شكّل عام 2025 نقطة تحول مفصلية في سوق النفط العالمي، حيث فرضت ديناميكيات وفرة المعروض سيطرتها الكاملة على حركة الأسعار، ما أدى إلى تراجعها بنحو 20% خلال العام، مسجلا أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2020، وذلك في ظل تباطؤ نمو الطلب العالمي واستمرار الضبابية الجيوسياسية والاقتصادية.
ومع اقتراب نهاية العام، يتجه خام غرب تكساس الوسيط لإنهاء 2025 دون مستوى 60 دولارا للبرميل، بعدما تكبد خسائر سنوية لافتة بلغت نحو 20.7%، ليستقر حاليا قرب مستوى 56.97 دولارا للبرميل، وهي مستويات تعكس أعمق موجة ضعف يشهدها الخام الأمريكي منذ عام 2020.
ولم يكن خام “برنت” بمنأى عن هذا المسار الهابط، إذ تراجع بدوره بنحو 19.3% منذ بداية العام، ليتداول حاليا قرب مستوى 60 دولارا للبرميل، مسجلا أدنى نطاق سعري له منذ سنوات، في ظل استمرار الضغوط الناتجة عن فائض الإمدادات العالمية وتراجع الزخم في الطلب.
ويعكس هذا الأداء السعري الضعيف بوضوح اختلال ميزان العرض والطلب لمصلحة المعروض، مع تسارع نمو الإنتاج من خارج تحالف “أوبك+”، وتواصل بناء المخزونات النفطية، مقابل نمو محدود في الاستهلاك العالمي، ما أعاد رسم ملامح سوق النفط خلال 2025 وأعاد الأسعار إلى مستويات لم تكن متوقعة في بداية العام.
وبدأ النفط عام 2025 بزخم إيجابي نسبيا، مدعوما باستمرار التخفيضات الطوعية التي طبقها تحالف “أوبك+”، وعلى رأسه السعودية، ما أسهم في تقليص الإمدادات العالمية بنحو 1.5 مليون برميل يوميا، وعزز توقعات شح المعروض خلال الأشهر الأولى من 2025.
غير أن هذا الدعم السعري لم يدم طويلا، إذ سرعان ما بدأت الضغوط الهيكلية تتصاعد مع تقدم العام، مدفوعة بارتفاع إنتاج الولايات المتحدة، أكبر المنتجين من خارج “أوبك+”، إلى جانب تسارع وتيرة بناء المخزونات النفطية عالميا.
وفي أبريل، كشفت بيانات المخزونات الأمريكية عن زيادات فاقت التوقعات، بالتزامن مع لهجة أكثر تشددا من تحالف “أوبك+” بشأن سياسات الإنتاج، ما أعاد إلى الواجهة مخاوف تخمة المعروض العالمي ورسّخ الاتجاه الهبوطي في أسعار الخام.
ورغم محاولات بعض المنتجين دعم السوق، فإن اتساع الفجوة بين نمو الإمدادات وضعف الطلب حدّ من قدرة الأسعار على التعافي المستدام.
وشهدت السوق خلال منتصف العام موجة تقلبات حادة، حين قفزت أسعار النفط بأكثر من 20% في يونيو، على خلفية تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، وسط مخاوف متزايدة تتعلق بأمن مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 20% من إمدادات النفط العالمية.
إلا أن هذا الارتفاع سرعان ما تلاشى، بعدما أسهمت الجهود الدبلوماسية والوساطة الأمريكية في احتواء التصعيد، لتعود الأسعار مجددا إلى مسارها الهابط، في تأكيد على أن تأثير العوامل الجيوسياسية ظل مؤقتا ما لم يقترن بتعطل فعلي ومستدام للإمدادات.
ومع دخول النصف الثاني من العام، عادت الضغوط الهبوطية بقوة إلى السوق، بعدما أعلن تحالف “أوبك+” في يوليو زيادة أكثر جرأة في مستويات الإنتاج تجاوزت 400 ألف برميل يوميا، وهي زيادات استمرت تدريجيا حتى نهاية 2025.
وأعاد هذا التحول تغذية المخاوف من فائض المعروض، لا سيما في ظل تباطؤ نمو الطلب العالمي واستمرار الإنتاج القوي من الدول غير الأعضاء في التحالف.
