شهدت سياسات البنك المركزي المصري تحولًا جذريًا خلال 2025، إذ انتقل البنك من سياسة التشديد النقدي إلى مسار التيسير بشكل تدريجي، متأثرًا بانخفاض معدلات التضخم وتحسن المؤشرات الاقتصادية، مع استمرار اتباع نظام صرف مرن ، والذي بدأه في مارس 2024، ما أسهم في تعافي الجنيه مقابل العملات الأجنبية لاسيما الدولار.
فبعد اتباع سياسة تشديد نقدي استمرت منذ 2022 بهدف كبح التضخم، بدأت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري مسار خفض أسعار الفائدة الأساسية لـ 5 مرات بإجمالي 725 نقطة أساس خلال 2025، رغم ارتفاعها بشكل قياسي في 2024 حينما رفع “المركزي” معدل الفائدة بإجمالي 8%.
وبدأ البنك، تخفيض أسعار الفائدة في أبريل الماضي بواقع 225 نقطة أساس، مواصلًا سياسة التيسير النقدي بخفض 1% خلال مايو، ثم 2% في أغسطس، و1% في أكتوبر، مختتمًا 2025 بخفض إضافي معدله 1%، ليصل سعر العائد على الإيداع والإقراض إلى 20%، و21%.
واتجه “المركزي” نحو خفض أسعار الفائدة كنتيجة مباشرة لتراجع معدلات التضخم بشكل تدريجي ليصل معدل التضخم لإجمالي الجمهورية إلى 10% في نوفمبر الماضي، مما أفسح مجالًا أمامه للخفض دون التخوف من حدوث ارتفاع جديد في الأسعار.
وانعكس ذلك التحول الواضح بشكل مباشر على أداء القطاع المصرفي من خلال خفض التكلفة التمويلية ما يعزز المحافظ الائتمانية لدى البنوك بعد أن تمكنت من وضع استراتيجية في الإقراض وحُسن توظيف الأموال، كما نجحت سياسات “المركزي” في كسب ثقة المستثمرين وسط مساعٍ بترسيخ تلك المكاسب على المدى المتوسط والطويل.
وارتفعت نسبة توظيف الودائع للقروض إلى 64.3% بنهاية سبتمبر الماضي، مقابل 62.5% في ديسمبر 2024، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي.
فيما تخطت استثمارات البنوك فى الأوراق المالية 7.67 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر، مقابل 7.1 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2025، ما يعكس تنوع توظيف البنوك للسيولة لديها بما يضمن تقليل المخاطر.
وأسهم خفض الفائدة على الودائع في توجه بعض المودعين نحو البحث عن بدائل ذات عائد أعلى، وفتح شهيتهم نحو توظيف أموالهم في استثمارات أكثر إنتاجية مثل المشروعات، ما يخدم الاقتصاد الحقيقي.
كما استفادت القطاعات الإنتاجية والصناعية من خفض أسعار الفائدة نتيجة تقلص تكلفة التمويل، حيث استهدف المركزي بقراراته التيسيرية تعزيز النشاط الاقتصادي والنمو والتحفيز على الاستثمار والإنتاج، ما دعم استمرار النشاط المصانع، لاسيما قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، بل والتوسع بإنشاء مزيد من خطوط الإنتاج وتوفير الخامات اللازمة.
وقد توقع البنك المركزي نمو الناتج المحلي الحقيقي إلى نحو 5% في الربع الرابع 2025، في مؤشر مبشّر يواكب تيسير السياسة النقدية.
وشهدت مصر تحسنًا في التوقعات الخاصة بالاقتصاد بعد اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي وتقدم المراجعات الاقتصادية الخاصة ببرامج الدعم الدولية، وهو ما زاد من قدرة البنك المركزي على تبني مسار نقدي أكثر مرونة.
ولم يأت التحول إلى سياسة نقدية أكثر تيسيرًا دون دراسة؛ إذ حافظ البنك المركزي على تثبيت الفائدة في بعض الاجتماعات خلال فترات من 2025، تأكيدًا على توازن دقيق بين دعم النمو والحفاظ على هدف التضخم، وذلك قبل استئناف خفضها لاحقًا.
ورغم المكاسب، تربط بعض آراء الاقتصاديين التأثير الكامل لخفض الفائدة بقيام سياسات داعمة أخرى مثل برامج تمويل متخصصة واستراتيجيات ضريبية لتعزيز القطاعات الإنتاجية، وهو ما يتطلب أكثر من مجرد انخفاض في أسعار الفائدة لتحقيق نقلة نوعية في الاستثمار والإنتاج.
وبالتوازي مع التيسير النقدي، واصل البنك المركزي اتباع نظام الصرف المرن الذي بدأه في مارس 2024، ما أسهم في اختفاء تام للسوق الموازي والتعامل فقط من خلال القنوات الرسمية، وبالتالي تحقيق استقرار واضح في سعر الصرف بشكل عزز التدفقات الدولارية بما يغطي احتياجات السوق والقطاعات المعتمدة على الاستيراد.
وارتفع صافي احتياطيات النقد الأجنبي في مصر إلى 50.215 مليار دولار خلال نوفمبر الماضي، محققًا أعلى مستوى تاريخي له، مقابل 47.109 مليار دولار في ديسمبر 2024، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي.
فيما قفز صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي إلى 22.66 مليار جنيه في أكتوبر الماضي، مقابل 5.225 مليار دولار بنهاية 2024.
واستخدم البنك المركزي أدوات غير تقليدية لضبط سوق النقد الأجنبي، حيث لعب دورًا في إدارة السيولة بالجنيه بما يقلل من المضاربات على الدولار، وتحسين كفاءة سوق الإنتربنك لتسعير العملة بشكل عادل، مع تحرير نسبي لقيود الاستيراد بشكل مدروس، لتقليل الطلب المكبوت الذي كان ينفجر دفعة واحدة.
وانعكس استقرار سعر الصرف إيجابيًا على البنوك من خلال، انخفاض مخاطر تقلبات العملة، وتحسن قدرة البنوك على التخطيط الائتماني، وتراجع الدولرة داخل الجهاز المصرفي، وتحسن تقييمات الجدارة الائتمانية للبنوك.
وشهد عام 2025، استقبال تحويلات المصريين العاملين بالخارج من خلال منظومة التحويل اللحظي “إنستاباي” ما ساعد على قفز التحويلات واستقبالها خلال القنوات الرسمية.
وحققت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تدفقات قياسية خلال أول 10 أشهر من العام الحالي، لتسجل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2024، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.







