لا شك أن عجز المصانع عن سداد الفوائد المتراكمة ورسوم المحاكم عن قضايا البنوك الخاسرة من الأسباب فى استمرار التعثر.
– التعثر مشكلة دائمة ومستمرة وقديمة، تظهر كل فترة من فترات الزمان والمكان حسب الظروف الاقتصادية والسياسية السائدة، وغياب عنصر الاستقرار والشفافية، وحجم الفساد الموجود، فقد حدثت مراراً وتكراراً، وآخرها عالمياً ما حدث فى عام 2008 من أزمة مالية خطيرة تأثرت بها دول العالم، وكان لنا نصيب منها.
– وقد اهتم الرئيس السيسى، بهذه الظاهرة التى تؤثر على الحياة الاقتصادية بشكل كبير، لأن التعثر معناه مصنع قائم، ثم توقف عن الإنتاج، وقام بتسريح العمالة رغم وجود الكيان بأدواته، ويمكن إعادته إلى حلبة الإنتاج، إذا ما عالجنا مشاكله المالية والتمويلية، غالباً ما تكون ناتجة عن اضطراب فى الحياة السياسية، أو تغييرات اقتصادية دولية اهتزت بسببها الأسعار وأسواق الصادرات والواردات بين الدول التى عانت وتعانى من كساد فى المبادلات التجارية نتيجة لهذه التغيرات المفاجئة.
– ونتيجة للنجاحات التى قادها محافظ البنك المركزى وخطواته الجريئة فى الإصلاح الاقتصادى، والتى كان أهمها تعويم الجنيه، والقضاء على ظاهرة السعرين، سعر حكومى وسعر سوق سوداء، مما كان سبباً فى تراجع الاستثمارات الأجنبية لصعوبة حساب الربع والخسارة فى ظل هذا الاضطراب فى سعر العملة، وقد ساعد فى الإصلاح الاقتصادى القرارات الجريئة للقيادة السياسية، التى أعطت كل اهتمامها لإصلاح الدولة مع إنكار الذات، ودون المحافظة بحكام الأمس، من أجل الحفاظ على مكاسبهم والتى حققوا منها الكثير مع سياسة الخصخصة، وبيع الشركات العامة الرابحة بقيم دون الحقيقة، وأقل من قيمة الأصول التى تمتلكها، فكانت كارثة نعانى من آثارها حتى الآن.
– البنوك المصرية لديها سيولة ضخمة متاحة للإقراض والتمويل ودعم الاقتصاد المصرى الذى صادف نجاحا فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السيسى، والذى رأى فى تعثر المشروعات الصناعية أمراً خطيراً، يؤثر على السياسة العامة للدولة، والتى تسعى لتحقيق أعلى معدل نمو، وتخفيض نسبة البطالة، وعجز الموازنة، والتقليل من مخاطر التضخم.
العلاج لحالات التعثر أمر ضرورى فى المرحلة الحالية، ويجب أن يكون هناك معاملة خاصة للمصانع، والتى تضمن بآلاتها وأرضها وكافة أصولها كأحد الضمانات لاستيفاء أصل الدين مما يشجع البنوك على الإقراض والتمويل والتخفيف من هول الفوائد التراكمية، والتى لا تقف عند حد، ولا تراعى ظروف المدنيين والظروف المحيطة بالنشاط الاقتصادى بالدولة وبخاصة التغيرات المفاجئة، كان يجب الوقوف بجانب المريض حتى يتعافى ويعود للحياة من جديد، وكان للأيدى المرتعشة فى البنوك فى العلاج آنذاك أثر فى استمرار ظاهرة التعثر لمصانع قائمة منذ أكثر من ربع قرن ومتعثرة، ولكن غياب القرار الجرىء للعلاج كان سبباً فى استمرارها، وأضيف إليها مصانع أخرى أصيب إصابة مباشرة فى تكلفة إنتاجها فى فترة تعويم الجنيه عام 2016، مما أصابها بخسائر مفاجئة غير محسوبة، وكان على البنوك وهى ليست فى غيبة عن نتائج تعويم الجنيه وأثره فى الحياة الاقتصادية، وبخاصة التى تعتمد على استيراد خاماتها أو تعاقدت على معداتها بأسعار قبل التعويم، وستقوم بالسداد بأسعار جديدة عالية، هذا هو السبب الرئيسى فى ضياع مصانع كثيرة، ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس، ومما دفع البنك المركزى لإيجاد الحلول العاجلة لانتشال هذه المصانع، والعمل على أن تعود للإنتاج من جديد مع الحفاظ على العمالة، ومازال حتى الآن هناك حالة من الارتباك لدى البنوك فى علاج ظاهرة التعثر، والتى وصل عددها فى عام 2001 وما قبلها أكثر من مائة ألف متعثر منتشرين فى أرجاء الدولة، بداية من منطقة الكوثر فى سوهاج، وحتى العامرية فى الإسكندرية، مع إجراءات قضائية عنيفة من قبل البنوك، مستغلين فى ذلك الأوراق البيضاء التى فى ملفاتهم من شيكات أو سندات أو ايصالات مختلفة حتى تحول المتعثرون من صناع مصر إلى مجرمين مطاردين، يتم حبسهم مع مجرمى المخدرات والسرقة والآداب وغير ذلك من المهانة لم يقابلها صانع يعطى للدولة، ويفتح أبواباً للعمالة، وجزاؤه هذه البهدلة والمهانة من قبل البنوك، بخلاف ما يتبع ذلك من استحقاق رسوم المحاكم على القضايا التى رفعها المتعثرون مع البنوك لإطالة الأمد، وإبعاد جريمة الحبس والسجن عنهم وخسروها، ولكن كان الاستئناف دائماً فى صالح البنوك لقوة ما تملكه من مستندات وشيكات.
