أصبحت سوق الأسهم فى المملكة المتحدة منطقة ركود عالمية مع مضى أسواق الولايات المتحدة والصين قدما، وفشلت إلى حد كبير فى المشاركة فى الانتعاش العالمى الذى بدأ عام 2015.
بالطبع، تستفيد كل من أسواق الأسهم الأمريكية والصينية من المجالات الجديدة الأكثر ديناميكية وسرعة فى النمو، مع الريادة فى العديد من الصناعات الجديدة التى تقود أداء سوق الأوراق المالية، من التكنولوجيا المالية، ومصادر الطاقة المتجددة، والتنقل، إلى التكنولوجيا الطبية والتكنولوجيا الزراعية والذكاء الاصطناعى.
ولكن بخلاف هذه المزايا الطبيعية، فإن الولايات المتحدة على وجه الخصوص تجتذب الآن بشكل متزايد الشركات من جميع أنحاء العالم، بما فى ذلك المملكة المتحدة، للإدراج فى بورصاتها، وهم ينجذبون جزئياً إلى معرفة أنه يمكن الاعتماد على صانعى السياسة الأمريكيين لدعم سوق الأوراق المالية، لكن سوق الأسهم الأمريكية تفتخر أيضًا بأحجام تداول أعلى بكثير وتقييمات أعلى بكثير من أى من نظيراتها الدولية.
لقد وصلنا إلى مرحلة قد تقرر فيها الشركات أنه يجب علينا ببساطة أن نتفق جميعًا على بورصة عالمية واحدة، تتداول على مدار 24 ساعة وتقع فى نيويورك، والمملكة المتحدة ليست وحدها التى تتخلف عن الركب، بل جميع البورصات الأوروبية تحتضر إلى حد ما، نسبيا.
بلغ متوسط الأحجام اليومية فى 2021 حتى الآن 554 مليار دولار فى الولايات المتحدة، و 174 مليار دولار فى الصين و 47 مليار دولار فى أوروبا، ويتم تداول أكبر الأسهم الأمريكية حاليا بأحجام أعلى من الأسواق الأوروبية، ويبلغ حجم تداول «آبل» 12 مليار دولار فى اليوم و«تسلا» 21 مليار دولار فى اليوم مقارنة ببورصة يورونكست عند 8.1 مليار دولار فى اليوم إجمالا وبورصة لندن للأوراق المالية 6.1 مليار دولار فقط.
لكن ثمة أسباب محلية لانحدار سوق المملكة المتحدة، وليس هناك ما هو أكثر غرابة (أو هزلي) من دور صناديق الدخل، الطبق المميز لقطاع إدارة الأموال فى المملكة المتحدة، وهذه الصناديق هى ظاهرة فريدة فى المملكة المتحدة، فهم يعطون الأولوية لتوزيعات الأرباح على أى نوع آخر من العائدات من الشركة، وبالتالى يعاقبون النمو، ولا يوجد قطاع إدارة أموال مماثل فى أى مكان فى العالم.
وفقًا لجمعية الاستثمار، من أصل 744 مليار جنيه إسترلينى من صناديق الأسهم التى تتوافق مع معاييرها، يوجد حوالى %29 من صناديق الدخل فى المملكة المتحدة أو استراتيجيات الشركات البريطانية ذات الصلة، ولا يوجد لدى جمعية الاستثمار قطاع نمو فى المملكة المتحدة، ويعتقد مديرو صناديق الدخل البريطانية أن لديهم مهمة حماية دخول المتقاعدين (هدف مشرف)، لكن هذا يقودهم إلى الإصرار على أن تدفع الشركات نصيب الأسد من دخلها بدلاً من استثمارها مرة أخرى فى الأعمال التجارية.
هذا شكل من أشكال التدهور المالى، مما يثبط الاستثمار الرأسمالى ويخنق النمو والإنتاجية، قدم الشهر الماضى مثالًا مثاليًا تقريبًا على ذلك فى حالة «سكوتيش أند ساذرن إنرجي»، حيث تمتلك صناديق شركة «مارشال وايس» حصة تبلغ حوالى 130 مليون جنيه إسترلينى، كانت نتائج أعمال «سكوتيس أند ساذرن انرجي» للنصف الأول أفضل مما توقعته السوق، كما التزمت الشركة بزيادة الإنفاق الرأسمالى إلى 12.5 مليار جنيه إسترلينى بحلول عام 2026، مقارنة بالخطة السابقة لإنفاق 7.5 مليار جنيه إسترلينى بحلول عام 2025. وشمل ذلك زيادة بمقدار 2.5 ضعفًا فى الاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة.
لكن الزيادة فى النفقات الرأسمالية ستمول جزئيًا من خلال بيع حصة أقلية بنسبة %25 من أعمال الشبكات وجزئيًا من خلال خفض نسبة صافى الدخل الذى يتم توزيعه كأرباح، يتوقع العديد من المحللين أن يرتفع السهم، إذ تضاعف الشركة من إمكانات مصادر الطاقة المتجددة، لكن السهم أغلق منخفضًا بنسبة %5، ورغم وجود بعض أفضل موارد الرياح المتجددة على هذا الكوكب فى بريطانيا، لا تمتلك بريطانيا سوى عدد قليل جدًا من الشركات الرائدة فى هذا القطاع.
وأظهرت «سكوتيش أند ساذرن انرجي» الطموح لتصبح واحدة، ومع ذلك، فقد تلقت رفضًا حاسمًا فى سوق الأوراق المالية، وربما قرر مديرو صناديق الدخل أنها لن تحقق عائدًا مناسبًا على استثماراتها المتجددة؟ لا أعتقد ذلك لأن إطار الاستثمار فى الاستثمارات المتجددة فى هذا البلد يتسم بالسخاء المتعمد.
ربما يكون انخفاض سعر السهم قد عكس جزئيًا رفض «سكوتيش أند ساذرن» لطلب «إليون مانجمنت» للانفصال، لكننى أعتقد أن الدافع الرئيسى لانخفاض سعر السهم هو قيام مديرى الدخل ببيع أسهم الشركة لأن توزيعات الأرباح لم تعد متوافقة مع معايير الصناديق الفاسدة، إنه لأمر محزن أن نشاهد هذا ، تمامًا كما أنه من المحزن أن نسمع من العديد من شركات النمو مدى إحباطهم من ردود الفعل التى يتلقونها فى العديد من الجولات الترويجية فى لندن.
تتعرض مدينة لندن لخطر التحول إلى نوع من حديقة ديناصورات، إذ يكرس مديرو الصناديق أنفسهم لقص الكوبونات بدلاً من تشجيع النمو والابتكار، وحان الوقت للإلغاء التدريجى لقطاع صناديق الدخل واستبداله بصناديق تركز على النمو أكثر من توزيعات الأرباح أى على المستقبل بدلاً من الماضى.
بقلم: بول مارشال، رئيس مجلس إدارة «ماشال وايس» للاستثمار متعدد الاستراتيجيات.
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز».