متى تتحول مصر إلى مركز إقليمى لتجفيف الخضراوات والفاكهة؟

مع تزايد الاهتمام العالمى بالأغذية الصحية والمستدامة، برزت صناعة تجفيف الخضراوات والفاكهة كفرصة واعدة لتعظيم القيمة المضافة من الإنتاج الزراعى المصري، وتقليل الفاقد الموسمى الذى يصل إلى 40% من المحاصيل.

ورغم أن مصر تحتل مراكز متقدمة عالمياً فى إنتاج وتصدير الخضراوات والفاكهة، فإن هذا القطاع لا يزال فى مراحله الأولى، ويحتاج إلى دعم حكومى واستثمارى لتطوير البنية التحتية وتعزيز ثقافة التجفيف بين المزارعين والمستهلكين على حد سواء.

ومع وجود فرص تصديرية متزايدة، تتجه الأنظار نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمى لتجفيف المنتجات الزراعية، ما قد يضيف عوائد اقتصادية كبيرة ويسهم فى استقرار الأسواق المحلية.

وتقدر قيمة سوق الخضراوات المجففة عالمياً بنحو 88.2 مليار دولار فى 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى 192.2 مليار دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوى 8.1%، بحسب Future Market Insights، الشركة العالمية الرائدة فى تقديم خدمات أبحاث السوق والاستشارات الإدارية.

أما على صعيد الفاكهة المجففة فيتوقع تقرير صادر عن Data Bridge Market Research، الرائدة فى تقديم خدمات أبحاث السوق والاستشارات الإدارية، أن يسجل القطاع معدل نمو سنوى 5.25% حتى عام 2028، مدفوعاً بزيادة الوعى الصحى وتغيير تفضيلات المستهلكين نحو الأغذية الطبيعية.

«المعاون»: الحصول على خامات بالمواصفات المطلوبة للتصدير.. «صعب»

قال إسلام المعاون، الشريك المؤسس «بمصنع درايد فودز» لتجفيف الخضراوات والفاكهة، إن فكرة التجفيف ليست جديدة كما يعتقد البعض، فهى موجودة منذ سنوات طويلة فى منتجات مثل البهارات وغيرها، لكن الاتجاه الحالى يركز على الخضراوات والفاكهة المجففة التى يمكن توافرها فى غير مواسمها الطبيعية مثل المانجو المجففة وغيرها من الخضراوات والفاكهة.

وأضاف لـ«البورصة» أن الطلب المحلى ما زال ضعيفاً نسبياً نتيجة ارتفاع الأسعار وقلة الوعى لدى المستهلكين، مشيراً إلى أن الكيلو الواحد من المانجو المجففة ينتج من نحو 12 كيلو من المانجو الطازجة، ما يفسر ارتفاع سعره فى الأسواق.

وأوضح المعاون أن المصنع يصدر حالياً إلى أوروبا، فى حين أن أغلب أعمال المصنع تعتمد على البيع للمصانع الأخرى أو التصدير، مشيراً إلى أن أبرز التحديات التى تواجه مصانع التجفيف فى مصر تتمثل فى ضعف الوعى بطبيعة المنتجات المجففة وصعوبة الحصول على خامات زراعية بالمواصفات المطلوبة للتصدير، ما يدفع بعض المصانع إلى التعاون المباشر مع المزارع لتأمين الإنتاج بالمواصفات المطلوبة.

ولفت إلى أن المصنع يركز على تجفيف المانجو، والفراولة، والكنتالوب، والبطيخ، والطماطم، والكوسة، والبامية باستخدام تقنيتى التجفيف الحرارى والتجفيف بالتبريد، مشدداً على أهمية الحفاظ على جودة المنتج دون إضافة مواد حافظة للحفاظ على قيمته الغذائية.

وأكد المعاون أن قياس الطاقة الإنتاجية فى هذا القطاع لا يحسب بالأطنان بل بالمتر المربع لمساحات التجفيف، نظراً إلى اختلاف نسب الرطوبة والمواصفات المطلوبة من منتج لآخر، موضحاً أن السوق المصري ما زال فى بدايته مقارنة بالدول الأخرى المتقدمة فى صناعة التجفيف.

ووفقاً لتقرير صادر عن الإدارة المركزية للحجر الزراعى بوزارة الزراعة، تحتل مصر مراكز متقدمة عالمياً فى إنتاج وتصدير المحاصيل الزراعية، إذ بلغ إجمالى الصادرات 7.5 مليون طن منذ بداية العام الحالى حتى أكتوبر.

