يعتبر سوق الإسكان في أجزاء من سان فرانسيسكو بكاليفورنيا غرب الولايات المتحدة، في حالة يرثى لها.
لنأخذ على سبيل المثال شقة فخمة قريبة من سيتي هول، والتي كانت تباع عام 2019 بمبلغ 1.25 مليون دولار .. لكن هذا المبلغ لن تجده اليوم.
فتلك الشقة معروضة الآن بـ769 ألف دولار، ولم تُباع بعد نظراً للمشاكل العديدة التي تواجه المدينة خصوصا بعد الفوضى التي أحدثتها جائحة كورونا.
بعيداً عن مناطقها المضطربة، فإن سوق الإسكان في سان فرانسيسكو أصبح قوياً مرة أخرى، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 3% عن أدنى مستوى وصلت إليه في وقت سابق من هذا العام. وتجلب العقارات في الأجزاء الأكثر فخامة من المدينة عائدات أعلى بكثير من السعر المطلوب.
وفي مدينة سان خوسيه القريبة، في وادي السليكون، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 8% عن أدنى مستوياتها، وتظهر قصة مماثلة في مختلف أنحاء العالم الغني.
تشير الأرقام الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، إلى أن أسعار المنازل العالمية ارتفعت بنسبة 1.3% بين الربعين الأول والثاني من 2023، كما تشير تقديرات الأشهر الأخيرة إلى المزيد من الارتفاع.
ومن الناحية النقدية، فإن هذا يجعلها تتماشى مع الذروة السابقة التي تم الوصول إليها خلال 2022، وبعد تعديلها وفقًا للتضخم، فقد انخفضت بنسبة تقل عن 5%، وهذا يتضاءل مقارنة بالانخفاض الذي بلغ 13% والذي أعقب الأزمة المالية العالمية، والذي استمر أيضًا لفترة أطول بكثير.
حتى في الأماكن التي تراجعت فيها سوق الإسكان خلال الوباء، مما دفع المواطنين إلى توقع الانهيار، أصبحت الأسعار الآن أعلى مما كان يخشاه كثيرون، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وفي بريطانيا، ارتفع مؤشر أسعار المنازل الذي تنتجه شركة هاليفاكس، وهي جمعية البناء، بنسبة 1.1% في أكتوبر، متحدياً توقعات خبراء الاقتصاد بانخفاض شهري قدره 0.4%.
تشير البيانات الواردة من موقع “زيلو” للإسكان على الإنترنت إلى أن أسعار المنازل الأمريكية أصبحت أعلى بنسبة 2% تقريبًا مما كانت عليه قبل عام.
كما تشير دراسة حديثة أجرتها شركة “بلومبرج” للبيانات المالية إلى أن أسعار المنازل الأسترالية قد ترتفع بنسبة 7.7% خلال العام الحالي.
هذا الأمر كله فاجأ معظم الاقتصاديين.
فمنذ بداية 2022، رفعت البنوك المركزية في العالم الغني أسعار الفائدة بمعدل 5 نقاط مئوية.
واعتقد الاقتصاديون أن أسعار المنازل ستنهار مع انخفاض القوة الشرائية للمشترين، ونضال أصحاب الرهن العقاري لسداد ديونهم وتباطؤ الاقتصاد.
مع ذلك، هناك ثلاثة عوامل تفسر لماذا تجاهلت أسواق الإسكان أسعار الفائدة الأعلى حتى الآن؟
العامل الأول يتعلق بتغير التفضيلات، إذ يبدو أن الوباء جعل الناس أكثر شبهاً بالزاهد.
فهم يعملون من المنزل أكثر ويقضون وقتًا أطول في الترفيه المنزلي مقارنة بالخروج.. وبالتالي فإنهم يضعون قيمة أعلى لمساحة معيشتهم، مما يزيد الطلب على السكن، وهذا يوقف بدوره انخفاض الأسعار.
أما العامل الثاني فهو تغير سوق الرهن العقاري.
فقد كان شائعاً في بعض الدول، مثل أمريكا والدنمارك، منذ فترة طويلة الاقتراض بأسعار فائدة ثابتة، مما يسمح للناس بعزل أنفسهم عن التأثر بارتفاع أسعار الفائدة الذي تجريه البنوك المركزية.
وفي الأعوام السابقة لعام 2022، تحولت الأسر في دول أخرى في نفس الاتجاه.
فبين عامي 2011 و2021، انخفضت حصة القروض العقارية في دول الاتحاد الأوروبي بأسعار فائدة متغيرة من حوالي 40% إلى أقل من 15%.
وكان التأثير هو تأخير تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، فمنذ عام 2021، ارتفع متوسط سعر الرهن العقاري في جميع أنحاء العالم الغني بمقدار النصف فقط مقارنة بمتوسط سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي.
وبالنسبة للعامل الثالث الذي يدعم أسعار المنازل، فهو تمويل الأسر الذي يجعل ارتفاع تكاليف أسعار الفائدة أكثر قابلية للإدارة.
وفي أعقاب أزمة العقارات التي بدأت عام 2007، أدخلت العديد من الحكومات لوائح تنظيمية أكثر صرامة، مما أدى إلى منع المقترضين الأقل جدارة ائتمانية. كما أن الأشخاص الأكثر ثراءً يجدون أنه من الأسهل التغلب على فواتير الفائدة المرتفعة.
إضافة إلى ذلك، لا يزال العديد من المقترضين يحتفظون بمدخرات كبيرة “فائضة” تراكمت خلال الوباء، والتي يمكنهم استخدامها لسداد أقساطهم.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن هذه المدخرات في الدولة الغنية المتوسطة خارج أمريكا، لا تزال تصل إلى 14% من الدخل السنوي المتاح.
هل يمكن تأجيل آلام سوق الإسكان فحسب؟
لا شك أن القروض العقارية ذات الإصلاحات قصيرة الأجل ستنتهي قريباً، وستحتاج الأسر بعد ذلك إلى إعادة التمويل، ربما بأسعار فائدة مرتفعة اليوم. وإذا ظل التضخم ثابتا، فقد يحتاج محافظو البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة أبعد من ذلك.
كما أن المدخرات الفائضة ستنفذ في نهاية المطاف. وارتفاع معدلات البطالة، المرتبطة بضعف الاقتصاد، من شأنه أيضاً أن يعرض بعض أصحاب المنازل للخطر.
لكن في الوقت الحالي، لا يزال العالم الغني بعيدًا عن وضع “سيتي هول”.