قبل أكثر من 100 يوم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية شاملة، أدت إلى اضطراب الأسواق وأثارت مخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي عميق.
واليوم، وبينما يروج ترامب لتلك السياسة، لا يزال الاقتصاد الأمريكي يواصل نموه، فيما تتجاهل بورصة وول ستريت تأثير كل دفعة جديدة من الرسوم.
وذكرت شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية، في تقرير لها، أن التهديدات المتكررة بفرض رسوم جديدة زادت من حالة عدم اليقين، إلا أن استمرار هذه السياسات على مدى أشهر طويلة أتاح للخبراء الاقتصاديين فرصة لتقييم تأثير تلك الرسوم المحتمل.
وقد انقسم المحللون الذين تحدثوا إلى الشبكة بين مؤيدين لتلك الرسوم، معتبرين أنها أسهمت في تحقيق إيرادات ضريبية تفوق التوقعات، وساعدت في دفع بعض الشركات إلى التعهد بالاستثمار في مشروعات إنتاجية جديدة داخل الولايات المتحدة.
في المقابل، حذر محللون آخرون من أن تلك التعهدات تحمل طابعًا طويل الأجل، وقد تتراجع عنها الشركات في حال استمرار تقلب السياسات الجمركية، ما يمنحها مجالًا واسعًا للمناورة والتأجيل.
كما بدأت هذه الرسوم تتسبب في رفع أسعار بعض السلع، مما يهدد بزيادة التضخم ويؤثر سلبًا على المستهلكين ويعطل وتيرة النمو الاقتصادي، بحسب رأيهم.
وقد تراجع ترامب، في الأشهر الأخيرة، عن بعض الرسوم الجمركية القصوى التي فرضها، ومنها الرسوم “الصاروخية” المفروضة على الصين، أكبر مصدر للواردات الأمريكية.
ومؤخرًا، أعلن ترامب عن خطط جديدة لفرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على عشرات الدول، من بينها رسوم بنسبة 25% على شركاء تجاريين رئيسيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
وبشكل عام، يواجه المستهلكون الأمريكيون رسومًا جمركية فعلية تبلغ نسبتها نحو 20.6%، وهي أعلى نسبة تُسجَّل منذ عام 1910، وفقًا لبيانات صادرة عن “مختبر الموازنة” في جامعة ييل هذا الأسبوع.
وتشير شبكة “إيه بي سي نيوز” إلى أن إدارة ترامب تروّج لهذه الرسوم كجزء من سياسة “أمريكا أولًا” الاقتصادية، التي تسعى إلى جذب تريليونات الدولارات من الاستثمارات الجديدة في مجالات التصنيع والتكنولوجيا والبنية التحتية داخل الولايات المتحدة.
من الناحية النظرية، تشجّع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الشركات على بناء منشآت تصنيع محلية لتجنّب الضرائب الإضافية. وقد أعلنت عدة شركات، من بينها “أبل”، و”نفيديا”، وشركات أدوية مثل “ميرك” و”جونسون آند جونسون”، فضلًا عن شركات سيارات كـ”هيونداي” و”ستيلانتيس”، عن نيتها الاستثمار داخل الولايات المتحدة.
مع ذلك، يرى البروفيسور ماتياس فيرنينجو، أستاذ الاقتصاد في جامعة “باكنيل”، أن هذه الشركات تسعى إلى إبرام صفقة سياسية مع ترامب، مرجّحًا أن كثيرًا منها لن تفي بتعهداتها في نهاية المطاف.
ويشير محللون إلى أن الشركات أصبحت أمام خيارات استثمارية مكلفة وطويلة الأمد، في ظل سياسات جمركية متقلبة ومتكررة، قام البيت الأبيض بتعديلها مرارًا منذ تولي ترامب السلطة. وزادت حالة عدم اليقين بعد صدور حكمين قضائيين في مايو الماضي، فيما تنظر محكمة الاستئناف الفيدرالية في مدى قانونية هذه السياسات وإمكانية تطبيقها.
وقد حققت هذه الرسوم الجمركية عائدات كبيرة من الإيرادات الضريبية، إذ يتوجب على الموردين دفعها للحكومة الفيدرالية عند إدخال السلع إلى البلاد.
وسجلت الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا الشهر الماضي بلغ نحو 27 مليار دولار من حصيلة الضرائب الجمركية، ليتجاوز إجمالي العائدات هذا العام 100 مليار دولار، وفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية.
ويقول مارك زاندي، كبير الخبراء الاقتصاديين في “موديز أناليتيكس”، إن العائدات الجمركية قد تتجاوز 300 مليار دولار بحلول نهاية عام 2025، أي ما يقارب 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما قد يساهم في الحد من العجز المالي الحكومي.
حتى الآن، تمكن الاقتصاد الأمريكي من تجاوز مخاوف المحللين بشأن ارتفاع كبير في الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية.
ويرى محللون أن تلك الرسوم ساهمت بشكل محدود في ارتفاع التضخم خلال الشهر الماضي، مستشهدين بزيادة أسعار بعض المنتجات التي تعتمد على الواردات في تصنيعها.
وقد ارتفعت أسعار المستهلكين في يونيو بنسبة 2.7% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو ما توافق مع توقعات الاقتصاديين، وإن كان أعلى قليلًا من الزيادة المسجلة في الشهر السابق.








