اختتمت وول ستريت أسبوعاً مضطرباً بارتداد مؤشرات الأسهم بعد موجة بيع هزّت بعض أكثر زوايا السوق مضاربة، ما ضغط على معنويات المستثمرين عقب موجة صعود قوية.
ارتفعت أسعار نحو 450 سهماً مدرجاً في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) الذي صعد بنسبة 1%. وقلص سعر سهم “إنفيديا” معظم خسائره التي بلغت 4%. وأوردت بلومبرج أن مسؤولين أميركيين يجرون محادثات مبكرة حول إمكانية السماح للشركة ببيع شرائح الذكاء الاصطناعي “H200” إلى الصين.
وتلقت السوق جرعة من التفاؤل يوم الجمعة بعدما ألمح مسؤول في الاحتياطي الفيدرالي إلى أن خفضاً آخر للفائدة ما يزال احتمالاً قائماً. وتعافى سعر “بتكوين” من أدنى مستوياته، لكنه يتجه لتسجيل أسوأ شهر له منذ سلسلة الانهيارات التي هزّت القطاع في 2022.
تقلبات حادة تضرب الأسهم وبتكوين
ضربت التقلبات الأسواق هذا الأسبوع، إذ سجلت الأصول التي يفضلها المتعاملون الأفراد، والتي تتسم بالزخم مثل العملات المشفرة وأسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تقلبات حادة. كما تأثرت الأسواق بغياب الوضوح حول قدرة الفيدرالي على خفض الفائدة الشهر المقبل.
قال مارك هاكيت من “نايشنوايد” (Nationwide): “لم تنكسر الرواية الأوسع، بل يجري اختبارها حالياً. فترات كهذه غالباً ما تعمل كصمام أمان بدلاً من الإشارة إلى تحول حقيقي في الاتجاه. الأسواق تحتاج إلى إعادة معايرة وإعادة ضبط في المراكز، وهي أمور قد يغفل عنها المستثمرون بعد ستة أشهر من الهدوء النسبي”.
انخفضت عوائد سندات الخزانة بعدما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز إنه يرى مجالاً لتيسير السياسة النقدية مجدداً في الأجل القريب. وبينما ارتفعت رهانات المتعاملين على خفض في ديسمبر، ما تزال الآراء بين مسؤولي الفيدرالي منقسمة بشأن خفض تكاليف الاقتراض مجدداً.
وألغى مكتب إحصاءات العمل تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر، على أن يصدر تقرير نوفمبر في 18 ديسمبر.
إلغاء تقرير التضخم الأميركي لشهر أكتوبر بسبب الإغلاق الحكومي
أداء ضعيف في نوفمبر
رغم ارتداد الأسهم، يتجه مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” لتسجيل أسوأ أداء شهري له منذ مارس. ويُعدّ ذلك أمراً نادراً باعتبار أن نوفمبر يُعدّ تاريخياً شهراً جيداً للأسهم. ويرى بعض المتعاملين أن الجانب الآخر من الهبوط الحالي هو أنه قد يمهّد السوق لصعود بنهاية العام.
وقال لويس نافيلييه لدى “نافيلييه آند أسوشيتس” (Navellier & Associates): “من الصعب تحديد قاع التصحيح، لكن إذا تحققت الرهانات الأفضل على خفض الفيدرالي للفائدة في ديسمبر، فمن المرجح أن نشهد ارتداداً كبيراً الشهر المقبل”.
شهدت الأسواق يوم الجمعة تقلبات إضافية بعدما قُدّر انتهاء صلاحية خيارات بقيمة اسمية 3.1 تريليون دولار.
وانخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنقطتي أساس إلى 4.07%. واستقر الدولار قرب أعلى مستوى له في ستة أشهر. وقلّصت “بتكوين” خسائرها لتُتداول فوق 84 ألف دولار.
يرى توني باسكواريللو لدى “غولدمان ساكس” علامات على الاستسلام في الأسهم الأميركية، ويتوقع مزيداً من البيع قبل أن تستقر السوق.
وكتب باسكواريللو: “في حين أن الأسعار المنخفضة ستحفز على الأرجح المستثمرين على البيع، وفي حين أن أثر صعود أكتوبر قد لا يكون قد تلاشى بالكامل، فإن حدسي يشير إلى أن هذا الأسبوع شهد جرعة كبيرة من نقل المخاطر وبعض البيع القسري”.
ارتداد بالأسهم الأمريكية
حصل المتعاملون الذين يبحثون عن سبب للعودة إلى سوق عصف بها الاضطراب هذا الأسبوع على إشارة من نموذج لدى “باركليز” يحظى بسجل قوي.
