يشهد سوق الهواتف المحمولة فى مصر تحولاً جذرياً منذ بدء تطبيق قرار فرض الرسوم الجمركية على الأجهزة المستوردة مطلع العام الحالي، فى خطوة وُصفت بأنها نقطة فاصلة فى مسار الصناعة المحلية، إذ أعادت رسم خريطة السوق بالكامل، ودفعت المستهلكين نحو تفضيل الهواتف المنتجة محلياً على حساب المستوردة التى كانت تهيمن لسنوات طويلة على المبيعات.
القرار الذى جاء فى إطار سعى الدولة لتشجيع التصنيع المحلى وتقليص فاتورة الاستيراد، انعكس بشكل فورى على الأسعار وحركة المبيعات، وخلق حالة من الارتباك بين التجار والموزعين والمستهلكين، بعد الارتفاع الكبير فى أسعار الأجهزة المستوردة وتراجع الإقبال عليها بصورة غير مسبوقة.
«مصطفى»: 50% تراجعاً فى المبيعات والمستهلك يتجه نحو الهواتف المحلية
قال أحمد مصطفى، رئيس شعبة مراكز الاتصالات وتجارة الهواتف المحمولة بالغرفة التجارية بالإسكندرية، إن السوق شهد تراجعاً حاداً فى المبيعات تجاوز 50% منذ بدء تطبيق القرار، مشيراً إلى أن تأثير الرسوم الجمركية كان مباشراً وواضحاً على حركة البيع والشراء.
وأضاف أن المستهلك أصبح أكثر حرصاً فى قرارات الشراء، ويميل إلى اقتناء الهواتف المنتجة أو المجمعة محليًا، باعتبارها أقل تأثراً بالزيادات الجمركية وأكثر ضماناً من حيث خدمات ما بعد البيع.
وأشار “مصطفى” إلى أن العلامات التجارية العالمية، وعلى رأسها «أبل»، كانت الأكثر تضرراً من القرار، إذ ارتفعت أسعار هواتفها بنسبة تقارب 15% نتيجة زيادة تكاليف الاستيراد، ما أدى إلى انكماش الطلب عليها بصورة واضحة، لافتاً إلى أن الأجهزة المهربة أو المستوردة بطرق غير رسمية شهدت ارتفاعاً أكبر، نتيجة اضطراب السوق ومحاولة بعض التجار تعويض فروق الأسعار.
«محمود»: أسعار الهواتف قفزت من 5 ـ 8 آلاف جنيه بسبب الضرائب الجديدة
وقال علاء محمود، نائب رئيس شعبة الاتصالات وتجارة الهواتف المحمولة، إن تطبيق الرسوم الجمركية منذ بداية يناير الماضي، وبأثر رجعى على الأيام الأخيرة من العام السابق، تسبب فى تراجع حاد بالمبيعات تراوح بين 40 و50%.
وأضاف أن القرار أحدث ارتباكاً كبيراً فى السوق، إذ قفزت أسعار الهواتف بنسبة تتراوح بين 30 و60% فى بعض الطرازات، موضحاً أن الهاتف الذى كان يُباع بخمسة آلاف جنيه أصبح سعره اليوم بين 7 و8 آلاف جنيه.
وأوضح “محمود” أن استيراد الهواتف من الخارج أصبح غير مجدٍ بعد القرار، إذ أصبحت الأسعار تقترب من الأسعار التى يحددها الوكيل المحلي، لكن دون ضمان أو خدمات ما بعد البيع. وضرب مثالاً بهاتف «سامسونج S25 ألترا» الذى يُباع عبر الوكيل المحلى بسعر يقارب 61 ألف جنيه، بينما يصل سعر النسخة المستوردة بالمبلغ نفسه تقريباً بعد احتساب الرسوم، ما جعل المستهلكين يفضلون الأجهزة المباعة محليًا.
وأشار إلى أن وكلاء الشركات والموزعين تأثروا أيضاً بتطبيق الرسوم الجديدة، إذ تُفرض عليهم ضريبة قيمة مضافة بنسبة 14% ورسوم مدخلات ومخرجات بنسبة 5% وضريبة عامة بنحو 2%، ما أدى إلى زيادة تكاليف التشغيل وارتفاع الأسعار.
وأكد “محمود” أن هامش الربح للتجار تقلص بصورة كبيرة، فبعدما كان التاجر يحقق ربحاً يتراوح بين 500 و1000 جنيه فى الجهاز الواحد، أصبح اليوم لا يتجاوز 40 جنيهاً، وهو ما دفع عدداً كبيراً من التجار الصغار إلى الخروج من السوق أو التحول إلى مجالات أخرى.
