فى خطوة تتحدى سيادة العملة الخضراء، وقبل أيام فقط من تنصيب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة، من المقرر أن تحذر بروكسل من اعتماد الأسواق العالمية بشكل كبير على الدولار الأمريكى، فى ظل سعيها لإيجاد طرق للحد من تعرض أوروبا للعقوبات الأمريكية والمخاطر المالية الأخرى.
وكشفت مسودة ورقة سياسات المفوضية الأوروبية، أطلعت عليها صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، عن عمق إحباط الاتحاد الأوروبى بعد أربعة أعوام من إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذى أكدت سياساته هيمنة الولايات المتحدة وعملتها فى النظام المالى العالمى.
وتسلط تلك الورقة، الضوء بشكل خاص على الصعوبات التى يواجهها الاتحاد الأوروبى فى تأكيد استقلاله فى مواجهة العقوبات التى فرضها ترامب ضد إيران، مستشهدة بها كدليل على الحاجة إلى حماية الكتلة من آثار تطبيق مثل هذه التدابير بشكل غير قانونى خارج الحدود الإقليمية.
وقال مسئول فى المفوضية الأوروبية: «الأعوام التى قضاها ترامب فى السلطة سلطت الضوء على نقاط الضعف لدينا، ونحن بحاجة إلى معالجة تلك النقاط حتى لو رحل ترامب، خصوصاً أن الأمر يتعلق بمكانة الاتحاد الأوروبى فى العالم وامتلاك الوسائل اللازمة لنكون قوة اقتصادية ومالية تتناسب مع حجمنا».
وبحسب «فاينانشيال تايمز»، كانت استراتيجية ترامب تجاه إيران ذات تأثير مباشر على البنية التحتية المالية فى أوروبا، مثل نظام «سويفت» لتبادل الرسائل فى مختلف العمليات ووحدات إيداع الأوراق المالية «يوروكلير» و«كليرستريم».
واضطرت عقوبات واشنطن على إيران، بروكسل إلى إنشاء آلية ذات أغراض خاصة لتسهيل المدفوعات مقابل التجارة المشروعة بين الاتحاد الأوروبى والجمهورية الإسلامية، وهى عملية محفوفة بالصعوبات.
وتقول الوثيقة إن الاتحاد الأوروبى بحاجة إلى تطوير تدابير لحماية مشغلى الاتحاد الأوروبى فى حالة قيام دولة ثالثة بإجبار البنى التحتية للأسواق المالية الموجودة فى الاتحاد الأوروبى على الامتثال للعقوبات المعتمدة من جانب واحد.
وتؤكد الوثيقة على طموح الاتحاد الأوروبى نحو تعزيز اعتماده على الذات فى مجموعة من القطاعات، بما فى ذلك التمويل، بعد أن مزقت إدارة ترامب المعايير المفروضة عبر الأطلسى، لكن تلك الطموحات سوف تتبناها المفوضية عشية أداء جو بايدن اليمين الدستورى رئيساً للولايات المتحدة، إذ تتعهد الاتحاد الأوروبى بإنشاء عصر جديد من التعاون مع واشنطن بعد الأعوام المضطربة مع ترامب.
وتشمل الخطط الأخرى الواردة فى الورقة والتى تهدف إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجى للكتلة، مراقبة أكثر صرامة لعمليات الاستحواذ الأجنبية باستخدام نظام الاتحاد الأوروبى الجديد لفحص الاستثمار الأجنبى المباشر.
فمن الضرورى فحص عمليات الاستحواذ المقترحة، لمعرفة ما إذا كانت ستجعل الشركة المستهدفة فى الاتحاد الأوروبى أكثر عرضة للالتزام بمثل هذه العقوبات المتجاوزة للحدود الإقليمية، على أساس إمكانية منع عمليات الاستحواذ لأسباب تتعلق بالأمن القومى.
وفى الوقت نفسه، تشير الورقة إلى حاجة الاتحاد الأوروبى لإيجاد طرق لتعزيز دور اليورو فى ضوء الدروس المستفادة من جائحة كورونا، محذرة من الاعتماد الكبير للأسواق المالية العالمية على الدولار لتخفيف التوترات المالية ومخاطر الاستقرار.
ولطالما سعت الكتلة الأوروبية، إلى تشجيع استخدام اليورو بشكل أكبر، على سبيل المثال فى عقود السلع الأساسية، لتعزيز استقلاليتها المالية والاقتصادية.
وتعتقد بروكسل أن الدور العالمى الأقوى لليورو من شأنه حماية الاقتصاد من صدمات الصرف الأجنبى والحد من الاعتماد على العملات الأخرى.