أبرمت شركات الأدوية الصينية عدداً قياسياً من الصفقات هذا العام لبيع أصولها في الخارج، ما أدى إلى ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا الحيوية بشكل كبير، مع رهان المستثمرين على أن الصين ستصبح قوة دافعة في مجال اكتشاف الأدوية عالمياً.
فقد سجّلت البلاد 93 صفقة ترخيص خارجي خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025 بقيمة 85 مليار دولار، وفقاً لبيانات شركة “فارم كيوب” الصينية، حيث باعت الشركات المحلية الحقوق الدولية لأدويتها المطوّرة محلياً، في مسار يؤكد تسارع تدويل القطاع الصيدلاني الصيني.
يُظهر النمو السريع في التجارب السريرية لدى شركات مثل “جيانجسو هنجروي” و”أكيسو” أن توجه بيع الأدوية الصينية لشركات عالمية سيستمر، في تحول جذري عمّا كان عليه الحال قبل عقد، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وقال الخبير براد لونكار إن الصين “لم يكن لديها قطاع تكنولوجيا حيوية يُذكر قبل عشر سنوات، أما اليوم فكل شركة أدوية كبرى تبحث فيها عن العلاجات المبتكرة”.
أطلقت بكين إصلاحات منتصف العقد الماضي سهلت تمويل شركات التكنولوجيا الحيوية وشجعت الابتكار، مدفوعة بسرعة تطوير الأدوية وانخفاض كلف التجارب السريرية، ما عزز نمو الصناعة.
وقفز مؤشر التكنولوجيا الحيوية في بورصة هونج كونج “هانج سنج” بأكثر من 80% هذا العام مع تزايد حماس المستثمرين.
تُجسد شركة “جيانجسو هنجروي” هذا التحول من صناعة الأدوية المقلدة إلى مركز للأبحاث المحلية، إذ أبرمت خلال العام الماضي اتفاقيات ترخيص مع “ميرك” و”بريف هارت بيو” و”جلينمارك”، كما وقعت في يوليو صفقة مع “جي إس كيه” البريطانية لتطوير 12 دواءً جديداً.
بالنسبة للعديد من الشركات الصينية، شكّل الارتفاع في الشراكات العالمية مصدراً رئيسياً للتمويل بعد سنوات من الإصلاحات التي قلصت هوامش الربح محلياً.
وقال تشاو بينج، المحلل في “هواجينج سيكيوريتيز”، إن شركات التكنولوجيا الحيوية الصينية قد تكون عرضة لتقلبات الإيرادات الناتجة عن اتفاقيات الترخيص، والتي تعتمد على تحقيق مراحل محددة في التجارب السريرية، في وقت تمول فيه هذه الشركات معظم إنفاقها المتزايد على البحث والتطوير.
سلطت صفقات “هنجروي” الدولية الضوء على تحد تواجهه شركات الأدوية الصينية الساعية للحصول على موافقات دولية لأدويتها الجديدة، فقد رفضت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مراراً أحد أدوية السرطان الخاصة بها وأثارت تساؤلات حول مراقبة الجودة في مواقعها للتصنيع.
أما شركة “أكيسو”، ومقرها مقاطعة جوانجدونج، فقد جذبت انتباه المستثمرين بفضل تقدمها في أبحاث الأورام.
استُقبل علاج “إيفونيسيماب” الرائد لدى “أكيسو” بمزيج من الحماس والشك، فهذا الدواء الذي يستهدف مسارين للسرطان، حاز على موافقة الصين العام الماضي كأول علاج من نوعه يصل إلى السوق، ما أدى إلى ارتفاع أسهم الشركة بأكثر من 90% في عام 2025.
وقد جرت الموافقة عليه مبدئياً لعلاج مرضى سرطان الرئة الذين خضعوا بالفعل للعلاج، قبل أن يتسع استخدامه لاحقاً.
وفي التجارب السريرية الصينية، تفوق “إيفونيسيماب” على دواء “كيترودا”، التابع لشركة “ميرك”، وهو الدواء الأكثر مبيعاً في العالم لعلاج السرطان، في منع تطور الأورام.
غير أن تجربة المرحلة الثالثة العالمية الأخيرة فشلت في تكرار تلك النتائج بين المرضى في أمريكا الشمالية وأوروبا، حيث عادت الأورام وتقدمت بوتيرة أسرع من الدراسات الصينية.
ويرى المحللون أنه من المبكر الحكم على آفاق الدواء عالمياً، بينما توسع “أكيسو” اختباراته لتشمل أنواعاً أخرى من السرطان مثل القولون والمستقيم.
وبينما يظل “إيفونيسيماب” الدواء الأساسي للشركة، تمتلك “أكيسو” أيضاً مجموعة واسعة من الأبحاث تشمل أمراض الأورام والمناعة الذاتية والتمثيل الغذائي.
ويشير المحللون إلى تركيزها المتزايد على “الأجسام المضادة المقترنة بالأدوية”، وهي تقنية توصل العلاج الكيميائي مباشرة إلى الخلايا السرطانية لتقليل الضرر بالخلايا السليمة.
أصبحت هذه التقنية محوراً رئيسياً في قطاع التكنولوجيا الحيوية الصيني، لما توفره من فرص للابتكار القائم على التجارب المخبرية واسعة النطاق.
أما شركة “ليجند بيوتك”، ومقرها نيوجيرسي، فهي تُعد من أبرز مطوري علاجات الجينات في الصين، فقد اكتسبت شهرتها بعد شراكة عام 2017 مع “جونسون آند جونسون” لتطوير علاج “كار-تي” لسرطان نخاع العظم المتعدد، وهو نوع من سرطانات الدم.
واعتُبرت الصفقة آنذاك رهاناً محفوفاً بالمخاطر على صناعة التكنولوجيا الحيوية الصينية الناشئة، لكنها ساهمت في إطلاق موجة صفقات الترخيص الحالية.
وبينما ضخّت الشركات الأمريكية موارد ضخمة في مجال العلاج الجيني، أعاقتها التكاليف الباهظة والعقبات التنظيمية في أسواقها المحلية، دعمت الجهات التنظيمية في الصين هذا المجال بالسماح بإجراء تجارب بشرية مبكرة وتوفير مرونة أكبر في تصميمها.
لكن رغم تشجيع الجهات التنظيمية الصينية للابتكار، فإن انخفاض أسعار الأدوية المحلية أجبر الشركات على البحث عن أسواق خارجية لاسترداد استثماراتها.








