التجارة الإلكترونية المعززة بالذكاء الاصطناعي تفتح أسواقاً جديدة أمام الشركات الصغيرة
أصبح الحماس الكبير تجاه الذكاء الاصطناعي لافتاً للانتباه، فالجميع تقريباً، من أكاديميين وصُناع سياسات ورواد أعمال، مقتنعون بأن هذه التكنولوجيا ستساعد في حل تحدياتٍ معقدة، بدءاً من تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على الموارد الطبيعية وصولاً إلى توسيع الوصول إلى الخدمات الحيوية، خصوصاً للفئات السكانية البعيدة.
كان البعض يتوقع أن يكون انتشار المعرفة بالذكاء الاصطناعي أبطأ، لكن ربما لا ينبغي أن يكون هذا التفاؤل مفاجئاً، فالتطور السريع لهذه التكنولوجيا يحمل فرصاً مهمة للاقتصادات الناشئة.
أظهر أحدث تقرير للتنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، أن شعوب الاقتصادات الناشئة لا تدرك هذه الفرص فحسب، بل تبدي تفاؤلاً أكبر حيال التكنولوجيا، مقارنة بنظيراتها في الاقتصادات المتقدمة.
ففي الاقتصادات المتقدمة، تميل النقاشات حول الذكاء الاصطناعي إلى التركيز سريعاً على المخاوف من الأتمتة المفرطة وفقدان الوظائف واضطراب سوق العمل.
أما شعوب الاقتصادات الناشئة، فرغم قلقها من موجة الأتمتة، فإنها تتوقع في الوقت ذاته تعزيز التعاون بين الإنسان والآلة بدلاً من استبداله بالكامل، بحسب موقع “بروجكت سنديكيت”.
ربما يميل البعض إلى التحذير من خطر “الفجوة الرقمية في الذكاء الاصطناعي”، حيث تستفيد الدول ذات الدخل المرتفع بشكلٍ غير متناسب من التكنولوجيا، بينما تتخلف الدول منخفضة ومتوسطة الدخل أكثر فأكثر.
لكن هذه المخاوف تركز على جانبٍ واحد من ثورة الذكاء الاصطناعي، ألا وهو تطوير مجموعةٍ متزايدة من الأدوات القوية التي تُستخدم لتعزيز الاكتشاف العلمي وزيادة الإنتاجية وتوليد منتجاتٍ وخدمات جديدة أو أتمتة المهام المعقدة (عبر الوكلاء الذكيين) التي تتضمن التخطيط والترتيب والتكامل بين الخطوات.
ونظراً لأن عدداً قليلاً من الدول فقط يمكنه تلبية متطلبات هذا المجال من حيث الحجم والاستثمار والبنية التحتية، فإن مثل هذه الأنشطة تتركز حالياً في الولايات المتحدة والصين.
لكن بناء النماذج ليس المجال الوحيد في المشهد، فثورة الذكاء الاصطناعي تتضمن أيضاً استجواب النماذج القائمة وتكييفها وضبطها ونشرها لحل مشكلاتٍ خاصة بالسياقات المحلية وتسريع عملية التعلم.
تعد تكاليف هذه الأنشطة أقل بكثير، ومع توسع النماذج مفتوحة المصدر، التي طور الكثير منها في الصين، ستستمر التكاليف في الانخفاض، ما يفتح المجال واسعاً أمام الابتكار في طيفٍ واسع من الدول.
ورغم أن هذا الجانب من الثورة أكثر إتاحةً، إلا أنه يتطلب بعض البنية التحتية الأساسية، خصوصاً توفر الكهرباء بشكلٍ مستقر واتصالاً بالإنترنت عبر الهواتف المحمولة.
فالوصول هو الأساس، حيث تحتاج إلى إنترنت سريع وباقات بيانات ميسرة، ليس فقط لضمان الاستفادة من التطبيقات، بل أيضاً لتوليد البيانات التي تغذي أبرز حالات استخدام الذكاء الاصطناعي.