«طلعت»: منتجات سوريا وتايلاند والهند تتفوق فى الأسعار لانخفاض تكلفة الطاقة

وقالت نسرين طلعت، رئيس مجلس إدارة شركة «نسرينا فود» لتجفيف الخضراوات والفاكهة، إن الشركة تعمل فى تجفيف الفاكهة والخضراوات حسب طلبات العملاء إذ تنتج نحو 15 طناً من المنتجات المجففة أسبوعياً من مختلف الأصناف.

وأضافت لـ«البورصة» أن الحاوية الكبيرة تستوعب نحو 20 طناً من المنتج المجفف الذى يتم استخراجه من حوالى 200 طن من المحاصيل الطازجة، مشيرة إلى أن أكثر المنتجات طلباً فى السوق المحلى حالياً هى المانجو والفراولة والبرتقال والليمون.

وأوضحت «طلعت» أن الشركة تمتلك مصنعاً مقاماً على مساحة 5 أفدنة، ويعتمد فى إنتاجه على طريقتى التجفيف الحرارى والتجفيف الشمسي، فيما تخطط حالياً للتوسع بإدخال تقنية التجفيف بالتبريد، مضيفة أن الشركة تتعاون مع عدد من الشركات المصرية التى تقوم بتصدير منتجاتها إلى الخارج.

كما تستعد حالياً للتصدير المباشر بعد اعتماد عينات من منتجاتها فى تركيا والإمارات تمهيداً لبدء التصدير خلال الفترة المقبلة.

وأشارت إلى أن أبرز التحديات التى تواجه الصناعة تتمثل فى المنافسة القوية من منتجات سوريا وتايلاند والهند، التى تتفوق فى الأسعار نتيجة انخفاض تكلفة الطاقة لديها، بينما ترتفع فى مصر تكلفة الإنتاج بسبب الاعتماد على الكهرباء أو السولار فى عمليات التجفيف الحراري.

لكن مصر تمتلك ميزة واضحة فى طعم وجودة منتجاتها الزراعية بفضل المناخ، إذ تتميز بنكهات أقوى وأغنى من مثيلاتها فى الدول الأخرى.

ولفتت إلى أن تطوير الصناعة يتطلب دعماً حكومياً لإنشاء وحدات تجفيف صغيرة داخل المزارع لتقليل الخسائر فى المحاصيل الموسمية، ونشر ثقافة التجفيف بين المزارعين من خلال مراكز الإرشاد الزراعى، موضحة أن تكلفة تجفيف الطن حرارياً تبلغ نحو 5 آلاف جنيه، فى حين تصل تكلفة تخزينه مجمداً إلى نحو 7 آلاف جنيه شهرياً كإيجار للتخزين بالتبريد، ما يجعل التجفيف خياراً أكثر جدوى اقتصاديًا.

«إسماعيل»: ارتفاع نسب متبقيات المبيدات يحد من فرص التصدير

وقال عبدالمعاطى إسماعيل، مدير شركة «فرست داي» لتجفيف الخضراوات والفاكهة، إن الشركة تعمل على تجفيف مختلف أنواع الخضراوات والفواكه بالحرارة وتحويلها إلى شرائح أو بودرة حسب احتياجات العملاء، مشيراً إلى أن الإنتاج يختلف باختلاف الموسم ونوعية الطلبيات، إذ تتراوح الكميات السنوية لبعض الأصناف بين 5 و10 أطنان.

وأضاف إسماعيل أن شركته تجفف أكثر من 10 منتجات من بينها الفراولة، والبرتقال، والليمون، والجوافة، والبطاطس، والجزر، موضحاً أن الطلب المحلى يتركز على البصل والثوم والطماطم والبابريكا، بينما تحظى المانجو والبرتقال والفراولة بإقبال كبير بين منتجات الفاكهة.

وأضاف أن الشركة لم تصدر بعد، لكنها تلقت بالفعل عروضاً من بولندا والسعودية، وتستهدف بدء التصدير خلال الربع الأول من العام المقبل بعد الانتهاء من الإجراءات.وأشار إلى أن أبرز التحديات التى تواجه الصناعة تتمثل فى ارتفاع نسب متبقيات المبيدات فى المحاصيل الزراعية، ما يحد من فرص التصدير، نظراً لاشتراط الأسواق الخارجية أن تكون الفاكهة والخضراوات المجففة طبيعية وخالية من المتبقيات.

وأوضح إسماعيل أن تكلفة إنتاج الطن المجفف تختلف من محصول لآخر، إذ ينتج طن البرتقال الطازج ما بين 100 و120 كيلو جراماً من المنتج المجفف، بينما يعطى طن الجوافة نحو 80 كيلو جراماً فقط، لافتاً إلى أن أسعار الفاكهة الطازجة فى الموسم تؤثر بشكل مباشر فى تكلفة المنتج المجفف وسعره النهائي.

