يعاني تجار المجوهرات في الصين جراء الارتفاعات الحادة التي شهدتها أسعار الذهب في الأسواق، فضلًا عن إلغاء التخفيضات الضريبية، ما تسببا في عزوف المشترين وإغلاق مئات المتاجر في واحدة من أكبر أسواق استهلاك المعدن الأصفر في العالم.
ورصدت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية تقليص سلاسل متاجر المجوهرات الكبرى من حضورها في الوطن الأم الصين خلال هذا العام، بينما أبدى صغار التجار في حديثهم مع الصحيفة أن الأسعار المرتفعة وتنامي الأعباء الضريبية نسفا المبيعات نسفًا.
قفزت أسعار الذهب خلال العام الجاري بنسبة 50% لتصل إلى أكثر من 4 آلاف دولار للأوقية، في وقت يراكم فيه المستثمرون المعدن الثمين واعتباره أصلًا تحوُّطيًا ضد انعدام اليقين الجيوسياسي، وتصاعد مستويات الدين الحكومي العالمي، والمخاوف بشأن هبوط قيمة الدولار الأمريكي.
تصاعدت أسعار المعدن الأصفر في الصين، حيث يباع الذهب بصورة حُلي ومصوغات تقليدية كهدايا للأعراس أو كمخزن للقيمة، تصاعدت أسعاره في مقابل ضعف مشاعر ثقة المستهلكين بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي.
يسعى تجار تجزئة الذهب إلى التكيف أيضًا مع القواعد الجديدة التي طُبقت خلال هذا الشهر، التي ترفع الضرائب على مشتريات المجوهرات والمصوغات الذهبية من خلال إلغاء الخصم الضريبي المعمول به سابقًا، مشيرين إلى أن العبء الضريبي الأخير دفع البائعين إلى رفع أكبر لأسعارهم.
وتعلق فيفي زينج، التي تساعد في إدارة متاجر عائلتها للمجوهرات “آيشينج”، في حي شويبي الشهير بتجارة الذهب، في مقاطعة شينزين، قائلة: “يعاني هذا القطاع صعوبات شديدة في تلك اللحظة، خصوصًا بعد زيادة الضرائب”، مشيرة إلى أن “الكثير من المستهلكين الصينيين لا يشترون، لذا فإنه من الصعب قبول (الضريبة)، مع أنها لا تضيف سوى بضع عشرات من الرنمينبي لكل جرام”.
وأضافت أنه بينما توقفت مشتريات المصوغات والمجوهرات من أجل حفلات الزواج، فإن المشتريات اليومية “هبطت ربما بنسبة من 40 إلى 50 في المائة”، منذ تطبيق القواعد (الضريبية) الجديدة.
وقالت الصحيفة إن “تشاو تاي فوك”، أكبر سلسلة متاجر مجوهرات في الصين من حيث حجم المبيعات، أغلقت نحو 1000 من متاجرها في الوطن الأم خلال هذا العام، بانخفاض نسبته 15%.
وذكرت الشركة، أن صافي أرباحها سجل 2.5 مليار دولار هونج كونج (بما يعادل 320 مليون دولار) في خلال نصف عام ينتهي في سبتمبر، دون تغيير عن العام السابق، وذلك لإيرادات إجمالية بلغت 39 مليار دولار هونج كونج، وهو أدنى مستوى لها منذ خمس سنوات.
يقول المدير الإداري لسلسلة متاجر “تشاو تاي فوك” للمجوهرات، كينت وونج، في استعراض لنتائج الأعمال أن الشركة أغلقت المتاجر المتعثرة كجزء من التحول والخروج من المدن الأقل أداءً إلى المدن الأكثر كفاءة وأداءً التي تشهد “انتعاشًا أفضل في طلب المستهلك”.
خلال العام الماضي، أغلقت سلسلة “لوكفوك” للمجوهرات المنافسة أكثر من 200 متجرًا لها في الوطن الأم، لتنخفض بذلك عدد متاجرها منذ بداية العام بنسبة 7%.
وقالت الشركة، إن إيرادات نصف العام حتى سبتمبر زادت بنسبة 26% لتصل إلى 6.8 مليار دولار هونج كونج مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما ارتفع صافي الربح بنسبة 42.5% ليصل إلى 619 مليون دولار هونج كونج.
وقالت متاجر “لوكفوك” للمجوهرات: “رغم ارتفاع أسعار الذهب، فقد أظهرت متاجر المجوهرات في أسواق الوطن الأم تحسنًا مستمرًا”، مضيفة أنها ما زالت تقيم تداعيات تغيير سياسة الضرائب على أنشطتها.
يرى محلل المعادن الثمينة في شركة “دايوا كابيتال ماركتس”، كارلتون لاي، أن إغلاق المتاجر جاء في أعقاب فترة شهدت توسعًا شديدًا أثناء وباء “كوفيد-19” عندما تعزز الإنفاق بصورة كبيرة.
وأضاف “مع تباطؤ الاستهلاك، فقد تراجع إنتاج تلك المتاجر بصورة جوهرية”، مؤكدًا أن المسألة تعقدت بتنامي المنافسة من ماركات جديدة وارتفاع أسعار الذهب.
بدا البائعون أكثر تشاؤمًا في حي شويبي الشهير لتجارة الذهب- حيث توجد الآلاف من محال المجوهرات المتراصة داخل أسواق متعددة الأدوار تنفذ فيها ما يعادل نحو 70 في المائة من شحنات المعدن الأصفر المتداولة في بورصة شنغهاي للذهب سنويًا، وفقًا لوسائل الإعلام الصينية الرسمية. واشتكى كثير من البائعين من أن الضريبة الجديدة جاءت في وقت غير مناسب.
وقالت بائعة في حي شويبي رفضت الإفصاح عن اسمها للصحيفة “إن أسعارنا أصلًا مرتفعة، والآن أصبحت أكثر ارتفاعًا بعد الضريبة. وإذا أراد المستهلكون الزواج، ليس لديهم خيار آخر سوى: شراء كمية أقل.”
في الوقت الذي يعاني فيه بائعو المجوهرات ضغوطًا وانخفاضًا في المبيعات، ارتفعت حيازات صناديق الذهب المحلية المتداولة في البورصة بنسبة 164% لتصل إلى 194 طنًا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حسب أرقام “جمعية الذهب الصينية”.
قال تاجر تجزئة وجملة في حي شويبي، لي تشاو فينج، “لم تخف بعد حدة الذعر الذي تسببت فيها هذه السياسة الضريبية لدى العاملين في هذا القطاع”، مبررًا ذلك “لأن الذهب كان معفيًا من الضرائب خلال الـ20 عامًا الأخيرة.. لذا فإن الأفق مستقبلًا غير واضح.”








