كانت الأشهر الأولى التى قضاها جو بايدن فى منصبه رئيساً للولايات المتحدة مثيرة للإعجاب، إذ ارتفع عدد التطعيمات ضد كورونا بأكثر من ضعف النسبة التى وعد بها، وتباطأ انتشار الفيروس بشكل حاد.
كما نما الاقتصاد الأمريكى بنسبة 6.4% فى الربع الأول من 2020، وهو أسرع معدل فصلى منذ عام 1984، بسبب التحفيز النقدى والمالى، وإعادة فتح الاقتصاد بشكل أوسع نطاقاً.
ويتوقع الاقتصاديون فى مصرف «جولدمان ساكس» أن يكون معدل النمو الأمريكى لعام 2021 هو الأسرع منذ ثلاثة عقود.
كما أن البحث الأخير الذى أجراه معهد «ماكينزى جلوبال» وجد أن هذا النمو سيتبعه تسارع كبير فى نمو الإنتاجية.
وفى عهد بايدن، انتعشت ثقة المستهلك، إذ يشعر 55% من الناخبين بالرضا عن الوضع الاقتصادى، بارتفاع من 43% عند توليه منصبه و34% فى مايو 2020.
كما قارن العديد من المعلقين بين الأجندة الاقتصادية لإدارة بايدن وصفقة فرانكلين دى روزفلت الجديدة أو بتوسع دوايت دى أيزنهاور بعد أزمة سبوتنيك للإنفاق الفيدرالى على العلوم والبنية التحتية.
لكن كاليفورنيا هى التشبيه الأفضل لسياسات بايدن، فقد كانت كاليفورنيا رائدة فى استراتيجية النمو المستدام والشامل القائم على الابتكار.
وتعتبر الأبحاث القوية ذات المستوى العالمى لدعم الابتكار فى قطاعات النمو العالمية أحد المكونات الأساسية لكل من سياسات بايدن والاستراتيجية الاقتصادية فى كاليفورنيا، فهذه القطاعات هى التى ستعزز الإنتاجية وتخلق وظائف جيدة وتغذى الصادرات الأمريكية وتخلق الثروة الآن وفى المستقبل.
قادت كاليفورنيا الولايات المتحدة والعالم فى الابتكار منذ الحرب العالمية الثانية، فهى موطن لنظام جامعى عام من الدرجة الأولى، وجامعات خاصة مثل ستانفورد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة جنوب كاليفورنيا، فضلاً عن ستة مختبرات أبحاث فيدرالية ومئات من المختبرات الخاصة.
ورغم أن المتشككين كانوا يعتقدون الزوال الوشيك لاقتصاد كاليفورنيا، فإنَّ الولاية وسعت نطاق ريادتها فى الاقتصاد الابتكارى خلال فترة الوباء.
وتوضح بعض المؤشرات ذلك، ففى عام 2020، بدأ أكثر من 440 ألف من سكان كاليفورنيا نشاط تجارى جديد، بزيادة 22% على عام 2019، كما أن هذه النسبة تجاوزت بكثير الولايات الأمريكية الأخرى.
علاوة على ذلك، فى عام 2020، تم تخصيص 50% من تمويل رأس المال الاستثمارى للبلاد إلى كاليفورنيا- ضعف الحصة الإجمالية لكل من نيويورك وماساتشوستس وتكساس.
ومن بين نحو 750 جولة تمويل مخاطر أو عروض عامة أولية بتقييمات تتجاوز 1 مليار دولار، كانت هناك 494 جولة تقريباً فى كاليفورنيا. وحظيت سان فرانسيسكو وحدها بأكثر من تكساس وفلوريدا ونورث كارولينا مجتمعة، فقد كانت المدينة الأمريكية تضم 17 شركة من أصل 22 شركة ناشئة أمريكية قُدرت قيمتها بـ10 مليارات دولار أو أكثر.
رغم أن بقية الولايات المتحدة لا يمكن أن تصبح وادى سيليكون آخر، فإن الآليات الجديدة لنشر الاستثمار ورأس المال الاستثمارى على نطاق أوسع فى جميع أنحاء البلاد ستساعد الاقتصاد الوطنى بالتأكيد، خاصة من خلال مساعدة الشركات فى كل مكان على الاستفادة من العمل عن بُعد والاتجاهات الأخرى التى يحركها الوباء.
وبالمثل، فإن نظام الهجرة الأكثر انفتاحاً سيسمح للولايات المتحدة بالاستفادة من مجموعة عالمية من المواهب، فقد ساهم المهاجرون وأطفالهم فى تأسيس حوالى نصف الشركات المدرجة ضمن قائمة «فورتشن 500» فى الولايات المتحدة.
كما استفادت كاليفورنيا بشكل كبير من ريادتها فى الاقتصاد الابتكارى، ففى ظل النظام الضريبى التصاعدى للغاية الذى يفرض ضرائب على مكاسب رأس المال باعتبارها دخل، فإن 90% تقريباًً من إيرادات ضريبة الدخل للولاية تأتى من أعلى 10% من دافعى الضرائب.
ونظراً إلى أن الابتكار يقود الكثير من النمو فى أسواق رأس المال والعقارات فى الولاية، فإنه يولد قاعدة إيرادات كبيرة- لكنها متقلبة- يمكن من خلالها الاستثمار فى برامج التعليم والبنية التحتية وشبكات الأمان.
وحتى أثناء الركود الناجم عن تفشى الوباء، حافظت كاليفورنيا على فائض فى الميزانية يتوقع أن يصل الآن إلى مستوى قياسى بلغ 75.7 مليار دولار لعام 2021-22.
هذا الفائض يشكل أهمية كبيرة لسبب آخر أيضاً، إذ اقترح حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم زيادات كبيرة فى تدابير الوقاية من الحرائق ومرونة الغابات فى ميزانية 2021. فمثل كثير من أنحاء العالم، تشهد كاليفورنيا بالفعل الآثار المباشرة لتغير المناخ؛ حيث أصبحت حرائق الغابات والجفاف أحداثاً سنوية، مثلها مثل الأعاصير والفيضانات فى أجزاء أخرى من البلاد.
وعلى عكس العديد من المناطق الأخرى فى البلاد، أخذت كاليفورنيا زمام المبادرة فى تبنى سياسات للحد من الانبعاثات الكربونية وبناء بنية تحتية أكثر مرونة.
كما أن إدارة بايدن تريد متابعة إجراءات ذات هدف مماثل على الصعيد الوطنى، حيث عادت الولايات المتحدة للانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، ويسعى بايدن للحصول على موافقة الكونجرس على استثمارات بمليارات الدولارات فى الطاقة النظيفة وكهربة النقل والمبانى والتصنيع منخفض الكربون والنقل العام وغيرها من السمات الرئيسية للاقتصاد الأخضر.
بقلم: لورا تايسون أستاذة فى كلية الدراسات العليا التابعة لكلية هاس لإدارة الأعمال
لينى ميندونكا، الشريك الفخرى الأول فى «ماكينزى آند كومبانى»
موقع «بروجيكت سنديكيت»








