أثار الكتاب الدورى الذى أصدره مؤخراً البنك المركزى المصرى إلى جميع البنوك العاملة كثيراً من الجدل، فقد أخطر البنك المركزى البنوك أنه فتح حساباً جديداً لتحصيل كسور الشيكات والحوالات المصرفية، من «الفكة»، التى يتم صرفها عبر شبابيك الصرف فى البنوك، وتحويل رصيد الحساب المجمع إلى صندوق «تحيا مصر». يرى المؤيدين لهذا الإجراء أنه إزكاء لروح الوطنية، ويلهم المصريين المشاعر للمشاركة فى بناء الوطن.
وعلى الجانب الآخر، يرى المعارضين أنه ضرب من الجباية، ولا طائل منه خصوصاً أن التنمية تعتمد على مصادر تمويل يمكن التنبؤ بقيمتها، ولا جدوى حقيقية من جمع رصيد «الفكة» لأنه لن يساهم فى بناء الاقتصاد القومى بالقدر المتوقع.
يتعلق الكتاب الدورى الذى أرسله البنك المركزى إلى البنوك بتحصيل كسور الجنيه للشيكات والحوالات المصرفية التى تبلغ التى تبلغ قيمتها أكثر من 100 جنيه وحتى مليون جنيه، كما سيتم تحصيل كسور العشرة جنيهات للشيكات والحوالات المصرفية التى تبلغ قيمتها أكثر من مليون جنيه، واشترط البنك المركزى لخصم كسور الشيكات والحوالات أن تحصل البنوك على موافقة كتابية من العملاء.
ويُعفى من هذا التحصيل الشيكات والحوالات المصرفية بقيمة 100 جنيه فأقل وشيكات المعاشات، وسوف يفتح كل بنك حساب يتم تجميع الحصيلة فيه على أن يتم تحويل رصيد هذا الحساب نهاية كل شهر إلى حساب «كسر الشيكات» المفتوح لدى البنك المركزى، الذى سوف يقوم بدوره بتحويل رصيد الحساب المفتوح لديه لهذا الغرض إلى صندوق «تحيا مصر» فى اليوم الأول من كل شهر. وسوف تخصص الحصيلة لتمويل بعض المشروعات التنموية والخيرية مثل تطوير المناطق العشوائية.
وفى إشارة إلى هدف المبادرة، أشار البنك المركزى إلى أن هذه المبادرة تأتى لخدمة الاقتصاد القومى، نظراً لعدم صرف كسور قيمة الشيكات أو الحوالات المصرفية التى يتم صرفها عن طريق شباك الصرف للعديد من العملاء.
المؤيدين لهذه المبادرة يرون أن البنوك العاملة فى مصر تبلغ 37 بنكا تنفذ يومياً عمليات صرف نقدى للشيكات والحوالات تقدر بالآلاف من خلال شبكة فروع تقدر بنحو 3950 فرعاً، وبافتراض أن الفرع الواحد يمكن أن ينفذ فى المتوسط 200 عملية صرف نقدى لشيكات وحوالات، وأن 70% من هذه المعاملات تنطبق عليها شروط المبادرة، وأن 50% من العملاء سوف يرحبون بخصم «الفكة» بمتوسط 2 جنيه من القيمة المدفوعة إليهم، يمكن تحصيل 553.000 جنيه يومياً فى المتوسط، وسوف يبلغ رصيد الحساب فى نهاية العام نحو 136 مليون جنية بافتراض عدد أيام عمل البنوك 246 يوماً فى السنة.
كما يرى المؤيدون، أن المبادرة لا تهدف فقط إلى جمع الأموال، لاسيما أن الهدف الأسمى هو إزكاء روح الانتماء والوطنية وخصوصاً فى الأجيال الشابة، وهذا الأمر بالغ الأهمية، ولا يمكن قياس مردوده بالمعايير المادية، فبناء مستقبل الوطن يكون بالعطاء المادى والمشاركة المعنوية فى جميع الفاعليات والمشاريع والمبادرات ذات الطابع الوطنى.
ومن جهة أخرى، يرى المعارضين أن الأجدى أن تقوم الحكومة بتشديد الرقابة على إهدار المال العام فى القطاع العام وأجهزة الدولة، وأن تضبط المصروفات فى الصناديق الخاصة، وترشد الانفاق الحكومى، إلى جانب محاربة الفساد المستشرى فى المحليات، فهذه المبادرة وغيرها لا يمكن الاعتماد عليها فى بناء الاقتصاد لأنها تعتمد على المساهمة الطوعية، خصوصاً لن يستطيع أى بنك أن يجبر عميله على التنازل عن كسور مستحقاته، وبالتالى فحجم المبلغ المتوقع جمعه لن يكون بشكل يمكن الاعتماد عليه كأساس لإنشاء أى مشروعات، حتى بالافتراض جدلاً أن المبادرة جيدة، لماذا تقتصر على البنوك ولا يتم تنفيذ مبادرات مماثلة فى قطاعات أخرى مثل هيئة البريد والجهات التى تؤدى خدمات للمواطنين تسمح بإضافة «الفكة» إلى قيمة المنتج أو الخدمة، هكذا يعتقدون أن الدولة تفتقد النهج العلمى فى إدارة الأمور الاقتصادية للبلاد، وتطلق مبادرات فى الفراغ بلا أى طائل.
وبين المؤيدون والمعارضون، أرى أن المبادرة جيدة، ولكنها تفتقر إلى الشفافية فى إعلان الدراسات التى تمت بشأنها، والتقديرات المبدئية للمبالغ المتوقع تحصيلها، مع توضيح الفرضيات المستخدمة فى الدراسة، والمشاريع المحددة التى سوف توجه حصيلة الحساب لدعمها، لقد أثار دهشتى أن يصدر تصريح من مديرة برنامج التنمية فى صندوق «تحيا مصر»، تقول فيه إن مبادرة «الفكة» يُمكن لها أن توفر 18 مليار جنيه للدولة، وبالمثل اقرأ تصريحات فى وسائل الاعلام تدور حول توقعات غير منطقية بخصوص حصيلة المبادرة، كأن يتوقع أحد من يسبق اسمه لقب «خبير اقتصادى» أن تكون حصيلة مبادرة «الفكة» ما يزيد على 20 مليار جنيه لصالح الدولة.
الخلاصة أنى أؤيد مشاركة المواطنين فى المبادرات الوطنية الجادة من أجل إزكاء روح الوطنية، ولكن يحدونى الأمل فى أن تقوم الجهات المعنية بإجراء دراسات شاملة ذات صلة وأن تكشف عن النتائج للعامة من أجل تحقيق الشفافية المطلوبة.