“لا أتمثل الحياة إلا مدرسة لا نهاية لدروسها”.. مارون عبود.
بداية لا تعميم للأحكام، ولكل قاعدة استثناء.
لكنى مازلت مقتنعا بأن سوق الذهب يحتاج من الدولة لمزيد من الإجراءات لضبط حركته، خاصة التعامل مع المواطنين فى عمليات البيع والشراء، ورفض السياسات التى تنطلق من الجمل الدارجة “ميصعبش عليك الزبون، وبناكل عيش من جهله”.
فى الفترة الأخيرة تلقيت استفسارات عدد من الزملاء والأقارب، عن إضافة تجار الذهب فى المحافظات والأقاليم، نسبة 5% كضريبة قيمة مضافة على المشغولات الذهبية، إذ يتم بيع المشغولات الذهبية من خلال السعر والمصنعية ونسبة 5% من سعر الذهب كضريبة قيمة مضافة.
هذا مما لا شك فيه، يتضمن تربحا على حساب العميل، فمصلحة الضرائب المصرية وبناء على البروتوكول الموقع مع شعبة الذهب، حددت قيمة ضريبة القيمة المضافة بنحو 8.40 جنيه على جرام الذهب عيار 18، و5.60 جنيه على جرام الذهب عيار 21، ومصلحة الدمغة حددت 1.60 جنيه رسوماً للدمغة، ما يعنى أن المواطن لن يدفع سوى 10 جنيهات على الجرام ضريبة للقيمة المضافة ورسوم للدمغ.
واحتساب بعض التجار نحو 5% من قيمة سعر الذهب كضريبة، يعادل نحو 40 جنيهاً على الجرام ما هو إلا استغلال لجهل المواطنين، ووسيلة للتربح بغير حق.
وأتذكر ذلك الهجوم الذى طال صفحات أسعار الذهب على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى تم تدشينها من بعض العاملين داخل سوق الذهب لتعريف المستهلك بالأسعار، وقال لى أحد التجار: “الزبون بيدخل المحل وعارف السعر”.. ولماذا الضيق؟، وهل معرفة الزبون لسعر سلعة سيشتريها يعد جريمة؟.
وفى الوقت الذى تترد فيه جملة “بناكل عيش من جهل الزبون”، فإن معظم الشركات العالمية تسعى بنفسها لتثقيف المستهلك ووضع توجيهات ونصائح استرشادية على مواقعها لما يخص مجال المجوهرات.
ولقد ذهبت منذ فترة قريبة، مع أحد الأصدقاء لبيع ما فى حيازته من المشغولات الذهبية، وكانت وجهتنا لسوق الذهب بميدان الجامع بمصر الجديدة، بغرض إلقاء نظرة على بعض موديلات خواتم الألماس، رغبة فى شراء قطعة منها، وأخذتنا بعض القطع المعروضة بالفاترين، ودخلنا أكثر من محل لاستعراض أنسبها.
وحاولت أيضاً، التأكد من مطابقة وزن المشغولات الذهبية مع وزنها المدون بالفاتورة، طلبت من الجواهرجى وزنها، كررت ذلك فى ثلاث محلات مختلفة، وكان الوزن مطابقاً.
واقترح علىّ صديقى أن نذهب لبيع الذهب فى محلات “بيع الكسر” بإحدى المناطق، وتوجهنا لنحو 5 محلات تحمل لافتات “نشترى الذهب”، ورغم تأكدنا من وزن المشغولات وفقاً للفاتورة، إلا أن الوزن بهذه المحلات كان أقل.
وكان سعر بيع الذهب للجمهور حينها، 795 جنيهاً، وسعر الشراء 793 جنيهاً، وفى كل محل تسمع سعراً مختلفاً، بالطبع أقل من السعر المعلن، من بينها أن سعر الذهب 790 جنيها للبيع، و785 جنيهاً للشراء، وحينما كنت أعرض عليهم السعر المعلن داخل السوق من خلال الجروبات الخاصة بالأسعار، “كان وشه بيحمر”.
فى أحد المحلات جلس مستقراً على كرسيه، والآيات القرانية تزين الجدران، والتلفزيون على قناة القرآن الكريم.. لكن فعل التاجر لم يستمد مما سمعه من كلام الله شيئاً.
بعد حساب الوزن وقيمة الذهب، منحنى سعراً، استغربت، منه لأنه أقل بعدة آلاف من قيمة الذهب الحقيقية، ولما سألته، قال “لازم نخصم 2% من قيمة الذهب ضريبة”.
محلات الذهب تخصم 2% كضريبة، تحت مسمى “تأمين ضد تقلبات الأسعار”، فى الحقيقة لا توجد أى ضريبة تُحصل من المواطنين عند بيع ما فى حيازتهم من الذهب، إنما هو رغبة فى مزيد من المكسب يأخذ من جيب العميل، بل امتدد الأمر ليصبح ذلك عُرفًا داخل السوق، وبنسبة خصم لا تقل عن 5%.
هل يعتقد تجار وقطاع الذهب أن يتوجه المواطنون للاستثمار فى الذهب، بعد خسارتهم لقيمة المصنعية، وخصم نسبة 5% ضريبة قيمة مضافة عند الشراء، وأخرى عند البيع، وكلتاهما بدون وجه حق.
سياسية “ميصعبش عليك الزبون”.. و”بناكل عيش من جهله”، هى سياسة غير أخلاقية ترفضها الأديان والإنسانية، وفى الحقيقة لا أستطيع تعميم الأمر، والسوق يضم عدد كبير من تجار الذهب الأمناء، والشرفاء، هم أنفسهم يرفضون هذه السلوكيات التى تصدر عن البعض، ربما ما يؤخذ عليهم فقط أنهم تركوها لتصبح عرفا.
وأخيراً.. “رنين الذهب يقتل الضمير”، جبران خليل جبران.








