إندونيسيا انزلقت تحت قيادة رئيسها الجديد “برابوو سوبيانتو” إلى حالة من الإنكار
أثارت الاحتجاجات التي تعصف بجاكرتا ، تساؤلات حول كيف سقط هذا النجم الاقتصادي من السماء.
لكن الأمر لا يقتصر على إندونيسيا وحدها، فجنوب شرق آسيا، بما في ذلك تايلاند وماليزيا والفلبين وفيتنام، هي منطقة تضم العديد من النجوم الباهته.
فبعد أن كانت ذات يوم موطناً لأسرع الاقتصادات نمواً في العالم، أصبحت في الآونة الأخيرة موطناً لتراجع التوقعات الاقتصادية بأسرع وتيرة.
ففي العقد الذي بدأ عام 2010، حققت أسواق الأسهم في جنوب شرق آسيا أفضل العوائد بين أي منطقة في العالم الناشئ؛ أما خلال العام الماضي فقد سجلت أسوأ العوائد مقارنة بأي منطقة أخرى سواء ناشئة أو متقدمة.
الصدمة الكبرى تمثلت في تأثير الصين على المنطقة، فبينما بدأ المصنعون العالميون ، نقل بعض إنتاجهم خارج الصين خوفاً من التوترات الجيوسياسية مع الغرب وتزايد تدخل الدولة وارتفاع التكاليف، بدا أن جنوب شرق آسيا في موقع يؤهلها لجني أكبر المكاسب.
وكانت العديد من بلدان المنطقة بالفعل تملك قاعدة صناعية قوية للبناء عليها، لكن هذا التحول في الاستثمارات لم يتحقق بشكل ملموس، بحسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وبدلاً من ذلك، بدأت الصين تصدير فائض إنتاجها إلى جنوب شرق آسيا أكثر من أي منطقة أخرى، مما صعب على هذه الدول الحفاظ على حصتها حتى في أسواقها المحلية.
وقد شهدت الصين خلال الأشهر الـ12 الماضية تراجعاً كبيراً في فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، قابله تقريباً بالدولار زيادة في تجارتها مع جنوب شرق آسيا.
وكانت فيتنام هي الدولة الأكثر صموداً في جنوب شرق آسيا.
ولمواجهة إغراق الصين وأثر الرسوم الجمركية الأمريكية، دفعت فيتنام بإصلاحات داخلية لتعزيز استثمارات القطاع الخاص وتبسيط عمل الشركات الحكومية، تلتها ماليزيا، التي اتخذت بعض الخطوات لتعظيم مكاسبها، خصوصاً في مراكز البيانات.
في المقابل، لم تفعل تايلاند، الغارقة في الاضطرابات السياسية، الكثير لحماية قاعدتها الصناعية التي كانت مستقرة.
أما إندونيسيا، تحت قيادة رئيسها الجديد برابوو سوبيانتو، فانزلقت إلى حالة من الإنكار.
ليس مفاجئاً أن أفضل الاستجابات أفرزت أفضل النتائج، فسوق الأسهم في فيتنام وحدها ما زالت تحقق عوائد قوية، بينما سجلت إندونيسيا أكبر تراجع.
سوق الأسهم في فيتنام وحدها ما زال يحقق عوائد قوية
إن الصدمة الانكماشية القادمة من الصين تقوض الصناعة في عموم المنطقة، لكنها تضرب إندونيسيا بشكل خاص، مما يدفع العمال في المدن إلى العودة للريف.
كما أن الاستهلاك يضعف، ومبيعات السيارات انخفضت بشدة خلال العقد الماضي، وأصبحت حالياً أقل حجماً من ماليزيا التي لا يتجاوز عدد سكانها ثُمن حجم سكان إندونيسيا.
وتنمو الاستثمارات والإنشاءات ببطء، وبالتالي تتراجع مبيعات الأسمنت، والإجراءات التي اتخذها برابوو تزيد الأمور سوءاً.
إنه يتحدث عن رفع معدل نمو إندونيسيا إلى 8%، وهو مستوى نادراً ما تحقق خارج اقتصادات “المعجزات الآسيوية” المصدرة، ولم تصل إليه أي دولة منذ العقد الأول من الألفية.
وبدلاً من الاستثمار لخلق وظائف جيدة في المصانع، دفع برابوو ببرامج للرعاية الاجتماعية، بما في ذلك دعم التعاونيات الريفية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ما سيشجع مزيداً من تراجع التصنيع.
هذا التيار الكامن من الرومانسية الزراعية على طريقة القرن الثامن عشر يعزز صورة زعيم يبتعد عن الواقع.
ففي رحلة حديثة إلى جاكرتا، قال بعض المخضرمين إن برابوو محاط بـ”رجال نعم” لا يخبرونه سوى بما يظنون أنه يريد سماعه.
وفي الربع الماضي، أعلنوا عن نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.12%، وهو رقم يصعب تصديقه بالنظر إلى ضعف الاستهلاك والاستثمار.
حتى وقت قريب، كانت بكين تتقن لعبة الأرقام المُدارة، معلنة نمواً يقارب بدقة هدفها البالغ 5% كل ربع سنة، لكن مؤخراً، انتزعت جاكرتا هذا اللقب المشبوه، معلنة أقل نمو اقتصادي تقلباً في العالم.
السؤال الذي يواجه جنوب شرق آسيا اليوم هو، كيف يمكن أن تحقق التنمية في وقت يضيق فيه الطريق الوحيد المجرب لخلق وظائف واسعة النطاق مع تزايد أتمتة المصانع؟
وحتى قبل العام الماضي، لم تدفع معظم دول المنطقة بقوة كافية للصعود في سلم التنمية نحو تصنيع صادرات أكثر تقدماً.
ونتيجة لذلك، تراجع نمو الإنتاجية خلال هذا العقد في عموم المنطقة.
لا تزال بعض الدول القليلة تملك نقاط قوة مثل الموانئ الجيدة على طرق التجارة المزدحمة والقوى العاملة الماهرة، ما يؤهلها للنجاح في الصناعة.
أما الأخرى فعليها البحث عن مسارات جديدة، مثل التكيف وتطبيق الابتكارات الرقمية لخلق المزيد من الوظائف في قطاع الخدمات.
وعندما تزدهر أسعار السلع، يجب استخدام العوائد لتنويع الاقتصاد نحو صناعات جديدة، وقبل كل شيء، الاستمرار في دفع الإصلاحات، وخفض القيود والتدخل الحكومي، فالتحديات أمام التنمية تتزايد حدة، لكن هذا يجعل من الأخطر السير على خطى برابوو والتظاهر بعدم وجودها.








