يدخل قطاع التمويل الاستهلاكي في مصر، العام الجديد 2026 ، وسط حالة من التفاؤل الحذر، مدفوعًا بمزيج من العوامل التنظيمية والاقتصادية التي أعادت رسم خريطة التمويل غير المصرفي خلال السنوات الماضية.
فرغم الضغوط التي فرضتها معدلات التضخم المرتفعة وتآكل القوة الشرائية للأفراد خلال الفترة الماضية، فإن التمويل الاستهلاكي نجح في ترسيخ مكانته كأحد الأدوات الرئيسية لدعم الطلب المحلي، وسد الفجوة بين الدخول المتاحة واحتياجات الاستهلاك، سواء للسلع المعمرة أو الخدمات الأساسية.
وتُظهر أحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية، أن نشاط التمويل الاستهلاكي واصل تسجيل معدلات نمو قوية في قيمة التمويلات وعدد العملاء، ما يعكس اتساع قاعدة المستفيدين من هذا النشاط، وتحوله من سوق محدود إلى نشاط جماهيري يخاطب شرائح واسعة من المجتمع.
هذا النمو، وفق مراقبين، لم يكن وليد طفرة مؤقتة، بقدر ما جاء نتيجة تطور الإطار التشريعي، وانضباط السوق، وتزايد وعي المستهلكين بأدوات التمويل المرن.
ويتوقع المتعاملون، أن يشهد قطاع التمويل الاستهلاكي استمرار معدلات النمو، خلال 2026 ، مدعومًا باتساع قاعدة العملاء، وتطور الأدوات الرقمية، واستقرار الإطار الرقابي. لكن هذا التفاؤل يظل حذرًا، في ظل ارتباط أداء القطاع بتطورات الاقتصاد الكلي، ومستويات الدخل، وقدرة المستهلكين على الوفاء بالتزاماتهم.
الإطار التشريعي يدعم الاستدامة
قال سعيد زعتر، رئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي، إن عام 2026 سيشكل نقطة تحول مهمة في مسار نمو القطاع، مدفوعًا باستقرار الإطار التشريعي والتنظيمي الذي أقرته الهيئة العامة للرقابة المالية خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح أن القواعد المنظمة للنشاط أسهمت في خلق بيئة أكثر انضباطًا، توازن بين حماية حقوق العملاء وتشجيع الشركات على التوسع.
وأشار زعتر، إلى أن التوسع في منح التراخيص لشركات جديدة عزز مستويات المنافسة داخل السوق، وهو ما انعكس إيجابًا على جودة الخدمات، وتنوع المنتجات التمويلية المعروضة، سواء من حيث مدد السداد أو آليات التقييم الائتماني.
وأضاف أن التنظيم الجيد للسوق كان عاملًا حاسمًا في تجنب التوسع العشوائي في الإقراض، والحفاظ على معدلات تعثر منخفضة مقارنة بأنشطة تمويلية أخرى.
التحول الرقمي يوسع قاعدة العملاء
يلعب التحول الرقمي دورًا محوريًا في دعم نمو قطاع التمويل الاستهلاكي، وفقًا لرئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي، الذي أكد أن اعتماد الشركات على المنصات الرقمية والتكامل مع شركات التجارة الإلكترونية أسهم في الوصول إلى شرائح جديدة من المستهلكين، خاصة فئة الشباب.
وأوضح زعتر أن الحلول الرقمية لم تقتصر على تسريع إجراءات الحصول على التمويل، بل شملت أيضًا تطوير أدوات أكثر دقة لتقييم الجدارة الائتمانية، ما ساعد الشركات على التوسع بأمان، وتقليل المخاطر المرتبطة بالمنح. كما أسهمت هذه الأدوات في تحسين تجربة العميل، وتحويل التمويل الاستهلاكي من عملية معقدة إلى خدمة سهلة وسريعة.
