فى ظل التحولات السريعة التى يشهدها العالم فى مجال الذكاء الاصطناعى والتقنيات الرقمية، تواصل شركة «جوجل» تعزيز حضورها فى السوق المحلى باعتباره أحد أكثر الأسواق الإقليمية الواعدة فى الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفى حواره مع «البورصة» أكد نجيب جرار، مدير التسويق الإقليمى والمنتجات لدى جوجل فى الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا، أن الشركة تنظر إلى مصر باعتبارها مركزاً استراتيجياً متنامياً ضمن خططها الطموحة لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعى وتعزيز الثقافة الرقمية فى المنطقة، موضحاً أن السوق المصرى يتمتع بخصائص مميزة من حيث التفاعل مع الخدمات الرقمية، ما يجعل منه بيئة مثالية للحلول الجديدة والتقنيات المبتكرة.
ويشير «جرار» إلى أن خطط جوجل فى مصر ترتكز على 3 محاور رئيسية تسعى الشركة من خلالها إلى دعم التحول الرقمى وتعزيز قدرات المجتمع المحلى. يتمثل المحور الأول فى دعم الشركات الناشئة من مختلف القطاعات، من خلال إشراكها فى برامج المسرّعات الإقليمية والعالمية، وتنظيم ورش عمل متخصصة فى مجالات التسويق الرقمى وتحليل البيانات وإدارة الحملات الإعلانية عبر الإنترنت.
أما المحور الثانى فيركّز على تطوير المنتجات والخدمات لتلبية احتياجات المستخدمين المحليين، سواء من حيث اللغة أو نوعية المحتوى أو أسلوب الاستخدام. فيما يأتى المحور الثالث ليعكس اهتمام جوجل المتزايد بصنّاع المحتوى المصريين؛ إذ تعمل الشركة على تمكينهم من خلال جلسات إرشادية وفعاليات تعليمية تهدف إلى تزويدهم بالأدوات والتقنيات الحديثة التى تساعدهم على تحسين جودة إنتاجهم والوصول إلى جمهور أوسع.
ويضيف «جرار»، أن جوجل نظّمت خلال العام الحالى فعالية كبيرة جمعت خبراء من فريق Gemini المحلى والعالمى مع مجموعة من صنّاع المحتوى والصحفيين وممثلى الشركات والجهات الحكومية والمستخدمين، وذلك فى إطار سعيها إلى التعرف بشكل أعمق على متطلبات السوق المصرى.
وتركّزت النقاشات على كيفية تطوير منتجات جوجل بما يتناسب مع الثقافة والاهتمامات المحلية، إلى جانب تحسين جودة اللغة العربية داخل المنظومة التقنية للشركة.
وفى هذا السياق، يؤكد «جرار»، أن جوجل تسعى أيضاً إلى رفع مستوى الوعى المجتمعى حول الذكاء الاصطناعى واستخداماته العملية فى الحياة اليومية، مشيراً إلى أن الشركة تضع نصب أعينها هدفاً رئيسياً يتمثل فى تعزيز الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات.
وقد أطلقت جوجل منذ عام 2018 برنامجاً شاملاً تحت اسم «مهارات من Google» لتدريب المستخدمين العرب على المهارات الرقمية عبر الإنترنت، حيث يضم البرنامج محتوى تعليمياً متنوعاً باللغة العربية يغطى موضوعات مثل التسويق الإلكترونى، وتحليل البيانات، وريادة الأعمال، والتطبيقات العملية للذكاء الاصطناعى فى العمل والتعليم.
وتواصل الشركة تطوير هذا البرنامج عبر تحديث مواده وإضافة وحدات تدريبية جديدة مرتبطة بأحدث التطورات التكنولوجية.
ووفقاً لـ«جرار»، فإن البرنامج أسهم فى تمكين آلاف الشباب فى مصر والمنطقة من اكتساب مهارات تؤهلهم للمنافسة فى سوق العمل الرقمى المتنامى.
ومن بين المبادرات اللافتة التى أطلقتها جوجل مؤخرًا، ما يخص دعم طلاب الجامعات المصرية، حيث كشفت الشركة عن عرض خاص يتيح للطلاب الحصول على اشتراك مجانى لمدة عام كامل لاستخدام النموذج الأحدث من Gemini، وهو Gemini 2.5 Pro، مع مجموعة من الأدوات التعليمية المخصصة لهم.
وتهدف هذه الخطوة إلى تمكين الطلاب من توظيف الذكاء الاصطناعى فى دراستهم ومشروعاتهم الأكاديمية بطريقة عملية.
ويضيف «جرار»، أن التعاون مع الجامعات المصرية لا يقتصر على توفير الخدمات الرقمية فقط، بل يمتد ليشمل تنظيم ورش عمل ميدانية لتعريف الطلاب بطريقة التسجيل والاستفادة من هذه المزايا قبل انتهاء فترة التقديم، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والبحث العلمى. وتعمل «جوجل» من خلال هذا التعاون على توسيع نطاق الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى فى العملية التعليمية وتعزيز ثقافة البحث العلمى المعتمد على الأدوات الرقمية الحديثة.
أما على صعيد الخدمات، فيؤكد «جرار»، أن معظم منتجات Google العالمية متاحة حالياً فى السوق المصرى باللغة العربية، من بينها محرك البحث الشهير Google Search الذى بات يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعى فى تحسين النتائج وتخصيصها حسب احتياجات المستخدم.
