وسط توقعات بقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.. من سيتحمل العبء الأكبر؟
تعيش الشركات الأمريكية الكبرى في عالم من الديون، فرغم أن الاقتراض الرخيص دعم نمو أرباح الشركات لعقود، إلا أن الشركات الكبرى كانت معزولة بشكل كبير عن آثار تشديد السياسة النقدية الأخيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
يرجع ذلك إلى أن العديد منها اقترضت بكثرة بأسعار فائدة منخفضة وثابتة خلال فترة تفشي كوفيد، ويجب تسوية فاتورة الديون في النهاية عبر إعادة تمويل الديون بسعر فائدة أعلى بكثير، لكن يبدو أن جدار الديون المستحقة قابلاً للتوسع حالياً.
لكن لا تفلت كل الشركات من تأثير إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي، ففي الواقع ثمة ديون بأسعار فائدة متغيرة تقدر بتريليونات الدولارات، مع دفعات فائدة تتكيف مع السوق، والتي أصبحت فجأة أكثر تكلفة بكثير.
تتكون كومة الديون هذه من قروض مرتفعة المخاطر واقتراض من أسواق الديون الخاصة.
ونادرًا ما تتحوط الشركات ضد مخاطر أسعار الفائدة، وهذا يعني أنها تجد نفسها الآن تدفع أكثر مما ينبغي، فقد قفز عائد الاستحقاق لأحد مؤشرات القروض مرتفعة المخاطر إلى قرابة 10%.
وفي الوقت نفسه، ووسط استمرارية مرونة النمو الاقتصادي لأمريكا، يُحذر صُناع السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي من أنه سيتعين إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وهذا سيدفع مزيدا من المقترضين إلى نقطة الانهيار.
تطرح سوق نمت بشكل كبير الآن سؤالين مؤلمين، وهما إلى أي مدى ستسوء الأمور؟ ومن سيخسر بالضبط؟
منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، اقترضت الشركات بسرعة وبلا قيود، إذ يقدر مصرف “يو.بي.إس” القروض الأمريكية المستحقة بحوالي 1.4 تريليون دولار، والأصول التي يديرها مقرضي الائتمان من القطاع الخاص بأكثر من 1.5 تريليون دولار.
يعتبر نوعا الديون متشابهين أكثر من كونهما مختلفين، فقد نما كلاهما لخدمة طفرة شراء الأسهم الخاصة في العقد الماضي، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
زاد عدد المقترضين الذين يواجهون الصعوبات، فمنذ عام 2010، كان متوسط معدل التخلف عن السداد السنوي في سوق القروض ذات الرافعة المالية أقل من 2%.
وتشير وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” إلى أن نسب التعثر ارتفعت إلى 3% في الـ12 شهرًا حتى يوليو، مقارنة بـ1% في العام السابق، معتقدة أنها قد ترتفع إلى 4.5% في 2024.
وأوضحت المجلة أن عمليات إعادة الهيكلة وإشهار الإفلاس على هذا النطاق لا تشكل إلا تطهيرًا ربيعيًا بدلاً من الضيق العميق الذي شعر به خلال الأزمة المالية، عندما تجاوزت نسبة التعثر في سداد القروض 10%.
لكن إذا واصلت أسعار الفائدة الارتفاع لفترة أطول، كما يتوقع محافظو البنوك المركزية، فإن عدد الشركات المتعثرة سيزداد.
ورغم أن جميع الشركات ذات أرصدة الديون ذات أسعار فائدة متغيرة غير مستقرة، فإن تلك المثقلة بالديون في عمليات شراء الأسهم الخاصة بتقييمات مرتفعة خلال طفرة الصفقات الأخيرة هي الأكثر عرضة للمخاطر.
تباطؤ نمو الأرباح يعيني أن المقترضين يجدون صعوبة أكبر في تحمل ديونهم ذات أسعار الفائدة المتغيرة.
يُحلل بنك “جيه بي مورجان تشيس” 285 من مقترضي قروض الرافعة المالية في نهاية يونيو، قبل الرفع الأخير الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة.
وشهدت الشركات التي كان اقتراضها يتكون فقط من القروض ذات الرفع المالي ارتفاعًا في نفقات الفائدة السنوية بنسبة 51% على أساس سنوي، وتتباين حظوظها بشكل حاد عن تلك التي استغلت بدلاً من أسواق السندات ذات العائد المرتفع للحصول على أموال ذات سعر فائدة ثابت.
وتشير الدراسة إلى ارتفاع نفقات الفائدة لهذه الشركات بنسبة تقل عن 3%، وقد بدأت نسب التغطية، التي تقارن أرباح الشركة بتكاليف الفائدة، في الانحدار نحو اتجاه مشؤوم.
وفي سوق الديون الخاصة، حيث تميل معدلات التخلف عن السداد إلى الارتفاع، يواجه المقترضون مشاكل مماثلة.
أفاد بنك أوف أمريكا أن تكاليف الفائدة تستهلك الآن نصف أرباح الشركات التي تحتفظ بقروضها أكبر شركات تطوير الأعمال بالقروض، وهو نوع من أدوات الاستثمار.
ولن يؤدي الارتفاع الكبير في مستويات الضائقة إلى زيادة صعوبة العثور على مؤسسات راغبة في ضخ الأموال في صناديق الديون الخاصة فقط، حيث ينجذب المستثمرون عادة إلى الوعد بالعائدات السلسة، بل إنه سيمتد أيضًا إلى سوق القروض ذات الرافعة المالية.
ولن تؤدي مشاكل أسواق الديون ذات أسعار الفائدة المتغيرة على الأرجح إلى أزمة مالية، ولكن الغموض والحجم المتزايد للأسواق الخاصة بشكل خاص يعني أن الهيئات التنظيمية قررت إلقاء نظرة فاحصة.
ففي أغسطس، أعلنت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية عن قواعد تهدف إلى زيادة الشفافية، بما في ذلك المطالبة ببيانات مالية ربع سنوية.
وفي الشهر التالي، حذرت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية، وهي هيئة تنظيمية عالمية، من مخاطر الاستدانة وغموض أسواق الديون الخاصة، لكن عدد قليل من المستثمرين يعتقدون أنهم بحاجة إلى المساعدة في التنبؤ بالأزمة المقبلة.







