انضمّ المؤسس المشارك لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان، والرئيس التنفيذي لشركة “ميتا بلاتفورمز” مارك زوكربيرج، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إلى الأصوات التي تتحدث عن وجود فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي، معبرين عن قلقهم من أن الاقتصاد الأمريكي قد ينهار عندما تنفجر تلك الفقاعة.
لكن كيف سيبدو هذا الانهيار المحتمل بعد انفجارها؟
في ظل الضعف الذي يعتري معظم قطاعات الاقتصاد الأمريكي الأخرى، قد يعني ذلك الدخول في حالة ركود.
إلا أن فترات الركود الاقتصادية تختلف في أشكالها، وغالباً ما تكون أسوأها نتيجة لأزمات مالية.
ومع ذلك، فإن معظم الخبراء – مع وجود بعض الاستثناءات – لم يحذروا من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد تتسبب بأزمة مالية.
ويبدو أن الرأي السائد هو أنه في حال حدوث ركود، فسيكون أشبه بما حدث بعد انفجار فقاعة الإنترنت عام 2000، وليس بالأزمة المالية العالمية لعام 2008.
يشير التاريخ إلى بعض الأدلة الداعمة لهذا الرأي.
فقد خلصت دراسة معروفة عن الفقاعات والأزمات المالية إلى أن “حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت العديد من فقاعات أسعار الأسهم التي لم تتحول إلى أزمات مالية”.
لكنّ مؤلفي الدراسة أشاروا أيضاً إلى أن فقاعات أسعار الأسهم يمكن أن تؤدي إلى أزمات مالية إذا كانت مدفوعة بالاقتراض، فـ”الكساد الكبير” مثلاً سبقه تضخم مفرط في فقاعة الأسهم خلال عشرينيات القرن الماضي اعتمد على الديون، حسب ما نقله موقع “بروجكت سنديكيت”.
تكتسب هذه النقطة أهمية خاصة لأن الاقتصادي نواه سميث، أشار إلى أن البنوك تموّل صناديق “الائتمان الخاص” التي تقوم بدورها بإقراض الأموال لتمويل بناء مراكز البيانات استعداداً لازدهار متوقع في الذكاء الاصطناعي.
ويتساءل سميث عمّا إذا كانت تلك القروض المخصصة للبناء ستتعثر عند انفجار الفقاعة، وهل يمكن لخسائر الائتمان الخاص أن تؤدي إلى أزمة لدى البنوك التي وفّرت هذا التمويل في الأساس؟
كما يجدر التساؤل عما إذا كان انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي قد يضعف قدرة مؤسسات مالية غير مصرفية على سداد قروضها؟
ففي مذكرة حديثة لمحللي بنك “جي بي مورجان” حول تداولات صناديق التحوط، تمّت الإشارة إلى أن التركّز في أسهم “العظماء السبعة” (وهي شركات مثل أمازون ومايكروسوفت وإنفيديا) لا يزال قريباً من أعلى مستوياته التاريخية، ومع ذلك، فإن أسعار تلك الأسهم تعتمد بدرجة كبيرة على طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
وإذا أخفقت تلك الشركات في تحقيق أهدافها وتراجعت أسعارها بشدة، فقد تُجبر صناديق التحوط ذات الرافعة المالية العالية على تنفيذ عمليات بيع اضطرارية لتلبية طلبات الهامش أو سداد قروضها البنكية.
وإذا لم تحقق تلك المبيعات العاجلة عائداً كافياً من السيولة، فستتخلف الصناديق عن سداد التزاماتها، مما قد يهدد الوضع المالي لشركات الوساطة والمتعاملين الرئيسيين والبنوك التي أقرضتها.
إضافة إلى ذلك، ستؤدي هذه الديناميكيات نفسها إلى مزيد من الضغط على أسعار أسهم التكنولوجيا، ما قد يجبر مؤسسات مالية أخرى تعتمد على الرافعة المالية على تصفية محافظها الاستثمارية، لتتواصل السلسلة ذاتها.