ويشير إلى أن أداة المساعد الذكى «Gemini» أصبحت متاحة الآن على الويب والهواتف المحمولة بعدة لغات، بينها العربية، وقد شهدت مصر ارتفاعاً ملحوظاً فى معدلات استخدامها مؤخرًا، لا سيما فى المجالات المتعلقة بالإنتاجية والإبداع وصناعة المحتوى.
ويُعدّ مثال ميزة تعديل الصور «Nano Banana» داخل Gemini من أبرز الأدوات التى لاقت رواجاً واسعاً فى السوق المصرى، لما توفره من إمكانات فنية متميزة تسمح للمستخدمين بإجراء تعديلات دقيقة وواقعية على الصور بسهولة.
وفيما يخص التطبيقات المالية، تحدّث جرار عن أداء تطبيق Google Wallet منذ إطلاقه فى مصر مطلع عام 2025، مشيراً إلى أن الشركة تلاحظ ارتفاعاً مطّرداً فى معدلات الإقبال عليه، ما يعكس ثقة المستخدمين المتزايدة فى الخدمات المالية الرقمية وسعيهم لتبنى حلول الدفع الذكى.
أما عن تطور فلسفة جوجل فى مجال الذكاء الاصطناعي، فقد أوضح جرار أن الشركة أعلنت منذ عام 2016 تحولها إلى «شركة ترتكز على الذكاء الاصطناعى أولًا»، وهو التوجه الذى انعكس بوضوح فى استراتيجيتها ومنتجاتها المختلفة. ومنذ ذلك الحين، استثمرت جوجل مليارات الدولارات فى تطوير نماذج ذكاء اصطناعى متقدمة وتضمينها داخل منظومتها التقنية، من محرك البحث إلى الصور والخرائط وYouTube وغيرها من الخدمات.
ويشرح «جرار» إلى أن الشركة تعمل حالياً على مجموعة من التقنيات الجديدة مثل Veo 3 وFlow، وهى أدوات مصممة لمساعدة صنّاع المحتوى والمخرجين على تحويل النصوص إلى مشاهد فيديو واقعية باستخدام قدرات الذكاء الاصطناعي، ما يفتح آفاقاً جديدة أمام صناعة الإنتاج الفنى والإعلامى.
كما تم تطوير ميزة «التعلم الموجَّه» داخل أداة Gemini، وهى خاصية تقدم شروحات تفاعلية واختبارات مخصصة لمساعدة الطلاب على الفهم عبر المشاركة والاستنتاج بدلاً من الحفظ التقليدى.
تطوير تجربة البحث عبر إطلاق «وضع AI» باللغتين الإنجليزية والعربية فى مصر
ويشير «جرار» إلى أن التحول فى سلوك المستخدمين عالمياً، خصوصاً بعد انتشار تقنيات البحث الصوتى والبحث بالذكاء الاصطناعي، دفع جوجل إلى إعادة ابتكار تجربة البحث بالكامل. ففى مايو الماضى، أطلقت الشركة ميزة «النبذة باستخدام الذكاء الاصطناعى» (AI Overviews)، والتى تعتمد على نموذج Gemini لتوليد ملخصات فورية للأسئلة المعقدة مع توفير روابط تفصيلية لمصادر إضافية.
وقد أسهمت هذه الميزة فى تحسين تجربة المستخدم من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات المعقدة بسرعة، وفى الوقت نفسه دعمت المواقع الإلكترونية عبر زيادة جودة الزيارات ومدة تفاعل المستخدمين مع المحتوى.
كما أطلقت جوجل مؤخراً ما يُعرف بـ«وضع AI» باللغتين العربية والإنجليزية فى مصر وعدة دول أخرى، وهى تجربة بحثية تعتمد على تقنية «توسيع طلبات البحث» (Query Fan-out Technique) لتقسيم سؤال المستخدم إلى مواضيع فرعية وتشغيل عمليات بحث متعددة فى وقت واحد، مما يتيح نتائج أكثر عمقاً وتنوعاً مقارنة بالبحث التقليدى.
وتشير الأبحاث الداخلية إلى أن المستخدمين أصبحوا يطرحون أسئلة أطول وأكثر تفصيلاً بمرتين أو ثلاث مما كانوا عليه سابقًا، وهو ما يعكس التحول فى طريقة التفكير والاستخدام بفضل الذكاء الاصطناعي.
وفى ختام حواره، شدد نجيب جرار على أن المنافسة فى السوق المصرى والإقليمى تشكل حافزاً دائماً للابتكار، معتبراً أن وجود شركات منافسة فى مجال الذكاء الاصطناعى والتقنيات الرقمية يصبّ فى مصلحة المستخدم النهائى. فالمنافسة الصحية تدفع الشركات لتقديم خدمات أفضل وتحسين الأداء والابتكار فى المنتجات، وهو ما تسعى إليه جوجل باستمرار.
وأوضح أن الشركة ستركّز خلال الفترة المقبلة على تطوير حلول ذكاء اصطناعى أكثر تخصيصاً للمستخدمين، سواء للأفراد أو الشركات، إلى جانب دعم روّاد الأعمال والمطورين المحليين لتعزيز قدرتهم على الاستفادة من التكنولوجيا بأعلى قدر من الكفاءة والإبداع.
