خلال الأسبوع الحالي حضرت حفل عشاء، وطرح فيه أحد الحاضرين تساؤلًا قد يدور فى أذهاب كثير من المستثمرين: “هل من الصائب أن نكون متشائمين أم متفائلين بالمستقبل؟” وبشكل جمعى، وازنا بين أسباب التفاؤل والتشاؤم.
وحيث كنا فى سان فرانسيسكو، فى حفل شمل التقنيين، والمديرين التنفيذيين، والممولين العقاريين، وجميعهم اعتادوا على تقييم المخاطر ووضع التوقعات.
ولكن كان ثمة نمط واحد واضح.
فما كان يشكل معنوياتنا لم يكن فقط شىء عصرى ملموس، مثل الذكاء الصناعى أو التضخم .. لكن أيضًا حس راسخ بفقدان البوصلة.
“نحن ما نلبث أن ننتهى من صدمة حتى تفاجئنا أخرى.. والأمر لا ينتهى”، حسبما قال أحد الحاضرين وسط هزات رأس بالموافقة من الآخرين.
أو لو صياغتها بشكل آخر كنا فى مزاج يتسم بعدم اليقين الجذرى، وهو عنوان كتاب كتبه ميرفين كينج، المحافظ السابق لبنك إنجلترا، والاقتصادي جون كاي.
التنبؤ بأى شىء يبدو مجازفة اليوم، مع الأخذ فى الاعتبار كم التوقعات الخاطئة فى الأعوام الأخيرة وضبابية المستقبل التى يبدو عليها فى الوقت الحالى.
ولا عجب، لسنوات عديدة كان يتوقع المستثمرون الأفراد، عائدا ثابتا على محافظ استثمارات، واشترط المتقاعدون أن يكون بوسعهم سحب أموالهم المتراكمة بصورة يمكن التنبؤ بها.
لكن أسواق المال تقلبت بشكل واسع منذ بداية 2020، وتحدت توقعات النمو والتضخم، التنبؤات والتقديرات باستمرار.
حتى الأموال الذكية وضعت قدمها فى موطىء خطأ.
فـ”بريدج ووتر” أحد أكبر الصناديق وأفضلها أداءً فى العالم، تجرع من مرارة التوقعات الخاطئة، واعترف أن تقدياته بشأن النمو وأسعار الأسهم جانبها الصواب.
وإذا نظرنا إلى كيفية تطور الأمور فى الاقتصاد الأمريكى، فنحن لم نر الركود الذى توقعناه.
والمعنويات فى المبانى العادية لا تختلف كثيرًا عنها فى البنوك المركزية.
“لا أحد يعلم عل وجه اليقين أين سيكون الاقتصاد الأمريكى بعد عام من الآن”، بحسب ما قاله جيروم باول، محافظ الفيدرالى الأمريكى قبل عام.
ولاحقًا، بات من الواضح أن توقعات الفيدرالى للتضخم كانت خاطئة إلى حد بعيد.
الآن.. ما العمل مع هذا القدر الهائل من عدم اليقين، بخلاف التخلى عن التوقعات بالكلية والاتجاه للتنجيم؟.
بوسعى المجادلة أنه يمكننا البدء بتطوير الأدوات التى استخدمها المستثمرين ورجال المال والبنوك المركزية فى الأعوام الأخيرة لاستكشاف العالم.
فخلال النصف الثاني من القرن العشرين – أو عندما نشأ العديد من قراء “فاينانشيال تايمز” – استخدم عالم المال والشركات، التقدم المذهل في قوة الحوسبة لتطوير أدوات فكرية مميزة لتحليل الماضي والحاضر، مثل النماذج الاقتصادية وميزانيات الشركات وتحليل البيانات الضخمة.
هذه الأدوات الثلاثة مفيدة بشكل رائع، وكما أشار بيتر بيرنشتاين في كتابه الكلاسيكى ضد الآلهة في القرن العشرين، فقد غيرت طريقة تعامل المجتمعات الحديثة مع المخاطر.
ومع ذلك، فإنهم جميعًا يعانون من ضعف، فهم جيدون فقط بقدر جودة المدخلات، لأنه لا يمكن لأي نموذج أو ميزانية عمومية أو مجموعة بيانات ضخمة أن تلتقط كل ما يحدث، فإن بعض المعلومات تُهمَل حتماً.
إذا كانت المادة المستبعدة مستقرة بطبيعتها أو صغيرة فى التأثير، فقد لا تكون هذه الإغفالات مهمة. في كثير من الأحيان هذا هو الحال. إذا كنت تتوقع الناتج المحلى الإجمالى فى المستقبل، فلا يهم إذا كان نموذجك الاقتصادي يتجاهل لون شعر السكان. لكن في بعض الأحيان تغير المواد المستبعدة من النماذج بطريقة مهمة للغاية.
هذا لا يعني أننا يجب أن نتخلص من هذه الأدوات الفكرية، بالكلية، لكننا بحاجة إلى التفكير فى السياق الثقافى والمادى والتكنولوجى الأوسع – وما تجاهلناه.
لذلك .. إذا رغب المستثمرون في تحسين الأدوات فى أيديهم عليهم الا يستبعدو 5 قضايا عادة ما تستبعدهم الأدوات السابقة وهى التغير التكنولوجى، والبيئة، والصحة، والبيئة السياسية وجميعها أمور لها وزن.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”
بقلم: جيليان تيت، المحررة الإدارية لدى “فاينانشيال تايمز” في أمريكا الشمالية