لتحقيق أثر ملموس، يجب أن تكون هذه البيانات قابلة للنقل والمشاركة، لذا تُعد الأطر التنظيمية المصممة جيداً، التي تسمح بحركة البيانات بشكلٍ آمن (وفق إذن أو تحكم الأفراد)، ضرورية أيضاً.
ويُعد النظام الهندي “واجهة المدفوعات الموحدة” نموذجاً يُحتذى به، إذ يسهل عمليات الدفع الآمنة وتبادل البيانات المالية.
بمجرد توافر هذه الشروط، وهي موجودة بالفعل في العديد من الاقتصادات الناشئة، تصبح الإمكانات أمام تطبيق الحلول الرقمية والمعززة بالذكاء الاصطناعي شبه غير محدودة، بدءاً من الخدمات المالية الموجهة للأفراد والشركات الذين لم تكن لديهم إمكانية للوصول إليها من قبل.
الأشخاص التى لها أصول محدودة والسجلات المالية أو التجارية شبه المنعدمة، بل وحتى الوثائق الرسمية المحدودة أحياناً، يجدون أن الحصول على التمويل عبر القنوات التقليدية مكلف جداً أو مستحيل عملياً، لكن الأدوات الرقمية باتت الآن توفر وسيلة ميسرة لسد هذه الفجوات المعلوماتية.
ومع تحول الاقتصاد النقدي إلى أنظمة المدفوعات الرقمية، وامتلاك الأسر والشركات الصغيرة لحساباتٍ مصرفية ومحافظ إلكترونية، فإن تراكم البيانات، إذا أُدير بشكلٍ جيد، سيحل مشكلة غياب الهوية المالية.
يمكن لتقنيات تقييم الجدارة الائتمانية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي أن تشكل قاعدةً لأنظمة تمويلٍ صغيرة مستدامة وقابلة للتوسع ومربحة، مما يمكن الشركات من النمو وتوظيف المزيد من الأشخاص.
في الوقت ذاته، توفر منصات التجارة الإلكترونية للشركات الصغيرة إمكانية الوصول إلى أسواقٍ أوسع وأكثر استهدافاً بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مما يدعم مزيداً من النمو والحيوية وربما الابتكار أيضاً.
هذه الفرص لا تقتصر على التمويل والتجارة فقط، ففي مجالي الرعاية الصحية والتعليم، تُستخدم التطبيقات الرقمية، التي يغذي الكثير منها الذكاء الاصطناعي، لتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات، خصوصاً لأولئك الذين يعيشون بعيداً عن المناطق ذات الكثافة العالية من المؤسسات.
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يدعم تسريع اكتساب المعرفة والمهارات، أي رأس المال البشري، عبر أدواتٍ مثل المساعدين الرقميين للتعلم، فتحسين رأس المال البشري المستمر يمثل عنصراً رئيسياً في كل قصص التنمية الناجحة.
ليس بإمكان الجميع الوصول إلى صف دراسي أو معلم، لكن مع توفر البنية التحتية المناسبة، يمكن لأي شخص أن يتحدث إلى نموذج توليدي للذكاء الاصطناعي بدرجةٍ ما، كماً هائلاً من الأدبيات الرقمية في كل مجالٍ ولغة، وهذا سيكون له تأثير مباشر على الإنتاجية والنمو والتنمية.
علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي في بعض أماكن العمل أن يقلص مدة التدريب ويرفع إنتاجية العاملين.
فعلى سبيل المثال، في خدمات العملاء، يمكن للمساعدين الذكيين تقديم إرشاداتٍ مخصصة قائمة على الخبرات المتراكمة للموظفين الجدد، مما يسرع عملية التعلم ويساعدهم على تقديم دعمٍ أفضل منذ المراحل الأولى.
ويمكن تحقيق هذا الأثر في مجموعةٍ واسعة من الوظائف والقطاعات، من التمريض إلى تطوير البرمجيات.
قد لا تقود الاقتصادات الناشئة الطريق في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي، لكنها تستطيع استخدام هذه التكنولوجيا لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، لحسن الحظ، فهي تدرك ذلك جيداً، بل وتنوي المضي في هذا الاتجاه بالفعل.








