توقعت دراسة علمية حديثة، أعدها 5 باحثين في جامعة أسيوط، أن يضيف تحول مصر إلى الاقتصاد الأخضر، نحو 8 ملايين فرصة عمل بحلول 2050، لاسيما مع إدراج مبادئ الاقتصاد الأخضر في العملية التعليمية.
وأوصت الدراسة المنشورة في “Journal of Curriculum Studies Research” وهي مجلة علمية محكمة في دراسات المناهج تصدرها شبكة OpenED العلمية بأنقرة، بوضع فلسفة تعليمية واضحة تدمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في صميم النظام التعليمي، وتصميم مناهج مبتكرة تعزز التعلم العملي من خلال مشاريع صديقة للبيئة، إضافة إلى تدريب المعلمين على استراتيجيات دمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في المقررات الدراسية، وتشجيع الابتكار البحثي في المجال.
وأظهرت الدراسة المعنونة بـ” دور نهج الاقتصاد الأخضر في تطوير التعليم والتعلم من أجل التنمية المستدامة بين معلمي STEM المرشحين في مصر”، أن جذب المانحين والداعمين، يعزز كفاءة عمليات التعليم والتعلم، عبر إنشاء وحدات متخصصة للاقتصاد الأخضر في كل كلية، وتحويل جميع مباني ومختبرات الحرم الجامعي إلى بيئات تعليمية خضراء ومستدامة.
استجابات تكشف الواقع
اعتمدت الدراسة على 126 طالبًا تم اختيارهم بصورة عشوائية، لقياس تصوراتهم حول تطبيق مبادئ الاقتصاد الأخضر في تجربتهم التعليمية، كما تم إجراء مقابلات مع 9 من أعضاء هيئة التدريس، لاستكشاف رؤاهم حول التحديات والفرص المستقبلية.
وأظهر الطلاب تصورًا إيجابيًا لدور الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة، ما يشير إلى أن دمج ذلك النهج في التعليم الجامعي يسهم في تعزيز بيئة تعليمية خضراء وتشجيع التفكير الابتكاري وتقوية المشاركة المجتمعية في مبادرات الاستدامة.
التفكير الأخضر والتدريب
جاء محور “التفكير الأخضر والتدريب” في المرتبة الأولى من حيث الأهمية لدى الطلاب، إذ إن قرارات “تقليل البصمة الكربونية” عبر تقليل استخدام الورق والكتب المدرسية، وتشجيع التواصل بين الأقسام عبر منصات رقمية مثل “واتساب” والاعتماد على المصادر الإلكترونية، جميعها خطوات تدعم أهداف التنمية المستدامة، كما بيّنت الدراسة أهمية تشجيع الطلاب على تطوير ابتكارات مرتبطة بالاقتصاد الأخضر، يربط بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل المستقبلية.
بيئة تعليمية خضراء
وأشار طلاب عينة الدراسة، إلى أن “البيئة التعليمية الخضراء” المدعومة بمساحات خضراء واسعة وسياسات لفرز النفايات واستخدام مصابيح موفرة للطاقة، تعزز التكامل بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، لتطوير منتجات صديقة للبيئة.
كما أن “التواصل المجتمعي الأخضر” من خلال تنظيم ندوات توعوية والمشاركة في الفعاليات البيئية وتعزيز تبني مصادر الطاقة المتجددة، إنما تهدف إلى نشر الوعي البيئي وتشجيع تبادل الخبرات بين الطلاب.
توصيات لمستقبل أخضر
وحسب الدراسة، سلطت مقابلات أعضاء هيئة التدريس، الضوء على ضرورة وضع سياسات جديدة لتسريع وتيرة التحول، إذ شددوا على أهمية مواءمة أهداف التعليم الجامعي مع متطلبات سوق العمل الأخضر، وتوفير حوافز مالية ومعنوية لأعضاء هيئة التدريس لدمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في مقرراتهم.
من جانبها، قالت الدكتورة نجوى جمال الدين، أستاذ أصول التربية المتفرغ بكلية الدراسات العليا للتربية – جامعة القاهرة، لـ”البورصة”، إن تطوير المناهج الدراسية، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، يوفّر المعرفة اللازمة بتقنيات التعديل والابتكار الأخضر، كما أن إعادة تشكيل النظم التعليمية الحالية لتحويلها إلى نظم خضراء، سيعزز الانسجام بين المجتمع والبيئة، بدلًا من التركيز على استغلال الموارد الطبيعية.
وأشارت إلى ضرورة دمج التكنولوجيا الخضراء (الآمنة بيئيًا) في المناهج النظرية والتطبيقية، بهدف تخفيض التكاليف البيئية والحد من خسائر الإنتاج وكثافة استخدام الطاقة، فضلًا عن ضرورة التنسيق بين مطوري سياسات البيئة وإدارة التحول الاقتصادي ومطوري مهارات التدريب، لضمان تحقيق تنمية مهنية مستدامة.
المعناوي: يجب استحداث تخصصات جديدة في برامج الدراسات العليا
وأوصى الدكتور سمير المعناوي، مدرس أصول التربية بكلية التربية – جامعة الأزهر، بضرورة إدراج مفاهيم وقضايا الاقتصاد الأخضر بشكل منهجي في المناهج الدراسية، لضمان بناء وعي بيئي واقتصادي لدى الطلاب منذ مراحل التعليم المبكرة، إضافة إلى تطوير برامج إنماء مهني متخصصة للمعلمين، تركز على تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لتدريس موضوعات الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.
وأضاف لـ”البورصة”، أن تبنّي نهج “المدرسة الشاملة” للتربية من أجل التنمية المستدامة، يدمج قضايا البيئة والاقتصاد في جميع جوانب العملية التعليمية، مع ضرورة استحداث تخصصات جديدة في برامج الدراسات العليا، تركز على قضايا الاقتصاد الأخضر والاستدامة.
فراج: الاقتصاد الأخضر يضمن مستقبلا آمنا للأجيال القادمة
وقال الدكتور أسامة فراج، الأستاذ بكلية الدراسات العليا للتربية – جامعة القاهرة، إن التغيرات المناخية، رغم كونها ظاهرة عالمية، إلا أن تأثيراتها تختلف بشكل كبير من مكان لآخر، ما يستدعي تكاتف جميع الجهود على المستويين الدولي والمحلي.
وأوضح أن نشأة مفهوم “الاقتصاد الأخضر” والعوامل التي دفعت الدول إلى تبنيه، لا يقتصر على مجرد الحفاظ على البيئة، بل يمتد ليشمل إعادة تشكيل وتصويب الأنشطة الاقتصادية القائمة لتكون أكثر استدامة، مشيرًا إلى دور الاقتصاد الأخضر في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، فذلك النموذج هو السبيل لضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.
أضاف أن التعليم يمثل حجر الزاوية في إعداد قوة بشرية مؤهلة ومدربة قادرة على قيادة دفة التنمية، مبينًا أن حالات الفقر المنتشرة في العالم لا ترجع فقط إلى نقص الموارد المالية، بل تعكس في جوهرها نقصًا في الوعي الحضاري والثقافي، ما يؤكد على الدور الحيوي الذي يلعبه التعليم، في بناء مستقبل مستدام.








