لسبب ما تراجعت معظم أوصاف الوزراء فى الفترة الحالية لصالح وصف واحد: «الوزير النشيط» و«الوزيرة النشيطة»!. الوصف بقدر ما يحمل من سيولة وغياب المدلول والمقصود فى سياقه، بقدر ما يكشف عن عبقرية مصرية خالصة فى استخلاص أكثر الكلمات تعبيراً عن حالة غياب الإنجاز أو الضجيج بغير طحين، لكن بالطبع فى غلاف أنيق لا يمس كرامة الموصوف.
فلم نعد نسمع عن الوزير الكفء، والوزيرة الحازمة، والوزراء المخلصين إلى غير ذلك من أوصاف لا يجرؤ المنافقون وذوى الأنوف البُنيّة على اجتراحها فى الوقت الراهن.
الوزيرات والوزراء «النشطاء» تجمعهم ملامح مشتركة، أبرزها الاهتمام المبالغ فيه بالظهور الإعلامى، أو قل التلميع الإعلامى، يتحركون أمام الكاميرات أكثر من تحرّكهم خلفها، يملأون الفضاء الإعلامى بكلام كثير وفعل قليل. الوزير النشيط هو الذى ينشط للإدلاء بتصريحات تخص حقائب زملائه الوزارية.
الوزيرة النشيطة هى تلك التى تتحدث عن كل شىء ومع كل الأطراف دون إطار جامع ورؤية واضحة وربما دون حقيبة معنيّة.
تمر الساعات الطوال وربما الأيام على الوزراء النشطاء وهم لا يعرفون لبيوتهم سبيلاً، فهم غرقى بين الاجتماعات والزيارات، لكن ليس بالضرورة أن يظهر مردود إيجالبى لهذا «الحراك». الإنجاز غير وارد فى نتائج أعمالهم، لأن عمر الفكرة والمشروع كله ينقضى بانتهاء تصدّره المانشيتات الرئيسة فى الصحف، ولأن الإنجاز يتطلّب أن تكون هناك مؤشرات جادة لقياس الأداء بخلاف مؤشرات احتلال المشهد الإعلامى، من القواسم المشتركة بين هذا النوع من الوزراء قصر أعمارهم الوزارية، فمن أسف كلما نشط الوزير واشتعلت الوزيرة ظهوراً وبريقاً كلما أصبحا هدفاً سهلاً فى مرمى المستأثرين بقرابة رئيس الوزراء والرئيس.
الوزراء «النشطاء» لا يجيدون الحديث أمام الجمهور على الرغم من اعتمادهم التام على الحديث وعلى الظهور، يبدو أن التلميع المفرط مشروط بعدم تمتّع صاحبه بالكثير من الكاريزما وإلا صار مصدراً للقلق.
وفى المعجم يقال «رجل متنشّط» إذا كانت له دابة يركبها فإذا سئم الركوب نزل عنها، وكذلك الوزير، إن امتطى صهوة وزارته، لكنه نادراً ما يسأمها بل ينزل عنها كارهاً مكرهاً، ويقال «رجل منتشط» إذا نزل عن دابته من طول الركوب، وكذلك الوزيرة متى غادرت ديوان وزارتها بغير رجعة.
ونشط من المكان بمعنى «خرج»، وكذلك إذا قطع من بلد إلى بلد، والناشط: «الثور الوحشى» الذى يخرج من بلد إلى بلد أو من أرض إلى أرض.. وهنا أتوقف عن المقاربة.
غياب أية معايير للنشاط الوزارى جعلت الكلمة مرادفاً لوصف «كويس» أو «كويسة» وهذا لا يغنى من السؤال عن لماذا هو «كويس»؟ وما هى طبيعة «الكوسة» التى استحق عليها هذا النعت؟ لا أحد يعرف.
تصدير وصف إيجابى عن وزير أو وزيرة لا يذكر لأيهما إنجازات واضحة وملموسة على الأرض مقصود لتعزيز بقائهما فى كرسى الوزارة، كأنى بصاحب المديح يريد أن يرسل إشارة إلى المسئول الأعلى كى يبقى عليهما فى التشكيل الجديد.
ما يقال عن الوزراء والوزيرات ينسحب على كثير من المسئولين، هذا محافظ نشيط، وذلك رئيس هيئة نشيط وهذه مديرة نشيطة.. يضيع بين أولئك وهؤلاء وزراء ومسئولون يعملون بجد بعيداً عن العدسات والأقلام، يحققون أهدافاً محددة مسبقاً ومعلنة وقابلة للقياس والتقييم، لكنهم بعد محرومون من وصف الوزير النشيط!.
د/ مدحت نافع
نائب رئيس لجنة الاستدامة
بالاتحاد العالمى للبورصات