«عزت»: مصنع «جرين بانترى» تلقى طلبات تصدير إلى تركيا وأسواق أفريقية

وقالت سمية عزت، مهندسة الإنتاج بمصنع «جرين بانتري» لتجفيف الخضراوات والفاكهة، إن المصنع يعتمد بالكامل على خامات محلية من مزارع مصرية، دون أى استيراد، مضيفة أن المصنع يستعد لإدخال منتج جديد خلال الفترة المقبلة وهو «الدراجون فروت»، بعد أن بدأت بعض المزارع المصرية فى إنتاجه.

وأضافت لـ«البورصة» أن أكثر المنتجات المطلوبة محلياً هى المانجو والفراولة المجففة، بينما لا يزال وعى المستهلك محدوداً تجاه استخدام الخضراوات والفاكهة المجففة، رغم فوائدها الغذائية وسهولة تخزينها لفترات طويلة.

وأوضحت «عزت» أن المصنع يستخدم تقنية التجفيف الحرارى فى جميع عملياته، وتلقى طلبات تصدير إلى تركيا وعدد من الأسواق الأفريقية، لكنه يواجه عقبات روتينية تتعلق بإجراءات التصدير.

ولفتت إلى أن المنتجات المجففة تلقى رواجاً متزايداً فى الأسواق الخارجية، بينما لا تزال جديدة نسبياً فى السوق المصرى، ما دفع المصنع إلى المشاركة فى معارض وبازارات لزيادة وعى الجمهور بهذا النوع من المنتجات.

أكدت «عزت» أن ضعف جودة المعدات المحلية يمثل أحد أبرز التحديات التى تواجه المصنع، موضحة أنها ستضطر إلى استيراد ماكينات التقطيع والطحن من ألمانيا وتركيا بعد فشل التجارب المحلية فى تحقيق الجودة المطلوبة.

وتابعت أن مستقبل صناعة التجفيف فى مصر واعد، لكنه يحتاج إلى دعم أكبر وتحفيز للاستثمار فى التجفيف الحرارى الذى يحقق إنتاجاً ضخمًا، مشددة على أن الاعتماد على التجفيف بالتبريد الذى ظهر «ترند» لا يعبر عن جوهر الصناعة.

وتابعت: «رغم الإمكانات الزراعية الكبيرة لمصر، فإنها حتى الآن ليست على خريطة الدول المتخصصة فى التجفيف مثل الهند وتركيا»، مطالبة بدعم وتوجيه لوضع اسم مصر فى هذه الصناعة عالميًا.

«عبدالمقصود»: «جولدن لاين» تقترب من تشغيل مصنعها الجديد فى الإسكندرية

وقال أحمد عبدالمقصود، صاحب شركة «جولدن لاين» المتخصصة فى تصنيع خطوط إنتاج تجفيف الخضراوات والفاكهة، إن شركته تنتج معدات التجفيف بنظامى التبريد والهجين الديناميكي، إذ يجمع النظام الأخير بين مزايا الطريقتين للحفاظ على القيمة الغذائية واللون الطبيعى للمنتج.

وأضاف أن هدفه هو إتاحة الخضراوات والفاكهة المجففة الصحية بأسعار فى متناول الجميع، من خلال خفض تكاليف الإنتاج دون المساس بجودة المنتج أو قيمته الغذائية، مؤكداً أن شركته أنشأت خلال الفترة الماضية عدة مصانع للتجفيف فى مدن السادات وأكتوبر وبدر، بجانب مشاريع منزلية صغيرة.

وكشف عبدالمقصود عن قرب تشغيل مصنعه الجديد فى الإسكندرية، والمتخصص فى تجفيف مختلف أنواع الخضراوات والفاكهة، مضيفاً أن المصنع مزود بمعدات قادرة على تجفيف نحو 500 كيلوجرام خلال 3 ساعات فقط، بفضل تطوير تكنولوجى أسهم فى تقليص زمن التجفيف من 12 ساعة إلى 3 ساعات مع الحفاظ على الجودة.

وأوضح أن توطين صناعة التجفيف سيسهم فى خفض الفاقد الزراعى الذى يقدر بنحو 40% من الإنتاج المحلي، ويحقق عائداً كبيراً للاقتصاد المصري، إلى جانب خلق فرص تصديرية مستقبلية، مؤكداً أن المرحلة الحالية تركز على سد احتياجات السوق المحلى قبل التوسع فى الأسواق الخارجية.

