نجحت اليابان في إظهار مرونة لافتة في إدارة سلاسل الإمداد الخاصة بها، وتفادت الضغوط التي فرضتها الصين عبر تحكمها شبه المطلق في صادرات المعادن النادرة، المستخدمة في الصناعات المتقدمة مثل السيارات الكهربائية، والروبوتات، والأنظمة الدفاعية.
ففي الوقت الذي فرضت فيه الصين حظرًا جديدًا على تصدير هذه المعادن الحيوية في أبريل الماضي، كانت اليابان قد استعدت جيدًا لمثل هذا السيناريو، بعد تجربة مماثلة في عام 2010 حين قطعت بكين صادراتها إلى طوكيو على خلفية نزاع إقليمي، ما أثار حينها حالة من الذعر في رابع أكبر اقتصاد عالمي.
ورغم أن الحظر استمر آنذاك أقل من شهرين، إلا أنه كان كفيلاً بدفع اليابان لتغيير جذري في نهجها تجاه تأمين الموارد الاستراتيجية، بحسب تقرير موسّع نشرته شبكة CNBC News الأمريكية، التي وصفت اليابان بأنها “عصفور الكناريا في منجم فحم الهيمنة الصينية على المعادن”.
استراتيجية متكاملة
وعبر حزمة من الإجراءات تشمل التخزين الاستراتيجي، وإعادة التدوير، وتبني تكنولوجيات بديلة، شرعت اليابان في تقليص اعتمادها على الصين. وكان الاستثمار الكثيف في شركة Lynas الأسترالية – أكبر منتج للعناصر الأرضية النادرة خارج الصين – أحد أبرز أركان هذه الاستراتيجية.
ووفقًا لبيانات شركة “أرجوس ميديا” المتخصصة، تراجعت نسبة اعتماد اليابان على الصين في هذه المعادن من أكثر من 90% عام 2010 إلى أقل من 60% حاليًا.
وقال جوناثان رونتري، رئيس مجلس إدارة شركة Niron Magnetics الأمريكية، إن “اليابان كانت من أكثر الدول استعدادًا لأزمة 2024 بفضل استثماراتها المبكرة ومخزونها الكبير وتعاونها مع شركات غير صينية مثل ’لايناس’ الماليزية”.
كما أشار نيلز باكبيرج، مؤسس شركة “بروجيكت بلو” للاستشارات، إلى أن نجاح اليابان لا يكمن فقط في تأمين خامات التعدين، بل في بناء سلسلة تصنيع متكاملة تشمل المعالجة والتكرير وتحويل الخامات إلى سلع قابلة للاستخدام.
نقاط ضعف باقية
رغم هذا النجاح، لا تزال اليابان تعتمد بدرجة كبيرة على الصين في بعض الجوانب، خاصة ما يتعلق بالعناصر الأرضية النادرة الثقيلة، والتي يصعب استخراجها وتكريرها، ما يجعلها أكثر ندرة وقيمة.
وكان الحظر الأخير جزءًا من استراتيجية صينية أوسع للرد على التصعيد الجمركي الذي قاده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد بكين. وقال إلدور أولافسون، رئيس مجلس إدارة شركة Amaroq Minerals العاملة في جزيرة جرينلاند، إن “الصين استخدمت سلاح المعادن النادرة فور تصاعد التوترات، وكانت النتيجة توقف شبه كامل في إنتاج السيارات بالغرب”.
تداعيات الحظر
وقد تأثرت شركات صناعة السيارات حول العالم، بما فيها الشركات اليابانية. ففي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت “سوزوكي موتور” تعليق إنتاج طراز “سويفت”، في خطوة عزتها وسائل إعلام محلية إلى نقص الإمدادات نتيجة قيود الصين.
ويعكس هذا الموقف العالمي المتوتر قلقًا متصاعدًا من احتكار سوق حيوي من قبل قوة واحدة. ووسط هذه المعادلة، تقدم التجربة اليابانية نموذجًا يُحتذى في كيفية بناء نظام إمداد متنوع ومرن في مواجهة أزمات الجغرافيا السياسية وسلاح الموارد.








