تتكشف أزمة تفشى فيروس كورونا أمام أعيننا، إذ يواجه القادة السياسيون والمؤسسات المالية وهياكل الحوكمة العالمية، اختباراً صارماً، كما أن مهامهم أصبحت أكثر صعوبة، بسبب انخفاض مستويات الثقة العامة والعقود الاجتماعية المتصدعة فى أجزاء كثيرة من العالم.
وتحاول العديد من الدول اتخاذ احتياطاتها اللازمة فيما يخص الخدمات الصحية، فى ظل تأثر الخدمات الأخرى بشكل كبير بالفعل بها.
فرغم العديد من الأعمال الخيرية الرائعة التى نشهدها فى المجتمعات التى تعانى من إغلاق أو حجر صحى، إلا أننا نعلم أن الصعوبات الوشيكة ستؤثر على التماسك الاجتماعى.
وفى ظل اتضاح مدى محدودية أدوات إدارة الأزمات، يتضح بشكل كبير مدى الحاجة لانضمام القطاع الخاص إلى خطوط الدفاع ضد “كوفيد-19”.
ومن المؤكد، أن ثمة سبب كامن خلف طلب البيت الأبيض من تاجر التجزئة الأمريكى “وول مارت” وآخرين، المساعدة فى اختبارات هذا الفيروس.
كما أن ثمة مطالبات بتحويل الشركات خطوط إنتاجها نحو تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعى، فالحكومات والبنوك المركزية ومنظمة الصحة العالمية لن تهزم هذا الوباء وحدها.
وتواجه الرأسمالية المسئولة، التى تسعى إلى نقل ثقافة الشركة إلى ما بعد أولوية المساهمين، أكبر اختبار لها حتى الآن.
كما أن الرؤساء التنفيذيين غارقون اليوم فى الخيارات الصعبة، وهم يحاولون استيعاب الخسائر والتدفقات النقدية المستمرة، وتحقيق التوازن بين الاحتياجات المتنافسة للمستثمرين والعملاء والموظفين والموردين.
وفى الوقت نفسه، لا توجد إجابات حازمة تجاه جميع الشكوك.. بل مجرد أفضل الأحكام، ومجهول لا حصر له بشأن سلاسل الإمداد والأسواق المتقلبة وتأثير حظر الرحلات الجوية، ومن المؤكد أنه سيكون من المستحيل إبقاء الجميع سعداء.
ومع ذلك، ربما تكون هناك فرصة، خصوصاً أن العالم شهد فى السنوات الأخيرة ثناء الموظفين والمستهلكين بشكل متزايد على الشركات التى تستخدم سلطاتها من أجل الخير.
كما أن الشركات التى تتمسك بقيم واضحة لتعزيز مهمة مجتمعية أكبر بانتظام، تظهر أداءً مالياً أقوى.
ويمكن رؤية هذا الأمر بوضوح فى شركة السلع الاستهلاكية البريطانية الهولندية “يونيليفر” خلال الأعوام الـ10 الماضية، والتى كان بول بولمان رئيساً تنفيذياً خلالها، إذ ساهم وضع هدفاً مجتمعياً داخل قلب نموذج أعمال الشركة، فى تحقيق عائد للمساهمين بنسبة 300%.
ومؤكد أن استجابة الشركات لتفشى فيروس كورونا، ستسهل عملية اكتشاف الفضيلة الكاذبة، كما أن قادة الأعمال الذين يدعمون البيانات الأخلاقية سيظهرون مع الإجراءات العملية.
ويمكن لبعض الشركات، إعادة نشر قدراتها الفريدة لتلبية احتياجات المجتمع الفورية، فعلى سبيل المثال تنتج شركة “أل فى أم أتش مويت هينيسى” العملاقة للسلع الفاخرة، مطهرا لليد فى مصانع العطور التابع لها، حتى تتمكن المستشفيات الفرنسية من استخدام هذا المطهر.
كما أن شركة “جونسون آند جونسون” تبرعت بمليون قناع طبى للعاملين في مجال الصحة فى الصين، وتساعد شركة “أيكيا” في تجهيز المستشفيات بالمناطق المنكوبة من تفشى فيروس “كورونا”.
وبالتأكيد لن ينسى المتلقون مثل هذه الأعمال، كما أن هذه الشركات ستبنى نية حسنة بين عامة الجمهور لفترة طويلة قادمة.
بالإضافة إلى ذلك، ستقدم الشركات المسئولة كل ما فى وسعها لحماية الأفراد التابعين لها، أى الموظفين والعملاء وسلاسل الإمداد، فمن المؤكد أن تعزيز الصحة والسلامة أصبح قمة الأولويات، ثم يأتى بعدها محاولة تخفيف التأثير المالي لتفشي الفيروس، خصوصاً بالنسبة للموظفين العاملين بعقود غير مستقرة.
ووافق عملاق التكنولوجيا الأمريكى “مايكروسوفت” على الاستمرار فى دفع الأجور بشكل منتظم للعاملين بالساعة، حتى إذا انخفض عدد ساعات العمل.
كما أطلقت سلسلة سوبر ماركت “موريسونز” فى بريطانيا، صندوق “عسر” للموظفين الذين يواجهون صعوبات نتيجة “كوفيد-19″، والبعض الآخر يحذو نفس الاتجاه، وقدم إجازة مرضية مدفوعة الأجر للعاملين.
وفى الوقت الذى يتعين فيه على الحكومات تقديم الدعم اللازم للأسر، فمن الحماقة أن نأمل أن يتمكن المبادرون الوطنيون الذين يعانون الإجهاد، من القيام بجميع المهام الثقيلة. فإذا كانت مجتمعاتنا ستخرج من الاضطراب قوية قدر الإمكان فسيكون من الضرورى للشركات القيام بواجبها.
ومن المؤكد، أن الشركات التي تحاول الموازنة بين الطلب وتقديم المساعدة الحقيقية للمجموعات الأخرى، ستشهد فوائد هائلة خلال الأشهر والسنوات المقبلة، إذ ستقوم هذه الشركات ببناء قوى عاملة أكثر مرونة وأكثر ولاء لها، كما أنها ستصبح فى وضع أفضل لمواجهة العاصفة الاقتصادية الطويلة.
ويجب أن تكون جميع الشركات الكبرى، باستثناء الأشد تضرراً، قادرة على حماية العمال المعرضين للخطر من خلال خطط مخصصة وضمان الحد الأدنى للدخل، بما فى ذلك أولئك الأشخاص غير القادرين على أداء واجباتهم بسبب معاناتهم من المرض أو أى أسباب أخرى ليست لها علاقة بأى خطأ من جانبهم.







