2.3 تريليون دولار إصدارات جديدة كأعلى مستوى خلال 4 سنوات
سجلت الإصدارات الصينية من الأوراق المالية المدعومة بالأصول مستويات غير مسبوقة العام الحالي، في وقت تكافح فيه الحكومات المحلية التي تعاني شح السيولة لسد فجواتها المالية.
وبحسب بيانات مزود المعلومات «ويند»، بلغ عدد الصفقات في الصين التي شملت بيع أوراق مالية مدعومة بالأصول، وهي أدوات مالية تستند إلى تدفقات الإيرادات الناتجة عن مجموعة من الأصول الأساسية مثل إيجارات العقارات أو عقود التأجير، نحو 2,386 صفقة حتى 24 ديسمبر، متجاوزا الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2021.
قال وسيط صيني يقدم الاستشارات للشركات بشأن إصدارات الأوراق المالية المدعومة بالأصول، إن زيادة عدد الصفقات هذا العام جاء مدفوعاً بالسلطات على مستوى المقاطعات وما دونها.
أظهرت بيانات «ويند» أن القيمة الإجمالية لإصدارات الأوراق المالية المدعومة بالأصول الجديدة في البلاد بلغت 2.3 تريليون دولار، وهو أعلى مستوى في أربع سنوات.
تأمل الحكومات المحلية المثقلة بالديون أن تساعد هذه المبيعات في حل مشكلات السيولة الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد وأزمة سوق العقارات، إلى جانب توفير تمويل لاستثمارات جديدة تمكنها من تحقيق مستهدفات النمو التي تضعها الحكومة المركزية.
غير أن الاندفاع نحو توريق الأصول، والتي يبدو أن بعضاً منها ينطوي على قيمة أساسية شديدة الغموض، يثير في حد ذاته تساؤلات حول استدامة أوضاع المالية العامة للحكومات المحلية الصينية على المدى الطويل.
ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية أن حجم الحاجة إلى السيولة بلغ درجة دفعت أحد القادة المحليين، لي ديانشون، حاكم مقاطعة هوبي في وسط الصين، إلى صياغة شعار يقول: «حول كل مورد مملوك للدولة يمكن تحويله إلى أصل، وكل أصل مملوك للدولة يمكن تحويله إلى ورقة مالية، واستفد من كل أموال مملوكة للدولة يمكن الاستفادة منها».
قال يو بين فو، نائب الرئيس والمحلل الأول في «موديز ريتينجز»، إن «هذه الحملة الناشئة تعكس الحاجة المتزايدة لدى الحكومات المحلية للتعامل مع تراكم الديون والضغوط المالية».
تواجه الحكومات المحلية في الصين ضغوطاً منذ جائحة كوفيد-19، التي ألحقت أضراراً جسيمة بمالياتها.
كما أدى تشديد الحكومة المركزية في بكين، القيود على مديونية شركات التطوير العقاري إلى تراجع مبيعات الأراضي، التي كانت في السابق مصدراً حيوياً للإيرادات بالنسبة لسلطات المقاطعات والمدن.
عبء الديون المحلية يقفز إلى 84% من الناتج المحلي الإجمالي
بحسب أرقام صندوق النقد الدولي الصادرة العام الماضي، ارتفع الدين الرسمي للحكومات المحلية مضافاً إليه الاقتراض عبر آليات التمويل خارج الميزانية، التي تجمع الأموال وتنفّذ مشروعات البنية التحتية نيابةً عنها، إلى نحو 84% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بنسبة 62% في عام 2019.
ساعدت بكين في تسوية الديون المستحقة على آليات تمويل الحكومة المحلية وتحسين أوضاع السيولة من خلال برنامج لمبادلة الديون بقيمة 1.4 تريليون دولار، إلا أن الالتزامات المرتبطة بهذه الآليات لا تزال ضخمة، وتقدر بنحو 10 تريليونات دولار، بحسب محللين.
وقال روبن شينج، كبير اقتصاديي الصين في «مورجان ستانلي»: «تريد بكين الضغط على الحكومات المحلية لتحقيق قيمة من أصولها المملوكة للدولة وجعلها أكثر كفاءة».
وأضاف أن «العديد من الحكومات المحلية تمتلك بالفعل أصولاً مملوكة للدولة، لكن كثيراً منها لا يُدار بالطريقة الأكثر كفاءة لتحقيق إيرادات».
يُعد إعادة تغليف هذه الأصول في صورة أوراق مالية مدعومة بالأصول خياراً جذاباً للسلطات المحلية، إذ يسمح لها بتقديم الدخل المتوقع تحقيقه في المستقبل مقدماً، مع الاحتفاظ بالملكية الحكومية.