الهواتف المستوردة لم تعد تمثل سوى 2% من حجم السوق
وتابع: «القرار غيّر خريطة السوق بشكل كامل، إذ لم تعد الهواتف المستوردة تمثل أكثر من 2% من إجمالى السوق، بينما استحوذت الأجهزة المنتجة محلياً على الحصة الأكبر».
وأضاف أن شركات منها «سامسونج» و«أوبو» و«شاومي» بدأت تشغيل خطوط إنتاج محلية، ما منحها ميزة تنافسية فى مواجهة العلامات الأخرى التى تعتمد على الاستيراد الكامل.
وأكد “محمود” أن أسعار الهواتف ارتفعت خلال العام الحالى بنسب تتراوح بين 35 و45% فى معظم الطرازات، فالجهاز الذى كان يُباع بـ7000 جنيه أصبح سعره اليوم نحو 9500 جنيه، مع استمرار الطلب على الفئات المتوسطة التى تتراوح بين 10 و15 ألف جنيه.
كما ارتفعت أسعار قطع الغيار بنسب تصل إلى 100%، إذ وصلت أسعار بعض الشاشات إلى نصف ثمن الهاتف نفسه، نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد واحتكار بعض الوكلاء لسوق القطع الأصلية.
«سامسونج» والشركات الصينية الأقل تأثراً
وأوضح أن المنتجات المحلية أو المجمعة داخل مصر حافظت على استقرار نسبى فى الأسعار، وأصبحت الخيار الأول للمستهلكين بعد توقف الاستيراد تقريبًا، مضيفاً أن «سامسونج» كانت الأقل تأثراً بالقرار نظراً إلى وجود مصانعها المحلية وتسهيلات الإنتاج، بينما تضررت الشركات الأخرى التى تعتمد على الاستيراد الكامل.
ويرى “محمود” أن القرار، رغم آثاره السلبية على المدى القصير، إلا أنه سيعيد تنظيم السوق على المدى الطويل، مؤكداً أن التوجه نحو التصنيع المحلى أصبح أمراً واقعًا، والمرحلة المقبلة قد تشهد توسع شركات الاتصالات الكبرى فى إنشاء منافذ بيع خاصة بها لتقليل الاعتماد على التجار التقليديين، ما سيؤدى إلى إعادة هيكلة شاملة فى تجارة الهواتف بمصر.
تجار لـ«البورصة»: 25% ارتفاعاً فى الهواتف المستوردة الجديدة
وأوضح خالد الصول، عضو شعبة مراكز الاتصالات وتجارة أجهزة المحمول، أن أسعار الهواتف المستوردة ارتفعت بنحو 25% منذ بدء تطبيق القرار، بينما زادت أسعار الأجهزة المستعملة بنحو 10%، لافتاً إلى أن السوق شهدت تراجعاً فى المبيعات بنسب تراوحت بين 40 و50%.
وأضاف أن المستهلك بدأ يتجه تدريجياً نحو الهواتف المحلية بعد ارتفاع أسعار المستورد، موضحاً أن نحو 70% من العملاء باتوا يفضلون الأجهزة المنتجة محلياً بفضل أسعارها التنافسية وضمانها المحلي.
وأكد “الصول” أن المنتج المحلى أصبح منافساً قوياً فى السوق بفضل تحسن جودته واستقراره السعري، مشيراً إلى أن فرض الرسوم الجمركية أسهم فى تحقيق الهدف الأساسى للدولة بدعم الصناعة الوطنية وتقليل الاعتماد على الواردات.
وأوضح أن بعض التجار واجهوا خسائر كبيرة بسبب القرار المفاجئ، فيما اضطر آخرون إلى التوقف عن الاستيراد نهائياً بعد أن وصلت الرسوم الجمركية إلى نحو 38% من قيمة الهاتف، ما جعل الاستيراد غير مجدٍ اقتصادياً.
وأشار “الصول” إلى أن هناك حالة من الارتباك بين التجار والمستهلكين حول الجهة التى تتحمل تكلفة الضريبة الجديدة، لافتاً إلى أن العلامات التجارية المهيمنة حالياً هى «سامسونج» و«أوبو» و«شاومي» و«ريلمي»، بينما الفئة السعرية الأكثر تداولاً تتراوح بين 10 و15 ألف جنيه، وهى الفئة التى تلبى احتياجات أغلب المستهلكين.