تحسن متوقع في المتغيرات الاقتصادية
ويرى زعتر ، أن التوقعات بتحسن تدريجي في معدلات التضخم وأسعار الفائدة خلال 2026 من شأنها أن تدعم الطلب على التمويل الاستهلاكي، لا سيما مع زيادة قدرة الشركات على تصميم منتجات تمويلية مرنة تتناسب مع القدرات الشرائية المختلفة. وأشار إلى أن التمويل الاستهلاكي بات أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي، خاصة في قطاعات السلع المعمرة، والتعليم، والخدمات الصحية، التي تمثل أولوية لدى شريحة كبيرة من المواطنين.
معدلات تعثر منخفضة تعزز الثقة
أكد رئيس الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي، أن معدلات التعثر في قطاع التمويل الاستهلاكي استقرت عند مستويات تتراوح بين 2% و3%، وهي من أدنى المعدلات مقارنة بالعديد من الأنشطة التمويلية الأخرى. واعتبر أن هذه النسب تعكس انضباط السلوك الائتماني لدى العملاء، وقدرة الشركات على التقييم الدقيق للمخاطر، إلى جانب الرقابة الفعالة من الهيئة العامة للرقابة المالية.
وأضاف أن الحفاظ على هذه المستويات المنخفضة من التعثر يمثل عنصرًا حاسمًا في استدامة النمو، خاصة في ظل التوسع السريع في حجم السوق وعدد المستفيدين.
تغيير الثقافة السائدة حول مفهوم التقسيط
من جانبه، يرى محمد الفقي، الشريك المؤسس لمنصة «سيمبل» للشراء الآن والدفع لاحقًا (BNPL)، أن النمو الحقيقي والمستدام لقطاع التمويل الاستهلاكي في مصر بات مرهونًا بتغيير الثقافة السائدة حول مفهوم التقسيط. وأوضح أن التقسيط لا ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره أداة مخصصة فقط للأشخاص ذوي القدرات المالية المحدودة، بل كسلوك مالي واعٍ تتبناه مختلف الشرائح الاجتماعية.
وأشار الفقي إلى أن فكرة تأجيل الدفع أو تقسيمه لم تعد تعكس ضعف القدرة الشرائية، بقدر ما تعبر عن إدارة ذكية للسيولة، لافتًا إلى أن هذه الثقافة أصبحت راسخة في العديد من الأسواق العالمية، حيث يفضل المستهلك الاحتفاظ بالكاش أو توجيهه للاستثمار، بدلًا من استهلاكه دفعة واحدة.
أضاف أن الأجيال الجديدة أكثر تقبلًا لنماذج الدفع المرن، وتتعامل معها كجزء من نمط الحياة وليس كحل اضطراري، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة أمام نمو منصات الشراء الآن والدفع لاحقًا. وأكد أن هذه المنصات لعبت دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الثقافة المالية، من خلال تقديم حلول تمويلية شفافة وسريعة، دون تعقيدات مصرفية تقليدية.
نمو منضبط لا توسع عشوائي
وأكد أحمد أسامة، الرئيس التنفيذي لشركة «درايف للتمويل» وعضو مجلس إدارة اتحاد التمويل الاستهلاكي، أن النمو الذي يشهده النشاط يقوم على منح مدروس وإطار رقابي صارم، وليس توسعًا عشوائيًا في الإقراض.
وشدد على أن التمويل الاستهلاكي بات أحد الأعمدة الرئيسية للتمويل غير المصرفي في الاقتصاد المصري.
أوضح أسامة أن النشاط ليس وليد اللحظة، بل يمثل امتدادًا لتطور تدريجي بدأ منذ ستينيات القرن الماضي، قبل أن يشهد قفزة نوعية مع صدور قانون تنظيم نشاط التمويل الاستهلاكي في عام 2020، والذي شكّل نقطة تحول حقيقية في مسار السوق.
دور اجتماعي واقتصادي متزايد
ولفت إلى أن التمويل الاستهلاكي يلعب دورًا محوريًا في سد الفجوة الناتجة عن تراجع دخول الأفراد، عبر إتاحة آلية التقسيط لتلبية احتياجاتهم، مؤكدًا أن النشاط لا يقتصر على السلع الترفيهية، بل يمتد إلى الخدمات الصحية والتعليمية، إضافة إلى الاحتياجات الضرورية التي قد يواجهها المستهلكون في ظروف طارئة.