وقاد لي، جهود تحويل الأصول المعطلة إلى سيولة خلال منصبه السابق نائباً لحاكم مقاطعة هونان المجاورة.
في ظل قيادته، بدأت هونان، إعادة توظيف المساحات أسفل الجسور وغيرها من العقارات غير المستخدمة كمرافق عامة، مثل مناطق انتظار السيارات والملاعب الرياضية.
وخلال الفترة من 2022 إلى 2024، أسهم برنامج لي بنحو 11% من إجمالي الإيرادات المالية لهونان، وفقاً لبيانات رسمية.
بحلول نهاية العام الماضي، كانت هوبي قد أعدت جرداً لأصول مملوكة للدولة يمكن توريقها محتملةً بقيمة 21.5 تريليون يوان (3.06 تريليون دولار)، كما أعدت مقاطعة غوانغدونغ الجنوبية ومقاطعة آنهوي في وسط البلاد جرداً مماثلاً.
وفي حين توفر أوراق الدين المدعومة بالأصول الصادرة عن السلطات المحلية ضماناً ضمنياً من الدولة للمستثمرين، ومعظمهم مؤسسات مدعومة حكومياً مثل البنوك وصناديق إدارة الثروات وشركات تداول الأوراق المالية، فإن محللين أعربوا عن مخاوفهم بشأن جودة الأصول الأساسية.
قال الوسيط الصيني: «تم بيع أو توريق معظم الأصول عالية الجودة في وقت مبكر، ولم يتبقَ سوى أصول أقل جودة. ومع تعرض مالية الحكومات المحلية لضغوط، تستكشف السلطات كل السبل الممكنة لخفض الديون».
فعلى سبيل المثال، باعت مجموعة النقل العام المملوكة للحكومة في مدينة ووهان، عاصمة هوبي، في وقت سابق من هذا العام الشريحة الأولى بقيمة 600 مليون يوان من إجمالي مخطط يبلغ 4 مليارات يوان من الأوراق المالية المدعومة بأصول الشركة المشغلة لجميع خطوط الحافلات المنتظمة في المدينة.
غير أن شركة الحافلات تتكبد خسائر صافية، تعمقت إلى 821 مليون يوان في النصف الأول من عام 2025، مقارنة بخسارة قدرها 13 مليون يوان طوال العام الماضي.
ويجري تداول السندات لأجل 10 سنوات حالياً بأقل بنحو 5% من قيمتها الاسمية.
في حالة أخرى، باعت مجموعة مملوكة للدولة في ووهان أوراقاً مالية مدعومة بالأصول تستند إلى مشروع تطوير عقاري كان يعاني سابقاً، وهو مبنى «هونجشان للذكاء الاصطناعي»، بقيمة 300 مليون يوان العام الماضي.
وادعت المجموعة أنها من خلال إضافة خصائص غير محددة للذكاء الاصطناعي، حولت البرج من مبنى بنسبة إشغال 30% إلى مركز للذكاء الاصطناعي يضم ثلاثة أضعاف عدد المستأجرين، من بينهم 60 شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.
في حالة أخرى، حوّلت مجموعة «بيشوي» المملوكة لحكومة مدينة ووهان، غرفةً سابقةً لتصريف الفيضانات تحت الأرض إلى مركز لإقامة حفلات الزفاف، وهي خطوة تنسجم مع برنامج لي القائم على «تحويل كل مورد مملوك للدولة يمكن تحويله إلى أصل».
يضم المرفق متنزهاً يحمل اسم «منتزه مونيه» على ضفة النهر لإقامة الولائم، إلى جانب قاعة استقبال تحت الأرض على طراز سلالة تانغ.
قال محللون إن لجوء الحكومات المحلية إلى سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول يوفر قناة تمويل جديدة، في وقت يجعل فيه تباطؤ الاقتصاد المحلي في الصين جمع الأموال أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
لكنهم حذروا أيضاً من أن توريق مشروعات منخفضة الجودة قد يحولها إلى مصدر جديد للهشاشة المالية بالنسبة للحكومات المحلية، التي أنفقت بكين بالفعل مبالغ ضخمة لإنقاذها.
وفي مرفق حفلات الزواج في هوبي، على سبيل المثال، لم يكن هناك أي زبائن داخل المنشأة الواسعة خلال زيارة حديثة، وتشهد حالات الزواج في هوبي تراجعاً، في انعكاس للانخفاض الديموغرافي الأوسع في أنحاء البلاد.
وقال مصور يعمل في استوديو تصوير حفلات الزفاف داخل المنشأة: «كانت ذروة الإقبال قبل عام 2022. الآن، بعد كوفيد وضعف الاستهلاك، أصبح الناس أقل ميلاً للإنفاق بسخاء على حفلات الزفاف».








