القطاعات الصناعية والخدمية، إلى جانب إعادة الزخم إلى سوق المال.
وأكد أن الاستثمار الخاص يمثل أحد الركائز الأساسية لدعم النمو، في ظل تحول الدولة من دور المنافس إلى دور المنظم، ومع تنفيذ برامج الطروحات وتحسين بيئة الأعمال، ما يعزز الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاعات الصناعة والطاقة المتجددة واللوجستيات والتصدير.
متولي: توافق دولي واسع على نمو يقترب من 5% وتحسن المالية العامة يعزز ثقة المستثمرين
من جانبه، قال علي متولي، محلل اقتصادي واستشاري لدى IBIS، إن توقعات النمو الاقتصادي لعام 2026 تتراوح بين 4.7% و5%، مستندة إلى توافق آراء أكثر من 20 شركة استشارات وبنكًا دوليًا.
وأوضح أن المتوسط العام لتقديرات المؤسسات الدولية المختلفة يتراوح بين 4.4% و5.8% وفقًا لكل جهة، مشيرًا إلى أن النمو المتوقع سيكون مدفوعًا بزيادة الإنفاق الحكومي والخاص.
وأضاف أن الإنفاق الحكومي من المتوقع أن يتحول إلى نمو بنسبة 3.5% خلال 2026، وكذلك الاستثمار، في حين يظل الإنفاق الاستهلاكي للأفراد داعمًا رئيسيًا عند 4.5%.
وأشار متولي إلى تحسن الميزان الحكومي المتوقع، مع استقرار أو انخفاض طفيف في العجز، إلى جانب توقعات بتراجع الدين العام من نحو 90% إلى ما بين 85.3% و83%، ما يعزز ثقة المستثمرين ويتماشى مع التحسينات الأخيرة في التصنيفات الائتمانية.
ميخائيل: 2026 امتداد للنمو ولكن بوتيرة أهدأ.. والسياحة والزراعة في الصدارة
وقالت سالي ميخائيل، رئيس قسم الاستراتيجيات بشركة «تايكون»، إن أداء الاقتصاد المصري خلال عام 2025 جاء إيجابيًا ومتوافقًا مع التوقعات، مرجحة استمرار نفس المسار خلال عام 2026 ولكن بوتيرة أكثر هدوءًا.
وأضافت أن الاقتصاد المحلي يُظهر مؤشرات نمو قوية خلال السنة المالية 2025/2026، مع توقعات بارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 5%، مقارنة بـ4.4% خلال السنة المالية 2024/2025، مدفوعًا بالتوسع في الأنشطة الزراعية والصناعية، إلى جانب استمرار الانتعاش القوي في قطاع السياحة.
وأشارت إلى تصاعد المخاطر الجيوسياسية العالمية ذات التداعيات الاقتصادية والمالية، لكنها توقعت أن يكون تأثيرها على الاقتصاد المصري محدودًا، مؤكدة أن ارتفاع الدين الخارجي وأعباء خدمته يمثلان التحدي الأبرز خلال المرحلة المقبلة.
عبدالنبى: رفع الحد الأدنى للأجور والتوسع التصديري محركا النمو
وقال أحمد عبد النبي، رئيس قسم البحوث بشركة «مباشر»، إنه من المتوقع تحسن أداء الجنيه المصري ليصل إلى مستوى 45 جنيهًا للدولار بهامش حركة صعودًا أو هبوطًا في حدود 5%، مدعومًا بارتفاع صافي الأصول الأجنبية وتعزز الاحتياطيات الدولية.
ورجّح عبد النبي ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 5.6%، مدفوعًا بالزيادة المتوقعة في الاستهلاك الخاص بنسبة 7% خلال العام المقبل، باعتباره المكون الأكبر في الناتج المحلي، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور، ودعم الاستثمار، والتوسع في الصادرات، وترشيد الواردات.
أحمد: مؤشرات النشاط تؤكد تعافي الاقتصاد ونمو متماسك حتى 5.6%
وقالت إسراء أحمد، اقتصادي أول بوحدة بحوث «رامبل» في شركة «ثاندر» لتداول الأوراق المالية، إن مؤشرات مديري المشتريات الأخيرة ونتائج الربع الأول من العام المالي تعكس انتعاشًا جيدًا في نشاط القطاعات المختلفة، ما عزز توقعات تحقيق معدل نمو متماسك خلال العام المالي 2025/2026 يتراوح بين 5.4% و5.6%.
وأضافت أن المؤشرات الداخلية للاقتصاد إيجابية نسبيًا، إلا أن استمرار هذا التحسن يعتمد على بقاء البيئة العالمية مواتية، بما يشمل انخفاض الدولار عالميًا، وخفض الفيدرالي الأمريكي للفائدة، واستقرار أسعار السلع الأساسية، وهو ما ساهم في الحد من الضغوط التضخمية.








