بما أنه الاقتصاد الرائد الوحيد المحتمل انكماشه خلال العام الجارى، عدَّل صندوق النقد الدولى توقعات النمو فى المملكة المتحدة بالخفض فى الوقت نفسه الذى عزز فيه توقعات معظم الدول الأخرى، حتى إن الصندوق يتوقع نمو اقتصاد روسيا بشكل أكثر من المملكة المتحدة فى عام 2023.
ويتفق الساسة البريطانيون على أن البلاد لديها مشكلة، فقد ألقى وزير المالية جيريمى هانت باللوم فى «النمو غير المتكافئ والمنخفض» على ضعف الإنتاجية والفجوات فى المهارات وانخفاض الاستثمار فى الأعمال التجارية والتفاوتات الإقليمية فى الثروة.
وفى الوقت نفسه، ألقت راشيل ريفز، نظيرته فى حزب العمال، باللوم ببساطة على «13 عاماً من فشل حزب المحافظين» فى مجلس العموم، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
ولن تكون توقعات الصندوق صحيحة تماماً بشأن الاقتصاد العالمى أو أى دولة بمفردها، بل يُفضل اعتبارها عملية مستمرة لتحديث التوقعات بما يتماشى مع أحدث التطورات الاقتصادية.
وبالرغم من خفض التوقعات، قال بيير أوليفييه جورنشاس، كبير الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى، إنَّ السياسة الاقتصادية للحكومة الآن «تسير على المسار الصحيح».
وفى خطوة موازية، قدم الصندوق بيانات اقتصادية أفضل من المتوقع لمنطقة اليورو فى مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة وانفتاح الصين لتحديث آفاق النمو العالمى.
توقعات الصندوق للمملكة المتحدة لا تختلف كثيراً عن التوقعات الأخرى الصادرة من منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية والقطاع الخاص، لكن بعض الاقتصاديين تساءلوا عن مزيج التفاؤل والتشاؤم الذى قدمه الصندوق بشأن العالم والمملكة المتحدة.
وقال بن ماى، مدير أبحاث الماكرو العالمية لدى «أكسفورد إيكونوميكس»، إنه يعتقد أن صندوق النقد الدولى أصبح متفائلاً للغاية بشأن المشكلات الاقتصادية الصينية والأمريكية فى ظل البيانات الحديثة الأفضل.
وأضاف أنه «بدلاً من الاقتصادات التى تتجاهل ببساطة سلسلة الصدمات التى حدثت فى العام الماضى أو نحو ذلك، نعتقد أن هذه الضربات تستغرق وقتاً أكثر للتسلل إلى النشاط الحقيقى أكثر مما كنا نتخيله سابقاً».
لماذا ينمو اقتصاد المملكة المتحدة ببطء شديد؟
هناك مشكلتان، واحدة مؤقتة والأخرى مستمرة.
المشكلة المؤقتة تتمثل فى أن تعافى بريطانيا من جائحة كورونا كان أقوى من أن يحافظ على معدلات التضخم منخفضة، ويعتقد بنك إنجلترا أن البلاد بحاجة إلى فترة من الانكماش الاقتصادى للعودة إلى استقرار الأسعار.
هذه القضية المؤقتة ليست خطيرة كما كانت فى الخريف؛ لأن أسعار الجملة للغاز الطبيعى انخفضت بشكل حاد.
وتعكس المشكلة طويلة الأمد مخاوف وزير المالية هانت بشأن الإنفاق الرأسمالى والمهارات والتوظيف ونمو الإنتاجية.
وبالرغم من أن القوى العاملة تتمتع بمستويات تعليم أعلى من أى وقت مضى، فإنَّ معدلات نمو الإنتاجية تراجعت أكثر من الدول الأخرى بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008، ولم ينمُ الاستثمار التجارى منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى 2016.
ما خطة الحكومة لتعزيز النمو؟
قال «هانت»، فى خطاب ألقاه حول الاقتصاد الأسبوع الماضى، إنَّ «خطة الحكومة للنمو» ستركز على «المجالات الأربعة»، وهى الأنشطة التجارية والتعليم والتوظيف وكل مكان، فى إشارة إلى الحد من التفاوتات الإقليمية.
لكن كانت هناك تفاصيل قليلة، ما دفع مجموعات الأعمال إلى وصف الرسالة بأنها «فارغة».
وقال جاجيت تشادا، مدير المعهد الوطنى للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، إنَّ «الفكرة العامة مشجعة لكن التفاصيل خفيفة، خاصة فيما يتعلق بمجالى التعليم وكل مكان».
وكان الخطاب بمثابة إهدار لسياسات تعزيز النمو للحكومة السابقة، فعلى عكس «خطة نمو» كواسى كوارتنج لعام 2022، لم يكن هناك هدف سنوى قدره 2.5% لزيادة الناتج المحلى الإجمالى أو التخفيضات الضريبية للشركات والأفراد أو الإصلاح المخطط لتسريع البنية التحتية.
ومقارنة بخطة نمو رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون لعام 2021، كان هناك تركيز أقل بكثير على الحكومة النشطة «للاستثمار بكثافة فى العلوم والتكنولوجيا» والتركيز على «التوسع».
كيف يمكن للمملكة المتحدة تحسين النمو الاقتصادى؟
لا يواجه معظم المراقبين الخارجيين مشكلة كبيرة مع «الأربعة المجالات» التى ستركز عليها الحكومة، لكنهم يجدون خطط النمو الجديدة المعلنة بانتظام بمثابة إلهاء.
ويريد اتحاد الصناعات البريطانى، على سبيل المثال، دعماً أكبر للاستثمار التجارى بحيث يتماشى مع ضرائب الشركات المرتفعة والتركيز طويل الأجل على المهارات والحواجز التى تحول دون العمل.
وقال راين نيوتن سميث، كبير الاقتصاديين فى اتحاد الصناعات البريطانى: «نحن بحاجة لخطة لرفع النمو والإنتاجية فى المملكة المتحدة، ويتعلق الأمر بضمان حصول البلاد على المشهد التنافسى المناسب لدفع الاستثمار وتحسين المشاركة فى سوق العمل وتعزيز المهارات والعمل على تحسين كفاءة الطاقة وقيادة التحول الأخضر».
ومن حيث التركيز، لا يمكن لاقتصاد متوسط الحجم مثل المملكة المتحدة فعل كل شىء، ويجب أن يركز على النجاح فى عدد قليل من القطاعات الرئيسية، حسبما قال إريك بريتون، العضو المنتدب لشركة «فاثوم كونسلتينج».