«الضوى»: التمور تتصدر قائمة الفاكهة المجففة بإجمالى صادرات 100 مليون دولار

قال تميم الضوي، نائب المدير التنفيذى للمجلس التصديرى للصناعات الغذائية، إن التمور تتصدر قائمة الفاكهة المجففة التى تصدرها مصر حالياً بإجمالى صادرات بلغ نحو 100 مليون دولار خلال العام الماضي، موضحاً أن صادرات الفاكهة المجففة الأخرى مثل المشمش والمانجو ما زالت محدودة، فى حين تتميز مصر بتصدير كميات كبيرة من الخضراوات المجففة على رأسها البصل والثوم.

وأضاف لـ«البورصة» أن ارتفاع الطلب المحلى على بعض الفاكهة مثل المانجو يقلل من فرص تصديرها مجففة، نظراً إلى ارتفاع أسعارها فى السوق المصري وزيادة الإقبال عليها طازجة.

وأشار الضوى إلى أن المغرب يستحوذ على نحو 50% من صادرات مصر من الفاكهة المجففة وعلى رأسها التمور، تليه إندونيسيا وماليزيا بنسبة إجمالية تصل إلى 90% من الصادرات، فيما تستورد تركيا كميات كبيرة من الفاكهة المجففة لإعادة تصديرها إلى أوروبا.

وأوضح أن الاستثمارات الجديدة فى القطاع تتجه حالياً نحو التجفيف بالتبريد، خاصة فى الفراولة التى تعد مصر أكبر منتج ومصدر لها عالميًا، مضيفاً أن إنتاج كيلو واحد من الفراولة المجففة يحتاج إلى نحو 10 كيلوجرامات من الفراولة الطازجة.

ولفت الضوى إلى أن مصر تحتل المركز الثالث عالمياً فى تصدير البصل المجفف، مشيراً إلى أن المجلس التصديرى يستهدف زيادة صادرات الخضراوات والفاكهة المجففة بنسبة تتراوح بين 10 و12% خلال العام الحالى، على أن ترتفع إلى نحو 15% العام المقبل.

«نجيب»: التوسع فى التجفيف يمثل طفرة فى السوق المصرى

وقال حاتم نجيب، نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة، إن التوسع فى تجفيف أنواع جديدة من الخضراوات والفاكهة مثل الكوسة، والبامية، والجزر، والمانجو، والفراولة، يمثل طفرة فى السوق المصري، نظراً إلى ما تضيفه هذه الصناعات من قيمة مضافة عالية للمنتج الزراعي.

وأضاف أن عمليات التجفيف والتجميد تسهم فى تحقيق الاتزان داخل السوق المحلى، إذ تتيح توافر المنتجات على مدار العام، ما يضمن استقرار الأسعار وتقليل الفاقد الناتج عن انتهاء العروات.

وأوضح أن الاتجاه نحو تجفيف الفاكهة مثل الخوخ، والمشمش، والتفاح، إلى جانب الخضراوات مثل الكوسة والبامية، يعد مجالاً واعداً ما زال فى بداياته، مؤكداً أهمية إنشاء مصانع التجفيف داخل المحافظات الزراعية مثل الإسماعيلية المتخصصة فى زراعة المانجو لتقليل الفاقد الزراعى وتمكين الفلاح من تسويق محصوله بطرق تحقق له عائداً اقتصادياً أفضل.

«أبوصدام»: مصر تمتلك مقومات كبيرة والتجفيف يحل مشاكل الفاقد

وأكد حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن مصر تمتلك مقومات قوية فى مجال تجفيف المحاصيل الزراعية، موضحاً أن من أبرز المنتجات التى يمكن تجفيفها العنب والطماطم والبصل والثوم والبطاطس، لما تضيف هذه العملية من قيمة مضافة مرتفعة مقارنة ببيع المنتج فى صورته الخام.

وأضاف أن الاتجاه الحالى نحو تجفيف محاصيل مثل المانجو والفراولة والكوسة والبامية يعد خطوة مبتكرة تسهم فى تعظيم العائد الاقتصادي، متابعاً أن هذا النوع من الصناعات يتماشى مع توجيهات الدولة بضرورة تصنيع المنتجات الزراعية بدلاً من تصديرها خام.

وأشار إلى أن التجفيف يعد حلاً مثالياً لتقليل الفاقد من المحاصيل والحفاظ على المنتج طوال العام، متوقعاً أن يشهد هذا المجال انتشاراً واسعاً فى السنوات المقبلة مع دخول منتجات جديدة إلى سوق التجفيف.