العسقلاني: نعمل على تطوير “نافذة” وبناء نظام جمركي عصري يتوافق مع أفضل المعايير العالمية.
في خطوة تعكس التوجه المصري الجاد نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز بيئتها التجارية، عقدت مصلحة الجمارك المصرية ورشة عمل اليوم بمقر وزارة المالية، جمعت كبار المسؤولين الجمركيين المصريين مع الممثلين التجاريين لسفارات دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية، حيث كُشف النقاب عن خطة استراتيجية طموحة تهدف إلى إحداث طفرة نوعية في كفاءة وسرعة الإجراءات الجمركية، وخلق بيئة تجارية أكثر جاذبية وتنافسية، تماشياً مع رؤية مصر التنموية 2030.
تولى عرض تفاصيل هذه الرؤية التطويرية كل من سامي رمضان وأحمد العسقلاني، نائبا رئيس مصلحة الجمارك، اللذان أكدا أن الاستراتيجية ترتكز على عدة محاور رئيسية ستغير وجه العمل الجمركي في مصر، وتضعها في مصاف الأنظمة الجمركية المتطورة عالمياً.

افتتح رمضان الحديث مؤكداً أن حجر الزاوية في الخطة يتمثل في خفض زمن الإفراج الجمركي إلى يومين فقط بحلول نهاية عام 2025.
ووصف رمضان هذا الهدف بأنه “إطار زمني طموح ولكنه قابل للتحقيق”، مشيراً إلى أن تقليص مدة انتظار البضائع سيسهم بشكل كبير في خفض تكاليف التشغيل والإنتاج لشركاء المصلحة في قطاع الأعمال، سواء كانوا مستوردين أو مصدرين.
وأضاف رمضان أن هذه الخطوة ستنعكس إيجاباً على تنافسية السلع المصرية في الأسواق العالمية، وستشكل عامل جذب قوي للمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تبحث عن بيئة أعمال مرنة وسريعة وتقلل من التكاليف اللوجستية التي كانت تشكل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة.

من جانبه، سلط أحمد العسقلاني الضوء على المحور التكنولوجي الذي يعتبر العمود الفقري للتحول المنشود، مشيراً إلى أن تحقيق هدف اليومين يعتمد بشكل أساسي على التطوير الشامل للبنية التحتية الرقمية. وقال العسقلاني: “منظومة ‘نافذة’ الموحدة هي قلب وعقل التحول الرقمي لدينا. لقد نجحنا بالفعل في تغطية 99.9% من عمليات الاستيراد عبر المنظومة، مما وحد الإجراءات وقلل التدخل البشري إلى أدنى حد، وبالتالي قلل من هامش الخطأ ورفع درجات الشفافية وأغلق العديد من النوافذ التي كان من الممكن أن تنتج عنها ممارسات غير مرغوب فيها”.
وأشار العسقلاني إلى أن المرحلة المقبلة تركز على تطوير النظام ليكون أكثر ذكاءً، من خلال العمل على تكامل قواع البيانات وتبني آليات متطورة للتعامل مع تحديات العصر، وعلى رأسها الشحنات الضخمة الناتجة عن طفرة التجارة الإلكترونية العالمية، والتي تشهد نمواً متسارعاً ويتطلب التعامل معها أنظمة مرنة وذكية.
وأكد نائبا رئيس مصلحة الجمارك على أن تسريع الإجراءات لا يعني بأي حال من الأحوال التهاون في عوامل الأمن أو السلامة. أوضح رمضان أن سرعة عملية الإفراج الجمركي تقترن بتفعيل وتطوير آليات إدارة المخاطر بشكل غير مسبوق، مما يمكن المصلحة من توجيه مواردها التفتيشية بشكل أكثر كفاءة وتركيزاً.
بدلاً من التفتيش العشوائي الذي كان يهدر الوقت والجهد، سيتم تركيز الجهود على البضائع عالية الخطورة فقط”، كما قال رمضان، مضيفاً أن هذا المنهج العلمي يضمن سلامة المجتمع ويحصن الحدود من محاولات التهريب أو دخول سلع غير مطابقة أو محظورة، بينما تمر السلع الآمنة والقانونية بسلاسة وسرعة قياسية، مما يحقق المعادلة الصعبة بين تسهيل التجارة المشروعة وتعزيز أمن الوطن.
ولم يغفل المسؤولان أهمية العنصر البشري في هذه المعادلة المعقدة. أكد العسقلاني على أن رفع كفاءة وتأهيل الموارد البشرية يعد محوراً أساسياً في استراتيجية المصلحة، حيث بدأت بالفعل برامج تدريبية مكثفة ومتخصصة تستهدف مئات العاملين في جميع الموانئ والمنافذ الجمركية على مستوى الجمهورية.
تهدف هذه البرامج إلى تطوير مهارات العاملين وتمكينهم من التعامل مع الأنظمة التكنولوجية الجديدة، إلى جانب تعزيز قيم النزاهة والشفافية والكفاءة في أداء العمل، وهو ما سينعكس مباشرة على جودة الخدمة المقدمة وسيحسن من الصورة الذهنية للمصلحة ككل، محولاً إياها من جهة رقابية تقليدية إلى شريك حقيقي في دفع عجلة التنمية.
ونوه رمضان إلى أهمية التعاون والتكامل مع الجهات الأخرى ذات الصلة، مثل هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، وهيئة سلامة الغذاء، والجهات الأخرى المعنية، مشيراً إلى أن هذا التكامل يضمن حماية المستهلك المصري من السلع غير المطابقة أو المغشوشة، والحد من انتشار الآفات الزراعية، ومنع تهريب المواد المخدرة أو غير المشروعة.
اختتم المتحدثان بأن هذه الإصلاحات الشاملة سيكون لها انعكاس مباشر وإيجابي على تحسين مركز مصر في مؤشرات أداء التجارة الدولية، وعلى رأسها تقرير البنك الدولي لممارسة أنشطة الأعمال، مما يرسل رسالة طمأنينة قوية للمستثمرين العالميين بأن مصر جادة في إزالة المعوقات الإدارية التاريخية وبناء نظام جمركي عصري يتوافق مع أفضل المعايير والممارسات الدولية.
ومن جانبهم، عبر الممثلون التجاريون للاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية عن تفاؤلهم البالغ بالخطوات الجادة التي تتخذها مصر، معربين عن أملهم في أن تسهم هذه الإجراءات التحويلية في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مصر ودولهم، مشيدين بالرؤية الشاملة التي تضعها مصلحة الجمارك المصرية.
وبهذه الرؤية الاستباقية والتنفيذ الجاد، تضع مصلحة الجمارك المصرية نفسها ليس مجرد جهة رقابية تقليدية، بل كشريك فاعل وحقيقي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية الشاملة.