– الرسوم القضائية التى تتقاضاها المحاكم على القضايا الخاسرة لا تقل فى قيمتها وخطورتها عن ديون البنوك ذاتها، بل أشد خطوة لما تملكه من أوامر الحجز والبيع، وهذا أمر خطير، يجب أن يعطى مجلس النواب اهتمامه لرسوم المحاكم لأنها تصل بالملايين على قضايا المتعثرين فهى تحتسب نسبة من اجمالى الدين شاملة الفوائد التراكمية موضوع القضية بدون سبب سوى خسارة قضية البنوك أمام القضاء.
– لقد عاصرنا التعثر عام 2003، 2004، عندما تدخل اتحاد الصناعات آنذاك للبحث عن حل لهذه الظاهرة القاتلة لكل صناعة، وبعد أن كان بعض المتعثرين الذين صدرت عليهم أحكام أن يفتحوا كبائن المصايف فى عز الشتاء للهروب من تنفيذ الأحكام آنذاك، كانت ظاهرة كارثية بمعنى الكلمة بالنسبة للمتعثرين من صناع مصر، لابد أن يتم دراستها من كافة جوانبها، من حيث القضاء على المستندات البيضاء، والبحث عن إيقاف عداد الفوائد التراكمية التى تصل بالدين من الملايين إلى البلايين ومعها السجن، وقد رأينا ذلك فى الكثير من رجال الصناعة الكبار الذين تم حبسهم مع المجرمين.
– كما يجب أن يتم بحث الرسوم القضائية التى ليس لها حل، والتى يتم توزيعها داخل المحكمة، فهى تعد سبباً فى مزيد من أسباب التعثر بلا سبب واقعى، بل جزاء وعقاباً لخسارة القضية مع البنوك.
كما أن العودة للتعامل مع البنوك فى ظل مشكلة القائمة السوداء بالبنك المركزى، ثم انتقلت المهمة إلى شركة أيسكو i- score التى لديها من القوائم ما يكفى لقتل أى متعثر من أن ينهض من جديد.
كما كان لقرار البنك المركزى والذى أصدره محافظ البنك المركزى السابق «هشام رامز» بضرورة مرور 5 سنوات و10 سنوات على التسويات التى تتم مع المتعثرين، حسب نسبة السداد، مع العلم بأن مديونية البنوك فى معظمها تراكمات فوائد، تصل إلى أضعاف الدين الأصلى الذى تم سداده، لذلك يجب إلغاء قرارات البنك المركزى السابقة وبخاصة المنشآت الصناعية التى تعانى الكثير، رغم ما تقدمه للدولة من التعاون فى خلق فرص عمل، وتخفض معدل البطالة.
– إن مبادرة السيد رئيس الجمهورية والتى لاقت عناية من البنك المركزى لحل مشكلة التعثر فهى لا شك فى علاجها لها تأثير مباشر وكبير على معدل البطالة والتنمية المستدامة بالدولة.
وعلى البنك المركزى أن يدعم مبادرته بآليات سريعة التنفيذ لإسقاط الفوائد وإلغاء قرارات البنك المركزى السابقة، فهى قرارات معوقة لمعالجة أى تعثر طالما المصانع قائمة، والعودة يمكن أن تكون سريعة إذا أزلنا مثل هذه المعوقات، كما يجب على وزير العدل أن يعيد النظر فى رسوم المحاكم على قضايا المتعثرين مع البنوك لضخامتها، ولا يوجد مبرر لها علمياً سوى تحصيل مزيد من الرسوم للمحاكم، والواقع أن المتعثر قتل بفوائد الديون، ولا داعى لسلخه
برسوم المحاكم.
قلم: محاسب/ أحمد عاطف عبدالرحمن