كما لا ينبغي افتراض أن المؤسسات المالية المتعطشة للسيولة ستقتصر على بيع أسهم التكنولوجيا فقط، بل ربما تضطر – أو تفضل – بيع أنواع أخرى من الأصول، مما ينقل الأزمة إلى أسواق أصول أخرى.
هذا السيناريو ليس مستبعداً، فقد أفاد الاحتياطي الفيدرالي بأن حجم الرافعة المالية لدى صناديق التحوط بلغ مستويات تاريخية عام 2024، وفي تعليق صدر في سبتمبر 2025، أشار المحلل آدم جوزيفسون إلى أن “اقتراض صناديق التحوط ورافعتها المالية بلغا مستوىً قياسياً عند 6.2 تريليون دولار، بزيادة تتجاوز 25% مقارنة بعام سابق حتى نهاية مارس”.
ويشمل ذلك القروض القائمة من شركات الوساطة واتفاقيات إعادة الشراء من المتعاملين الرئيسيين، وهي جميعها عند مستويات مرتفعة تاريخياً.
كما ارتفع إقراض البنوك – ولا سيما البنوك الكبرى – للمؤسسات المالية غير المصرفية، بما في ذلك شركات الوساطة والمتعاملين الرئيسيين وصناديق التحوط نفسها، ليصل إلى 1.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 13% من إجمالي القروض القائمة.
في الوقت ذاته، تواصل الجهات التنظيمية المالية الأمريكية السماح بتوسع هذا الاعتماد على الرافعة المالية، فضلاً عن موافقتها على دمج الأسواق المالية التقليدية مع أسواق العملات المشفّرة، التي تعجّ بدورها بالرافعة المالية.
ورغم السرديات المتداولة التي ترى في “بتكوين” وغيرها من الأصول المشفرة وسيلة للتحوّط ضد المخاطر في الأسواق الأخرى، إلا أن تحركات أسعارها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتحركات الأسهم.
وعليه، من المتوقع أن تنخفض أسعار العملات المشفرة عندما تنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي، ليس فقط بفعل موجة المبيعات الاضطرارية، بل لأن كليهما تضخم بفضل السرديات نفسها حول “التقنيات الجديدة التي تهدم النماذج القديمة”.
فإذا بدأت دلائل على محدودية الذكاء الاصطناعي تتسرب إلى الوعي العام خلال انهيار السوق، فقد تؤدي المشاعر التشاؤمية تجاه أصول التكنولوجيا إلى تقويض الحماس تجاه العملات المشفرة أيضاً.
وقد يؤدي ذلك لاحقاً إلى انهيار في الأصول المشفرة ذات الطابع الشبيه بالمخططات الهرمية مثل “بتكوين”، إضافة إلى موجات سحب مفاجئة من العملات المستقرة المدعومة بأصول.
إذا اضطرت الجهات المصدرة لتلك العملات المستقرة إلى سحب احتياطاتها النقدية من البنوك، فقد يتسبب ذلك في حدوث حالة هلع مصرفي.
أما إذا اضطرت إلى بيع سندات الخزانة الأمريكية التي تحتفظ بها ضمن احتياطاتها، فقد تنجرف سوق مالية أخرى بالغة الأهمية إلى دوامة الأزمة.
قد لا يتوقع الخبراء أن يؤدي انهيار سوق الأسهم إلى أزمة مالية، لكن ماذا لو كانوا مخطئين؟
فمع تراكم الرافعة المالية في أجزاء كثيرة من النظام المالي، وترابط تحركات أسعار الأصول بهذا الشكل الوثيق، ماذا لو كان النظام المالي أشبه بصندوق بارود قابل للانفجار عند أول شرارة تصيبه؟
بالطبع، قد يتمكن النظام المالي من تجاوز انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، خصوصاً إذا كان الانهيار تدريجياً وليس فجائياً، لكن لا ينبغي الركون إلى هذا الاحتمال.