وعلى صعيد الطلب، أظهرت بيانات وكالة الطاقة الدولية أن الاستهلاك العالمي للنفط سجل نموا محدودا خلال 2025 بلغ نحو 830 ألف برميل يوميا، مدفوعا أساسا بوقود الطائرات والديزل، في حين تراجع الطلب على زيت الوقود لصالح الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية في توليد الكهرباء.
غير أن هذا النمو ظل أضعف من متوسطات السنوات السابقة، متأثرا بتباطؤ الاقتصاد العالمي، واستقرار استهلاك النفط في الصين، وتسارع التحول نحو السيارات الكهربائية والهجينة، إضافة إلى استمرار إحلال مصادر الطاقة البديلة في عدد من القطاعات.
وفي المقابل، واصل المعروض العالمي تفوقه على الطلب، رغم تراجع الإمدادات في بعض الفترات نتيجة عوامل استثنائية، فقد انخفض الإنتاج العالمي في نوفمبر بنحو 610 آلاف برميل يوميًا مقارنة بالشهر السابق، متأثرًا بعقوبات واضطرابات غير مخططة في بعض الدول، إلا أن التوقعات لا تزال تشير إلى ارتفاع إجمالي الإمدادات بنحو 2.4 مليون برميل يوميا إضافية في 2026، تقودها دول من خارج “أوبك+” مثل الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا وكندا.
وفي هذا السياق، تراجعت صادرات النفط الروسية بشكل ملحوظ خلال نوفمبر، ما أدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات، في حين واصلت إيران تصدير كميات كبيرة من النفط، إلا أن جزءا متزايدا منها تراكم في التخزين العائم بسبب ضعف الطلب من المصافي الصينية المستقلة، ومع ذلك، لم يكن هذا التراجع الجزئي في الإمدادات كافيًا لوقف تراكم الفائض في السوق.
وأسهمت هذه التطورات في تسجيل المخزونات النفطية العالمية ارتفاعا حادا خلال 2025، لتصل في أكتوبر إلى نحو 8.03 مليارات برميل، وهو أعلى مستوى في أربع سنوات، مع متوسط زيادات تجاوز 1.2 مليون برميل يوميا خلال معظم أشهر العام.
وتركزت الزيادة بشكل خاص في النفط المخزن على السفن، إلى جانب ارتفاع المخزونات في الصين والولايات المتحدة، في حين بقيت الزيادات في مراكز التسعير الرئيسية محدودة نسبيًا، ما خلق حالة من التباين بين أسواق الخام والأسواق المحلية.
وفي الوقت نفسه، أظهرت أسواق المنتجات المكررة صورة مختلفة نسبيا، إذ أسهمت انقطاعات غير مخططة في المصافي وقيود أوروبية مرتقبة على واردات المنتجات المشتقة من الخام الروسي في دفع هوامش التكرير إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، في مفارقة عكست انفصالا واضحا بين وفرة إمدادات الخام وضيق أسواق المنتجات.
ومع اقتراب نهاية العام، زادت الضغوط على أسعار النفط بفعل التطورات السياسية المتعلقة بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، حيث تفاعلت الأسواق مع مؤشرات على تقدم في المفاوضات، وسط توقعات بأن يؤدي رفع العقوبات إلى عودة مزيد من الإمدادات الروسية إلى السوق العالمية.
وأسهم هذا العامل، إلى جانب استمرار زيادات الإنتاج من “أوبك+” وارتفاع الإنتاج الأمريكي، في ترسيخ توقعات فائض المعروض مع دخول عام 2026.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، من المتوقع أن تستمر الضغوط الهبوطية على أسعار النفط خلال العامين المقبلين، مع تباطؤ نمو الطلب واستمرار الإنتاج المرتفع، حيث يرجح أن يبلغ متوسط سعر خام برنت نحو 66 دولارا للبرميل في 2025، قبل أن يتراجع إلى قرابة 59 دولارا للبرميل في 2026، فيما يُتوقع أن يسجل خام غرب تكساس الوسيط متوسطا يقارب 62 دولارا للبرميل هذا العام وينخفض إلى نحو 55 دولارا للبرميل في العام المقبل.
ويختتم سوق النفط عام 2025 وقد أعادت وفرة المعروض فرض نفسها كالعامل الحاسم في تسعير الخام، في ظل طلب يتعافى ببطء وتحولات هيكلية متسارعة في قطاع الطاقة، ما يمهد لدخول 2026 وسط سيناريو فائض معروض عالمي قد يواصل الضغط على الأسعار ما لم تطرأ صدمات كبرى على جانب الإمدادات.
