جذب مشروع احتباس الكربون المطور من قِبل شركة “زرعي” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، أنظار مؤسسات التمويل الدولية، وحصل على دعم مالي بقيمة 1.6 مليون يورو من جهات أوروبية مرموقة، من بينها Rabobank والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) إلى جانب جائزة خليفة الدولية.
وخُصص التمويل لتنفيذ المشروع على مساحة 60 ألف فدان بالواحات، بهدف تحقيق عوائد سنوية تتجاوز 300 مليون جنيه، مع تخصيص 80% منها لصغار المزارعين.
قال وليد نصر، مؤسس “زرعي”، إن شركته طورت خلال 2022 نموذجًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقييم المخاطر وتسعير السياسات التأمينية بشكل مخصص لكل مزرعة، ما يتيح تسعيرًا أكثر عدالة وسرعة في التعويضات.
لكن اختلاف النماذج التسعيرية بين السوق المحلية والمعايير العالمية شكّل تحديًا في مواءمة النموذج مع السياسات التأمينية المعتمدة.
ودعا نصر ، في حوار لـ”البورصة”، إلى تذليل البيروقراطية وتخفيض تكلفة التأمين الزراعي بما يتماشى والمعدلات العالمية، حتى تصبح الخدمات قابلة للتطبيق وتعود بالنفع على صغار المزارعين.
البدايات والرؤية والتقنية
قال نصر، إن “زرعي” شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي لخدمة القطاع الزراعي، عبر مراقبة وإدارة المحاصيل باستخدام صور الأقمار الصناعية، وتحلل عبر منصتها الإلكترونية جودة المحصول وكفاءة الري ومستوى التسميد، بهدف رفع الإنتاجية وتحسين عمليات ما بعد الحصاد.
أضاف أن الشركة بدأت بتمويل ذاتي، ثم انضم صندوق “FLAT6LABS” أواخر 2022 بحصة 10% .. لكنه لا يتدخل في إدارة الشركات التي يستثمر بها.
وأوضح نصر، أن تطبيق “زرعي” يعمل وفق مفهوم الزراعة الدقيقة “Precision Agriculture”، إذ يستطيع المزارع عبر التطبيق رسم حدود أرضه، ليحصل على 10 مؤشرات تحليلية مرتبطة بالمحصول، منها جودة الري والتسميد وحالة النبات والتأثيرات المناخية المحتملة.
اقرأ أيضا: «جنينة للتكنولوجيا الزراعية» تستهدف إطلاق جولة تمويلية بـ5 ملايين جنيه
وأضاف أن التطبيق يمّكن صاحب الأرض من متابعة محصوله عن بعد، حتى للشركات الكبرى التي تمتلك آلاف الأفدنة، إذ يوفر التطبيق تقارير دقيقة تساعد الإدارة على تحسين الكفاءة، وزيادة الإنتاجية بنسبة 10 إلى 30%.
وأوضّح أن “زرعي” تقدم خدمات مراقبة المحاصيل بالأقمار الصناعية وربط الفلاحين بشبكة من الخبراء، كما تضم المنصة لوحات تحكم للإدارة، وكذلك إمكانية إجراء مفاوضات مع شركات تأمين لتغطيات مخاطر المناخ.
الشراكة مع “مصر للتأمين”
وحسب نصر ، بدأت “زرعي” شراكة مع “مصر للتأمين” لتطبيق التأمين الزراعي لأول مرة في مصر أواخر 2022، واصفًا النشاط بأنه “غير مفعل حتى اليوم رغم أهميته في حماية المزارعين والزراعة التعاقدية”، بهدف خدمة صغار المزارعين والشركات الزراعية من خلال إدخال التأمين الزراعي إلى السوق المصرية.
ووصف تجربة “زرعي” مع “مصر للتأمين” بالمتعثرة. فرغم كون الفكرة الأولى من نوعها بمصر، إلا أنها اصطدمت بتشريعات تنظيمية تصعّب تبني خدمات جديدة، أضاف أن “مصر للتأمين” سعرت التأمين بـ7% من حجم الإنتاج، في حين أن المعدل العالمي يتراوح بين 1% و3.5% فقط، وهو ما جعل الخدمة غير قابلة للتطبيق.
وتابع:” غياب تفعيل التأمين على المحاصيل ضد المخاطر المناخية، رغم محاولات التعاون مع شركة مصر للتأمين، يبقى عائقًا أمام جذب التمويلات وتفعيل الزراعة التعاقدية، إذ يُعد التأمين شرطًا لضمان استدامة العائدات وتقليل المخاطر على الممولين والمزارعين”.
اهتمام دولي.. وفرص ضائعة
قال مؤسس “زرعي”، إن هدف الشركة كان التوسع في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، موضحا أن الشركة تلقت أكثر من عرض من السعودية، إذ تواصلت معه صناديق استثمار منها “سنابل” وصندوق الاستثمار السعودي، لكن بشرط تحوّل الشركة إلى كيان سعودي.
ويعترف نصر بأنه رفض العرض وقتها، معتبرًا تلك الخطوة “فرصة ضائعة” للانطلاق من خارج مصر نحو العالمية.
