“المركزي” متفائل بتحقيق تعافٍ مطرد مع زيادة تناول لقاح “كورونا”
يبدو أن الاقتصاد الألماني دخل عام 2021 بخطوات متأرجحة؛ فهو متأثر بشدة بالتداعيات الناتجة عن تفشي جائحة فيروس كورونا المميت، والتي قادته للاعتماد بشكل كبير على المساعدات الحكومية، رغم أنه في وضع أفضل من معظم دول منطقة اليورو.
وقد شهدت ألمانيا أعمق انكماش اقتصادي لها منذ أكثر من عقد من الزمان عام 2020، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، ليكون بالتالي أداء ألمانيا أفضل من نظرائها الأوروبيين من الناحية الاقتصادية، إذ يقدر الاقتصاديون تسجيل كل من فرنسا وإيطاليا تراجعاً اقتصادياً بنسبة 9% لعام 2020 بأكمله، وبنسبة تزيد على 11% لإسبانيا.
ورغم أن الربع الأول من 2021 بدأ بشكل سيئ، خصوصاً في ظل تمديد عمليات الإغلاق، واتجاه منطقة اليورو ككل إلى تسجيل ركود مزدوج، فإن البنك المركزي الألماني ، لا يزال متفائلاً بإمكانية تحقيق تعافٍ مطرد مع ارتفاع تناول اللقاحات المضادة لكورونا.
وانعكست كيفية نجاح أكبر اقتصاد في أوروبا، حتى الآن، في شركات منها”دكتور ساسي إيه جي”، التي تتخذ من ميونيخ مقراً لها وتوظف نحو 7000 عامل يقدمون خدمات إدارة المرافق والتنظيف في أربع دول.
فرغم انخفاض مبيعاتها بنسبة 10% العام الماضي، وتخفيض عدد ساعات العمل الخاصة بمجموعة كبيرة من قواها العاملة، فإن مؤسسها يقول إنهم نجوا ولكن ببعض “الكدمات”.
وقال رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة البافارية، إيبرهارد ساسي، في مقابلة أجريت معه: “ستكون الأعوام القليلة القادمة صعبة للغاية أيضا، ولن يكون 2021 عاماً للأزمات، بل إنه سيكون عاماً نضطر فيه إلى قيادة التغيير بنشاط كبير”.
وعندما تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في مارس الماضي ، بفعل كل ما تحتاجه ألمانيا لتجاوز أزمة الوباء، سجل ساسي رسالة فيديو- مع زوجته وابنتيه- يخبر فيها موظفي الشركة المملوكة للعائلة أنه سيحشد كافة الموارد المالية المتاحة لضمان البقاء.
وبحسب ما نقلته وكالة أنباء “بلومبرج”، فإن هذا الأمر يعني الاعتماد الكبير على الدعم الحكومي لدفع الأجور وإعادة تركيز العمليات لجذب الإيرادات حيثما أمكن ذلك.
وقد ساعد في ذلك إحدى أكثر الحزم المالية سخاء في المنطقة، والتي وصفها وزير المالية الألماني أولاف شولتز بأنها تتمتع بالجاذبية، إذ أنفق برنامج العمل قصير المدة “kurzarbeit” ما يصل إلى 22.1 مليار يورو “أي 27 مليار دولار” العام الماضي لدعم كشوف مرتبات الشركات العاملة بمستويات منخفضة.
ومثل هذا الدعم بحاجة إلى الاستمرار، خصوصاً أن المطاعم والفنادق والمتاجر غير الأساسية ستظل مغلقة حتى نهاية شهر يناير على الأقل.
كما أن الأشخاص في بؤر تفشي الوباء، سيظلوا محصورين في دائرة نصف قطرها 15 كيلومتراً حول منازلهم.
وكانت ميركل قد حذرت مؤخراً من ضرورة فرض إغلاق لمدة 10 أسابيع للحد من تفشي الشكل المتحور للفيروس، الذي يقود الآن ارتفاع حالات الإصابة.
لكن قطاع التصنيع الألماني، الذي يشكل نحو خمس الاقتصاد، لعب دوراً مهماً في تخفيف حدة الضربة، كما أنه سيساعد في دفع الانتعاش عند تعافي الطلب العالمي.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة “إي. إتش. إس ماركيت” تفاؤلاً كبيراً بشكل تاريخي بشأن إنتاج المصانع هذا العام.
ويقول رئيس البنك المركزي الألماني، ينس ويدمان، إنه ليس هناك سبب حتى الآن للتخلى عن التوقعات التي تفيد بإمكانية نمو الاقتصاد بنسبة 3% عام 2021، كما تشير أحدث توقعات القطاع الخاص إلى إمكانية تسجيل انتعاش أقوى.
ومع ذلك، لا تزال المخاوف من أن يأتي الانتعاش المتوقع في عام 2021 مخيبا للآمال، منتشرة في أجزاء من ألمانيا، إذ حذر بعض خبراء الاقتصاد من أن عام 2021 قد يتحول إلى عام خيبة الأمل.
وفي 4 يناير الحالى، كتب رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، مارسيل فراتزشر، في مدونة: “لقد أدرك الناس أن الأزمة الاقتصادية لن يتم التغلب عليها في أي وقت قريب بسبب الموجة الثانية المستمرة من العدوى.
كما يمكن أن تتحول الحلقة المفرغة من فشل الشركات وارتفاع معدلات البطالة وضعف الطلب إلى حقيقة بسهولة أكبر مما يدركه الكثيرون”.
وبحسب دراسة استطلاعية أجرتها جمعية الصناعة “إتش.دى. إي”، يرى ثلثا بائعي التجزئة داخل المدينة الألمانية خطر الفشل، في حين أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يقولون إن المساعدات الحكومية ليست كافية لتجنب الإفلاس.
وأشارت تلك الدراسة، إلى أنه في الوقت الذي خسر فيه القطاع مبيعات تصل قيمتها إلى 36 مليار يورو العام الماضي، لم تقدم الحكومة سوى 90 مليون يورو من المساعدات المباشرة.
وأوضحت وكالة “بلومبرج” أن الخطر يكمن في أن نقاط الضعف هذه، إلى جانب ارتفاع معدل البطالة، ستبدأ في التدفق إلى قطاع التصنيع، مما يحد من قدرة القطاع على تشغيل باقى الاقتصاد.
ويقول ساسى، رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة البافارية، إن الشركات في منطقته تأمل في أن يساعد قطاع التصنيع في انتعاش الاقتصاد الألماني، مشيراً إلى أن جائحة كورونا سوف تشكل حافزاً كبيراً للتغيير.
وأضاف ساسي: “مثل بقية القطاعات في الاقتصاد الألماني، لا يمكننا ببساطة الجلوس والانتظار لحين انتهاء الأزمة”.