تتطور قدرات الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، وتسعى الشركات حول العالم بشكل محموم لمواكبة هذا التطور وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي، لكن التنفيذ العشوائي قد يترك عواقب ثقيلة.
فقد كشف تقرير جديد أصدرته شركة “أسانا” حول حالة الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، استناداً إلى استطلاع شمل أكثر من 9,000 موظف معرفة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وألمانيا واليابان، أن 79% من الشركات عالمياً تتوقع تراكم ما يُعرف بـ”ديون الذكاء الاصطناعي” نتيجة سوء تنفيذ الأدوات المستقلة.
وأوضح التقرير أن الشركات غير مستعدة وتفتقر إلى البنية التحتية والرقابة اللازمة لضمان تعاون سلس بين الموظفين البشريين ووكلاء الذكاء الاصطناعي المستقلين.
وعلى عكس الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن الوكلاء قادرون على التصرف بشكل مستقل وبدء إجراءات واستدعاء أعمال سابقة قاموا بها، ومن أمثلتها “أوبن إيه آي” عبر أداة “أوبريتور” و”أنثروبيك” عبر أداة “كلود”، حسب ما نقلته شبكة “سي إن بي سي” الإخبارية الأمريكية.
وقال مارك هوفمان، الخبير في مختبر الابتكار العملي التابع لـ”أسانا”، إن ديون الذكاء الاصطناعي تمثل تكلفة الفشل في تطبيق الأنظمة المستقلة الناشئة بالشكل الصحيح.
وأضاف: “قد تكون هذه التكاليف مالية أو مرتبطة بالوقت الضائع، وهو أيضاً مال.. وقد تشمل أعمالاً يجب التراجع عنها، وهو أمر مكلف مالياً ويؤدي إلى إنهاك الموظفين.. إنها جميع التكاليف المترتبة على التطبيق السيئ”.
أشار التقرير إلى أن هذه الديون قد تظهر في شكل مخاطر أمنية أو ضعف جودة البيانات أو وكلاء ذكاء اصطناعي منخفضي التأثير يهدرون وقت الموظفين ومواردهم، إضافة إلى فجوة في مهارات الإدارة.
وأكد هوفمان أن القائمة لا تنحصر في ذلك، إذ يمكن أن تتمثل الديون في أكواد برمجية غير فعّالة أنشأها الذكاء الاصطناعي أو محتوى مولّد لم يستخدمه أحد.
وكشف بحث جديد أجراه مختبر “بيتر أب لابز” ومختبر وسائل التواصل الاجتماعي في جامعة “ستانفورد” أن 40% من العاملين المكتبيين في الولايات المتحدة تلقوا ما وصفوه بـ”عمل رديء مولّد بالذكاء الاصطناعي”، أي محتوى يبدو جيداً لكنه يفتقر لأي مضمون حقيقي.
وأدى ذلك إلى نحو ساعتين إضافيتين من العمل شهرياً، أي ما يعادل ضريبة غير مرئية بقيمة 186 دولاراً، وخسارة إنتاجية قدرها 9 ملايين دولار سنوياً.
وأضاف هوفمان: “توجد استثمارات ضخمة في هذا المجال حالياً، والسؤال يبقى ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستؤتي ثمارها؟”
أما هنري أجدر، مؤسس شركة “لاتنت سبيس أدفايزوري” ومستشار للحكومة البريطانية وشركة “ميتا” وشركة الفيديو الناشئة “سينثيسيا”، فأكد ضرورة التنفيذ المدروس ووضع هياكل واضحة.
وقال: “المديرون التنفيذيون للابتكار الذين نجحوا، لم يتجاهلوا حجم الاضطراب الذي ستسببه هذه التقنية. وكأي عملية إعادة هيكلة جوهرية، ستكون هناك مشكلات وعقبات”.
ذكر تقرير “أسانا” أن اعتماد الذكاء الاصطناعي ارتفع إلى 70% في عام 2025 مقارنة بـ52% في 2024، لكنه تزامن مع زيادة مستويات الإرهاق الرقمي بين الموظفين.
فقد ارتفع الإنهاك الرقمي إلى 84% في 2025 مقابل 75% في العام السابق، كما صعدت أعباء العمل غير القابلة للإدارة إلى 77%.
وقالت منى مرشد، الرئيسة التنفيذية العالمية ومؤسسة منظمة “جينيريشن” الأمريكية للتوظيف، إن العاملين يواصلون المعاناة رغم إدخال الشركات أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأضافت أن “السبب الجوهري لمعاناتهم هو غياب حالة استخدام واضحة تشرح كيف ولماذا يجب أن يُستخدم هذا التطبيق في سير العمل؟ ومن دون فهم واضح للفائدة، سواء لجعل المهمة أسرع أو أرخص أو أفضل، يتولد الإرهاق لأن النتيجة غير معلومة”.
وأكدت مرشد، أن الشركات تراهن على أن العمل سيتحسن فوراً بمجرد إدخال الذكاء الاصطناعي، لكنها لا تقدم التدريب أو الإرشادات اللازمة لتحقيق هذه التحسينات.
وقالت إن “الأمر ليس عصاً سحرية، بل رحلة شاقة تحتاج إلى وقت”.
وشدد الخبير أجدر، على أن الاستراتيجية الصحيحة تتمثل في اختبار تطبيقات الذكاء الاصطناعي وبناء البنية التحتية اللازمة قبل التسرع، مضيفاً “لا تبدأ مباشرة بالدمج، بل تجري تجارب أولية وتحدد نطاق التطبيق وتختبر هذه الأنظمة في بيئة تجريبية”.