أضاف أن ثمة فرص عديدة أُهدرت، سواء في التوسع الخارجي أو في تنفيذ مشروعات كبرى، مثل مشروع الكربون أو التأمين الزراعي، رغم أهميتها.
واطلعت “البورصة” على مقال باللغة الإنجليزية نشرته الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول “GSMA/GIZ” عن تجربة “زرعي”، خلال فبراير الماضي، بعنوان “Zr3i: Lessons from an ambitious precision agriculture startup”، واستدل بذلك على أن المشروع يحوز اهتمام جهات دولية تعمل في تطوير الزراعة الرقمية.
أشار نصر، إلى أن شركته تعاونت مع جهات عدّة، وطرحت تطبيقها وقدمت عروضًا تجريبية أكثر من مرة، غير أنه “فوجئ” لاحقًا بتأسيس شركات جديدة تقدم نفس الخدمات التي طوّرتها “زرعي”، معلقًا بأن دخول بعض الجهات في المجال ، بمثابة معركة غير متكافئة في المنافسة.
أضاف أن التحديات التي واجهت الشركة ليست “داخلية” فقط، وإنما منها المرتبط بظروف اقتصادية عامة، مثل التضخم وضعف الاستثمار الخاص وصعوبة جذب شركاء في ظل عدم استقرار السوق، مشيرًا إلى أن انسحاب الفريق التقني من “زرعي” مثّل نقطة تحول، كعامل رئيس في تعثر المشروع، إضافة إلى نقص التمويل.
مشروع الزراعة الكربونية لم يرَ النور
يعتمد مشروع الزراعة الكربونية على الزراعة التعاقدية باستخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية، بهدف تحسين إنتاجية النخيل والمحاصيل الثانوية، وتوليد أرصدة كربونية قابلة للتداول دوليًا.
وحسب نصر ، عملت “زرعي” طوال عامين على المشروع المبتكر لقياس احتباس الكربون في التربة وأشجار النخيل وبيع شهادات الكربون في الأسواق العالمية، بهدف تطبيق الزراعة المتجددة (Regenerative Agriculture) عبر المزج بين المحاصيل الرئيسة كالتمور والمحاصيل الثانوية كالقمح أو البرسيم، مع التسميد العضوي، ما يساعد التربة على تخزين الكربون.
أضاف أن المشروع حصل على موافقات أولية، وجرى توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة الزراعة، كما أبدت مؤسسات “رابو بنك” الهولندي والبنك الأوروبي للتنمية، إضافة إلى “جائزة خليفة” استعدادها لتمويل المشروع بنحو 1.6 مليون يورو، موزعة بنسبة 40% لـ”رابو بنك” والبنك الأوروبي، و20% من “جائزة خليفة”.
وسيتم تطبيق المشروع على مساحة 60 ألف فدان بالواحات، بما يحقق عوائد تصل إلى 300 مليون جنيه سنويًا، يذهب 80% منها لصغار المزارعين، و10% لـ”زرعي”، و10% لـ”رابو بنك”، غير أن المشروع يواجه تحديات تنظيمية تحول بينه وخروجه للنور.
محاولات للإنعاش وخيارات مطروحة
كشف نصر، عن تلقيه دعوة جديدة من برنامج “Shark Tank” في نسخته المصرية، للمشاركة بالموسم المقبل، بعدما رفض الظهور في البرنامج قبل عامين لانشغاله بتأسيس الشركة، مبديًا تردده في قبول الدعوة بسبب التحديات التنظيمية التي تواجه شركته.
ووصف مؤسس “زرعي” وضع شركته حاليًا بـ”الانتظار”، إذ لا يعرف كيف ينطلق بمشروعه في ظل ضعف الدعم وانسحاب كثير من المستثمرين المهتمين، بسبب العقبات المحلية.
أضاف أن “زرعي” هي نموذج اقتصادي واجتماعي متكامل، حصل على التمويل وطور التقنية، لكنه اصطدم بنظام لم يكن مستعدًا للفكرة، مطالبًا بتوفير بيئة تنظيمية تسمح للفكرة بالتحرك والاختبار والاحتضان.
وطالب بتوفير أدوات تمويل مخصصة للمشروعات ذات الأثر البيئي وتفعيل الحاضنات الحكومية التي تتيح الوصول إلى الأراضي والبيانات والشبكات اللوجستية، مشيرًا إلى أن “زرعي” نموذج فريد تقدمه التكنولوجيا الزراعية في مصر، إذا ما توفرت له بيئة تنظيمية داعمة وشراكات حقيقية.
وختم بأن شركته غير قابلة للاستسلام رغم التحديات، وعلى حد وصفه: “مصر تستحق مثل تلك النماذج، بينما يمثل دعم الجهات الحكومية لمثل تلك المبادرات عنصرًا في تحويل الأفكار إلى واقع، عبر تسهيل الإجراءات التنظيمية وتوفير مسارات واضحة للتراخيص وتفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مجالات الابتكار والتأثير البيئي والاجتماعي”.