وقال ألكسندر ألتمان، رئيس استراتيجيات الأسهم التكتيكية عالمياً، إن مؤشر توقيت الأسهم للشركة المعروف بـ”BETI” انخفض إلى ما دون (-7) للمرة الأولى منذ 4 أغسطس. وللمستوى سجل يمتد لعشر سنوات في توقع ارتفاعات قصيرة الأجل بمؤشر “ستاندرد آند بورز 500”.
أولريكه هوفمان-بورشاردت من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management) قالت: “لا ينبغي أن يكون مفاجئاً رؤية فترة من العزوف عن المخاطر، نلاحظ أن شرائح الأسهم ذات التعرض المحدود لقصة الإنفاق الرأسمالي في الذكاء الاصطناعي سجّلت أيضاً هبوطاً حاداً في الأسابيع الأخيرة. وبالنظر إلى المستقبل، نعتقد أن خفض الفائدة من قبل الفيدرالي، والأرباح القوية، وقصة نمو الذكاء الاصطناعي ستواصل دعم صعود الأسهم في 2026”.
وقالت ماري آن بارتيلز لدى “سانكتشواري ويلث” (Sanctuary Wealth): “بينما نتوقع تقلبات في 2026، نرى أيضاً عائداً إيجابياً مع وصول مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) إلى 7500 نقطة بنهاية العام المقبل. ونتوقع أن تحافظ التكنولوجيا والأسهم المرتبطة بالتكنولوجيا على قيادتها، لكنها ستستوعب جزءاً من مكاسبها الاستثنائية”.
تحرك المؤشر قرب مستوى 6600 نقطة يوم الجمعة.
الأسهم الأمريكية بين السياسة النقدية والذكاء الاصطناعي
قال فلوريان ييلبو لدى “لومبارد أودييه أسيت مانجمنت” (Lombard Odier Asset Management) إن سوق المال تقودها حالياً قصتان متوازيتان: السياسة النقدية وعوائد الإنفاق على الذكاء الاصطناعي”.
وأوضح: “هاتان الروايتان أعطتا مؤخراً انطباعاً بالتداخل مؤقتاً، وسط ارتباك سببه نقص البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق الحكومة الأميركية. لكن الضباب ينقشع تدريجياً، ما يسمح برؤية تمايزهما الواضح، وبالتالي تأثيراتهما المختلفة على السوق”.
أشار ييلبو إلى أن الزخم الناتج عن نتائج “إنفيديا” الجيدة أدى إلى موجة من جني الأرباح وليس إلى حالة ذعر. وأضاف: “إذا كانت هذه بالفعل مرحلة جني أرباح، فقد تكون قصيرة الأجل، العوامل الجزئية والكلية لا تزال صحية نسبياً في هذه المرحلة”.
توقعات “إنفيديا” القوية تهدّئ مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي
من جانب آخر، قال سكوت رين إنه يفضّل التركيز على الشركات الكبرى وأسهم التكنولوجيا، لكنه سيلجأ إلى الخفض الانتقائي والتنوع. وأضاف كبير استراتيجيي السوق العالمية لدى “ويلز فارغو إنفستمنت إنستيتيوت” (Wells Fargo Investment Institute): “نعتقد أن الأشهر الـ12–15 المقبلة ستصب في مصلحة الأسهم الأميركية، بناءً على توقعاتنا بتسارع الأرباح”.
قال بن إنكر في أحدث رسالة فصلية لـ”جي إم أو” (GMO Quarterly Letter): “يبدو الذكاء الاصطناعي فقاعة استثمارية كلاسيكية، مع تقييمات مرتفعة للغاية وعلامات على مضاربات جامحة. لكننا ندرك أنه رغم مخاوف العديد من المستثمرين من فقاعة الذكاء الاصطناعي، فإنهم غير متأكدين من ذلك ويميلون إلى افتراض أن السوق عند مستويات سعرية مناسبة”.
وأشار إلى أن المستثمرين المحايدين سيواجهون خيارات أصعب إذا استمر الارتفاع، لكن يمكنهم أيضاً الاطمئنان إلى العوائد القوية للمحافظ المتنوعة التي أوصلتهم إلى هذه المرحلة.
واختتم: “بالحديث عن الفقاعات، تبدو فقاعة الذكاء الاصطناعي واحدة من الأسهل على المستثمر المحايد التعامل معها”.
ديون شركات التكنولوجيا لتمويل الذكاء الاصطناعي
في الوقت نفسه، أصبح متداولو الأسهم أكثر قلقاً بشأن مستويات ديون شركات التكنولوجيا الكبرى لبناء بنية الذكاء الاصطناعي، وسط مخاوف متصاعدة من فقاعة.
وتُعدّ المبالغ الضخمة التي تنفقها شركات التكنولوجيا الكبرى على الذكاء الاصطناعي أمراً معروفاً منذ سنوات، لكن المبالغ القياسية من الديون التي تجمعها لتمويل ذلك تُعدّ أمراً جديداً. وما يقلق المتعاملين هو أن هذا الاتجاه يمثل تحولاً عن السنوات الأخيرة، حين كانت الشركات تعتمد على أرصدتها النقدية الكبيرة لتمويل إنفاقها الرأسمالي. أما الآن، فإن استخدام الديون والتمويل الدائري يضيفان مستوى من المخاطر لم يكن موجوداً سابقاً.