وتابع: «السوق لم تعد تجد جدوى فى استيراد الهواتف من الخارج، إذ أصبح الفرق السعرى بين المستورد والمحلى شبه منعدم»، مشيراً إلى أن ارتفاع الأسعار جاء نتيجة الرسوم الجمركية وليس بسبب تغير فى سعر الدولار، والأسعار قد تشهد تراجعاً إذا استمر انخفاض العملة الأمريكية.
وفى ما يخص قطع الغيار، قال الصول إنها متوافرة فى السوق ولا توجد أزمة فى استيرادها، رغم ارتفاع أسعارها بنسب متفاوتة تراوحت بين 10 و30%، بحسب نوع القطعة، مؤكداً أن القرار الجمركى نجح فى تقليص عمليات التهريب ودعم المنتج المحلي، حتى وإن تسبب بخسائر مؤقتة للتجار.
وخلال جولة ميدانية فى شارع شاكور الشهير بالإسكندرية، رصدت «البورصة» آراء عدد من التجار الذين أكدوا أن السوق تمر بمرحلة ركود قاسية بعد ارتفاع الأسعار.
قال محمد ياباني، تاجر، إن أسعار الهواتف ارتفعت بين 30 و40% عقب تطبيق القرار، ما أدى إلى تراجع المبيعات بالنسبة نفسها تقريبًا، مضيفاً أن الأجهزة المستوردة اختفت فعلياً من السوق بعد أن أصبحت غير مجدية اقتصادياً.
وتحدث محمد أحمد، تاجر، لافتاً إلى أن الهواتف ذات الضمان المحلى أصبحت تمثل محور النشاط التجارى فى السوق، موضحاً أن العلامات الأكثر طلباً حالياً هى «سامسونج» و«أوبو»، وأن الفئة السعرية الأكثر تداولاً تتراوح بين 5 و15 ألف جنيه.
وأشار إلى أن التجار لم يواجهوا صعوبات فى تسوية أوضاع الأجهزة القديمة وسداد الرسوم المستحقة عليها، لكن الركود بات هو التحدى الأكبر.
وكشف عمرو أبويزيد، مدير أحد متاجر الهواتف، عن مشكلات فنية تواجه منظومة تسجيل الهواتف وسداد الرسوم الجمركية، موضحاً أن بعض الأجهزة التى دُفعَت عنها الضرائب تتوقف عن العمل لاحقاً بسبب خلل فى النظام الإلكترونى الحكومي، ما يخلق نزاعات بين التجار والمستهلكين دون وجود آلية واضحة لحلها.
وأشار إلى أن هناك حالات فُرضت فيها ضرائب تتجاوز قيمة الهاتف نفسه، إذ تُفرض أحياناً رسوم تصل إلى 700 جنيه على أجهزة لا تتجاوز قيمتها 400 جنيه.
وأوضح “أبويزيد” أن السوق يمر بحالة ركود غير مسبوقة، إذ تراجعت المبيعات بنحو 50%، وأصبح المستهلك لا يقدم على الشراء إلا للضرورة القصوى، معتبراً أن الهواتف تحولت من سلعة متجددة إلى سلعة معمرة بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
أما شريف محمد، تاجر، فأكد أن هواتف «آيفون» كانت الأكثر تضرراً من القرار، إذ ارتفعت أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة، فالهاتف الذى كان يُباع بـ45 ألف جنيه أصبح يتجاوز الآن 90 ألف جنيه، ما جعلها مقصورة على فئة محدودة جداً من المستهلكين.
وأشار إلى أن 90% من مبيعات «آيفون» تتم حالياً بنظام التقسيط، بعدما تراجعت المبيعات النقدية بشكل حاد، مضيفاً أن ثقافة الوجاهة الاجتماعية التى كانت تدفع بعض المستهلكين إلى شراء أغلى الهواتف بدأت تتلاشى تحت ضغط الظروف الاقتصادية.
ويرى “محمد” أن أسعار الهواتف ارتفعت بنحو 100% خلال آخر 18 شهراً، سواء للأجهزة المستوردة أو المحلية، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وتقلبات سعر الصرف، مؤكداً أن السوق بحاجة إلى مزيد من الاستقرار والسياسات الواضحة لدعم التصنيع المحلى دون الإضرار بالتجار أو المستهلكين.








