تُعد البطاريات جزءاً أساسياً من الحياة اليومية والاقتصادات، فهي موجودة في كل شيء بدءاً من الهواتف والساعات وصولاً إلى السيارات والمصانع.
من المتوقع أن يتعاظم دورها أكثر، خصوصاً في قطاع الطاقة، مع انخفاض التكاليف وارتفاع الطلب.
غير أن سلاسل التوريد العالمية للبطاريات تُظهر اعتماداً مقلقاً على دولة واحدة فقط، وهي الصين.
فقد أثبت التاريخ أن الاعتماد على مورد واحد لمصدر طاقة أو تكنولوجيا رئيسية ينطوي على مخاطر جسيمة، كما اكتشفت أوروبا عندما تكبدت خسائر فادحة نتيجة اعتمادها على روسيا في إمدادات الغاز عام 2022.
أبرزت القيود التصديرية التي أعلنتها بكين في وقت سابق من شهر أكتوبر كيف يمكن أن تحول هذا الاعتماد إلى نقطة ضعف كبيرة لقطاعات مثل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وشبكات الكهرباء والتقنيات الدفاعية والتصنيع عالي التقنية.
يأتي معظم الطلب العالمي على بطاريات الليثيوم أيون من السيارات الكهربائية، غير أن جزءاً كبيراً آخر يُخصص لتخزين الكهرباء في قطاع الطاقة، بحسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
130 جيجاوات من تخزين البطاريات تتجاوز أعلى إضافة سنوية لطاقة الغاز عالمياً
ويُتوقع أن يُضاف هذا العام نحو 130 جيجاوات من سعة تخزين البطاريات إلى أنظمة الكهرباء حول العالم، وهو رقم يفوق بكثير أعلى كمية طاقة غاز طبيعي أُضيفت في عامٍ واحد.
كما تُستخدم البطاريات في التقنيات الدفاعية مثل الطائرات المُسيرة والأقمار الصناعية، وفي مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي لضمان إمدادات كهرباء غير منقطعة، وكذلك في الروبوتات المعززة بالذكاء الاصطناعي المستخدمة في قطاعات اللوجستيات والتصنيع، وهي تتحول بسرعة إلى واحدة من أهم تقنيات القرن الحادي والعشرين.
يُغذي صعودها السريع عاملان رئيسيان، وهما انخفاض التكاليف وتوسع استخدام الكهرباء.
فمنذ عام 2010 وحتى اليوم، تراجعت أسعار البطاريات بأكثر من 90%، فيما تجاوز نمو الطلب على الكهرباء معدلات نمو الطلب على الطاقة الإجمالية.
وفي ظل تزايد أهميتها، بات التركيز موجهاً أكثر نحو التصنيع العالمي وسلاسل الإمداد.
وتؤكد القاعدة الذهبية الأولى لوكالة الطاقة الدولية في أمن الطاقة على ضرورة التنويع.
الصين تسيطر على سلسلة تصنيع البطاريات عالمياً من السيارات الكهربائية إلى التخزين
غير أن الصين تهيمن على جميع مراحل سلسلة القيمة في تصنيع البطاريات المستخدمة في معظم السيارات الكهربائية ومنشآت تخزين الطاقة حول العالم.
كانت الصين من أوائل الدول التي تبنت تقنيات البطاريات، لكنها لم تكن الوحيدة.
ففي عام 2018، كانت تقنيات تصنيع البطاريات في الولايات المتحدة والصين على مستوى متقارب، بحسب تحليل لوكالة الطاقة الدولية.
كما كانت اليابان وكوريا الجنوبية منافستين أيضاً، بينما كانت أوروبا متأخرة نسبياً، لكن منذ ذلك الحين، وسعت الصناعة الصينية مكانتها بشكل هائل.
فبحلول عام 2024، بلغ عدد البطاريات المُنتجة في الصين أكثر من ستة أضعاف تلك المُنتجة في الولايات المتحدة، وتجاوزت الطاقة التصنيعية في منطقة شنغهاي وحدها الطاقة الإجمالية للقارة الأوروبية بأكملها.
اتخذت الصين قرارات واستثمارات استراتيجية خلال العقد الماضي مكنتها من التقدم السريع، فحجم صناعتها الضخم يمنحها اليوم ميزة وفورات الحجم الهائلة.
كما أصبحت الشركات الصينية المحرك الرئيسي للابتكار في صناعة البطاريات، سواء من حيث تطوير التركيبات الكيميائية الجديدة أو تحسين عمليات التصنيع.
تُظهر تحليلات جديدة لوكالة الطاقة الدولية أنّ جميع البطاريات تقريباً المستخدمة في شبكات الكهرباء تعتمد على الصين.
كما تمتد هيمنة الصين على سلاسل توريد البطاريات لتشمل المعادن الأساسية الداخلة في صناعتها.
هذا التركز المرتفع في الإنتاج ينطوي على مخاطر كبيرة، ومع كون البطاريات عنصراً حيوياً في طيف واسع من القطاعات، فإن هذه المخاطر تتجاوز نطاق الطاقة وحدها.
هناك فجوة واضحة بين حاجة العديد من الدول المتزايدة إلى البطاريات وقدرتها المحدودة على تأمين سلاسل إمداد متنوعة.
لتحقيق هذا الهدف، تحتاج الدول إلى التعاون من أجل تنويع جميع مراحل سلسلة التوريد وتعزيز الابتكار، بما في ذلك العمل مع شركات تمتلك خبرة عميقة في مجال البطاريات لتأسيس الصناعة في مناطق جديدة وبناء القدرات المحلية.
وهذا التحدي لا يقتصر على صناعة واحدة، بل هو قضية تمس الأمنين الاقتصادي والوطني على حد سواء.