قال بوب سافاج لدى “BNY”: “تتركّز أنظار السوق على هبوط أسعار أسهم شركات تقنية محددة ومستويات عقود مبادلة الائتمان الخاصة بها. يبدأ الأمر بإصدار الدين لتمويل استثمارات الذكاء الاصطناعي، ما يخفّض التدفقات النقدية الحرة. ويتضاعف ذلك مع التقييمات المرتفعة والمخاوف بشأن استدامة النمو على المدى الطويل، خصوصاً مع تأثير الأرقام الكبيرة في النسبة المئوية للنمو”.
وأضاف أن عبء الإثبات على قطاع التكنولوجيا الآن يتعلق بالهوامش والعوائد، ما يجعل تقارير أرباح الربع الرابع حاسمة للحفاظ على هيمنة القطاع.
تابع: “بينما قد يحدّ توفر السيولة على المدى القصير وهدوء موسم العطلات من التقلب، فإن العلاقة بين تكاليف الائتمان للشركات وتقييمات الأسهم -وخصوصاً التكنولوجيا- ستحدد الأداء النسبي”.
وأشار سافاج إلى أن مديري محافظ الأسهم يجب أن يبقوا منتبهين لاستدامة الهوامش والانضباط الرأسمالي مع انتقال السوق من تداولات قائمة على التدوير إلى عوائد قائمة على الأساسيات في طريقها نحو 2026.
سوق العملات المشفرة تحت الضغط
ألمح رايان غرابينسكي من “ستراتيغاس” إلى أن سلة شركته من الشركات التي لم تذكر (الذكاء الاصطناعي) في مكالمات الأرباح خلال العامين الماضيين كانت تُظهر أداءً قوياً في الأسبوعين اللذين سبقا نتائج “إنفيديا”. ومع ذلك، يبدو أن هذا الزخم تعثر في الأيام الأخيرة.
وقال: “إذا استمر هذا الاتجاه، فإنه يشير إلى أن التصحيح الحالي للسوق قد لا يكون متعلقاً بدورة الإنفاق الرأسمالي في الذكاء الاصطناعي بقدر ما يشير إلى مخاوف ناشئة في الائتمان الخاص أو عمليات خفض المراكز الممولة بالديون في سوق العملات المشفرة”.
خسرت “بتكوين” نحو ربع قيمتها في نوفمبر -وهو أكبر هبوط شهري منذ يونيو 2022- بحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ”. وكان انهيار مشروع عملة “تيرا يو إس دي” (TerraUSD) المستقرة بقيادة دو كوون في مايو من ذلك العام قد أطلق سلسلة من الانهيارات المؤسسية انتهت بسقوط منصة “إف تي إكس” (FTX) التابعة لسام بانكمان-فريد.
ورغم دعم البيت الأبيض للعملات المشفرة تحت رئاسة دونالد ترمب واعتماد المؤسسات المتزايد، هبط سعر “بتكوين” بأكثر من 30% منذ صعوده إلى مستوى قياسي في أوائل أكتوبر. وتبع ذلك موجة تصفية مراكز ضخمة في 10 أكتوبر قضت على 19 مليار دولار من الرهانات الممولة بالديون، ما محا بدوره نحو 1.5 تريليون دولار من القيمة السوقية المجمعة لجميع العملات المشفرة.
قال فؤاد رزاق زاده من “فوركس دوت كوم” (Forex.com) إن مثل هذه التراجعات الكبيرة أكثر شيوعاً في العملات المشفرة بالنظر إلى تقلبها المرتفع، لكن غياب الاهتمام ما يزال لافتاً.
“بتكوين” تبحث عن دعم
أضاف: “تأتي منطقة الدعم الرئيسية التالية قرب 80 ألف دولار، وهو المستوى الذي شكّل منصة انطلاق في أبريل. وقد يهبط سعر “بتكوين” حتى 75 ألف دولار قبل أن يجد دعماً محتملاً. لذلك، هذان المستويان مهمان لمراقبتهما”.
وقال مايكل بورفز لدى “تالباكن كابيتال أدفايزرز” (Tallbacken Capital Advisors) إن هناك إشارة قوة طويلة الأجل تحولت إلى الهبوط بالنسبة لبتكوين، ما قد يشير إلى مزيد من التراجع المحتمل.
وأضاف أنه على المدى القريب، نلاحظ أن “بتكوين” في حالة تشبع بيعي، وتحاول الارتداد من مستوى 80 ألف دولار.
وخلص بورفز إلى القول: “من المتوقع رؤية بعض الاستقرار على المدى القريب”.
