بقلم: ريتشارد بانكس
يعد شهر رمضان مناسبة رائعة للتأمل ومراجعة النفس واستلهام آراء ووجهات نظر جديدة فى الحياة. إن هذا الشهر الكريم من الأوقات الخاصة جداً فى مصر، والتى يستمتع بها الأجانب كثيرا، وأنا واحد منهم.
من ناحية أخرى، تتجلى مظاهر الكرم لدى المصريين خلال شهر رمضان فى أبهى صورها حتى الساعات الأولى من الصباح.
لقد شرفت خلال الأسبوع الماضى بلقاء عدد كبير من رجال الأعمال المصريين، وكبار العاملين فى الدولة ورجال السياسة والمال، إلى جانب عدد من المستثمرين الأجانب. وقد كان لهذه اللقاءات ردود أفعال إيجابية، فكل من قابلتهم يؤمنون بخصوصية الاستثمار فى مصر، وكذلك يثنون على قوة الشعب المصرى وقدرته على التحمل. وقد أكد لى معظم من قابلتهم على إيمانهم التام بقدرة مصر على أن تتبوأ المكانة الاقتصادية التى تستحقها على المستويين الإقليمى والعالمى، إلا أنهم اختلفوا بشكل كبير فى تحديد الإطار الزمنى الذى يمكن أن يتم خلاله هذا التغيير، وكذلك اختلفوا على الأحداث التى يمكن أن تقع وتؤثر على تلك المسيرة خلال الفترة القادمة.
ومن ناحيتى، فإننى أؤمن أيضا بما يؤمنون به، ولكننى أعرف أن الستة أشهر القادمة تعد الأهم والأخطر فى مسيرة مصر الاقتصادية وذلك منذ وقوع الثورة المصرية فى يناير 2011 وحتى الآن.
إلا أن الشىء المؤكد أن الاقتصاد المصرى لم ينهر، فالجنيه المصرى مازال مستقراً، والبنوك والمؤسسات الحكومية مازالتا تتمتع بملاءة مالية، ومازالت معظم مؤسسات الأعمال والشركات تعمل «ليس كلها بالطبع»، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه: إلى متى يمكن أن تسير الأمور على هذا المنوال؟
ففى مصر يوجد الآن رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء ومجلس للوزراء، ولم تعد هناك مصطلحات من قبيل “الحكومة المؤقتة” أو “حكومة تسيير الأعمال” أو “القائم بالأعمال”. هكذا هو الوضع الآن فى مصر، فقد حان الوقت للعمل، فالشعب المصرى على موعد مع التوقيع على اتفاقية جديدة لقرض كبير من صندوق النقد الدولى، بما يسمح بإعادة تدفق الاستثمارات الأجنبية فى شرايين الاقتصاد المصرى مرة أخرى. لقد حان الوقت للقيام بإصلاحات حقيقية للاقتصاد المصرى، مع تطبيق سياسات برجماتية واقعية للتحرر الاقتصادي. إن تركيز الشعب المصرى والحكومة يجب أن ينصب بالدرجة الأولى على الاقتصاد، وإلا فإن البديل- على أفضل التقديرات- هو المزيد من الركود الاقتصادى، والأسوأ هو وقوع مصر فى أزمة اقتصادية كبرى لا يُعرف مداها.
إن مصر شعباً وحكومة يدركون جيدا أنهم غير قادرين بمفردهم على تخطى تلك الظروف التى تمر بها البلاد حاليا، فمصر ليس لها اختيار العزلة الاقتصادية كبديل للنمو والاستمرار، وتلك حقيقة إيجابية يجب أن نستغلها للمضى قدما. ففى النهاية ستقوم مصر بتبنى سياسات اقتصادية منفتحة تشجع الاستثمار وتحقيق نمو حقيقى لسوق الأعمال (الأعمال بمعناها الحقيقى وليست المضاربات السوقية). إن الحل الوحيد الذى يضمن لمصر الخروج من أزمتها الراهنة على المستويين السياسى والاجتماعى، هو بناء اقتصاد قوى يقوده القطاع الخاص.
إننى أتمنى من كل قلبى أن تقوم مصر بالتحرك الجماعى والسريع لبث رسالة طمأنة للعالم فيما يتعلق بمستقبلها الاقتصادي. وهناك أكثر من سبب وقناعة تجعل من مصر أقدر الدول العربية على بناء اقتصاد حديث وتنافسى ومتنوع وعادل. وبالطبع لن تتمكن مصر من القيام بذلك بسهولة وسرعة، ولكن إذا كانت هناك رؤية حقيقية، وقيادة رشيدة والتزام لدى الجميع، فإن بداية تحقيق هذا الحلم ستتحقق بشكل فورى. وعلى العكس من ذلك، إذا كان هناك تخاذل وتأجيل وتسويف، فإن الموقف الاقتصادى فى مصر سيزداد سوءا، بما يهدد حدوث انهيار اقتصادى، الأمر الذى سيعجل بظهور سياسات اقتصادية رشيدة فى النهاية.






