الله يكون فى عون وزيرات مالية مصر، فقد حرمهن غلاء الأسعار، وجشع التجار من النوم، بعد ان تفرقت ميزانية الأسرة بين الغذاء والعلاج والدروس الخصوصية!
كل صباح تسأل ربة المنزل نفسها: كيلو اللحمة بكام؟.. والدروس الخصوصية بكام؟.. والعلاج بكام؟.. والمواصلات بكام؟ والخضار بكام؟ وفاتورة الكهرباء والميه بكام؟.. وفى النهاية تجد نفسها «محتارة»، المرتب بيخلص فى أول عشرة أيام من الشهر.. وبعد حسبة معقدة لا تجد أمامها سوى الصبر على «بلاء» الأسعار، ولسان حالها يقول للحكومة: «اتقوا الله.. حرام عليكم»!
«مارجريت» امرأة عاملة بإحدى المصالح الحكومية تعمل لمساعدة زوجها فى متطلبات الحياة التى أصبحت سيئة للغاية، خصوصا بعد غلاء الأسعار الذى أصبح بلا مبرر فى الفترة الأخيرة وتقول:
أنا وزوجى نعمل، ولا نكفى احتياجاتنا اليومية، ولدينا 4 أولاد منهم اثنان بالجامعة وبالثانوية العامة، واثنان بالابتدائية منين هنصرف عليهم فى الغلاء اللى احنا عايشينو ده!.. كيلو اللحمة لوحده بـ70 جنيهاً اذا جبناه أصلاً احنا بطلنا نجيبها من زمان عايشين على اللحوم المجمدة والفراخ البيضاء وأقل طبخة بيها بتكلفنى 100 جنيه.. وعلشان أطبخ مرة واحدة فى الأسبوع بـ100 جنيه هو المرتب فيه كام.. دا كمان لو طبخنا لحوم مستوردة.
وتتذكر مارجريت زمان لما الواحد يكون معاه 100 جنيه ينزل يجيب طلبات البيت كله دلوقتى بتتفك وتضيع من غير ما تستفيدى منها كأنها 10 جنيه ولا ليها لازمه!.
دا طبعا غير مصاريف بنتى اللى فى الثانوية العامة بتأخذ دروس بمبلغ وقدره هى لوحدها عايزه مصاريف تجهيز عروسة مش مصروف بيت!.. مع أنهم بيقولوا انه تعليم مجانى بس بتدفعى الدروس الخصوصية وطلبات المدرسين اللى مبتخلصش المفروض يتقوا الله فينا شوية هما كمان أولياء أمور زينا نجيب لهم منين فى الغلاء اللى احنا عايشين فيه!
وعن تطبيق الحدين الأدنى والأعلى للأجور تقول مارجريت: الحد الأدنى ضئيل جدا بالنسبة لزيادة الأسعار الموجودة حالياً فأنت محتاجة قده مرتين علشان يقدر أى شخص يعيش كويس زى باقى الناس ما هى عايشة!.. واذا فرض إن أحد الأولاد مرض فأقل كشف للدكتور بيكون 50 جنيهاً وتدفعى نص المبلغ عند الاستشارة غير مصاريف العلاج يعنى علشان أعالج ابنى كويس مش عايزة أقل من 200 جنيه.. بالذمة ده يرضى مين؟
ولو اضطرتك الظروف لعلاج ابنك فى التأمين الصحى فالمستشفيات فى حالة سيئة والرعاية زى الزفت دا طبعا اذا استقبلوكي، وكما يطلبوا منك تيجيبى كل حاجة من بره على حسابك الخاص، يبقى فين الدعم اللى بتقدمه الحكومة للمستشفيات الحكومية بيخرج ازاى بيروح لمين.. محدش عارف!
بعد لحظات من الحزن والصمت تقول مارجريت: احنا سيبنها تمشى ومش عارفين مشية ازاي.. اللى جاى مش مكفى المطلوب وفى ناس تانيه عايشة وبتأكل أحسن أكل وشرب ولبس وبترمى منه فى الزبالة، وناس بتشتغل زى البقرة فى الساقية ليل نهار ومش مكفية قوت عيالها، مش بتفكر فى بكره وبتحاول تعمل حاجة لعيالها.
كنا الأول بنقول الحمد لله، إحنا أحسن من غيرنا كتير، على الأقل عايشين كويس دلوقتى كله واحد مبقاش فيه طبقة وسطى بقى فيه غنى وفقير.. كلنا تحت خط الفقر.. قلنا عايزين حسنى يمشى وهنعيش كويس بس أيامه كانت أحسن بكتير.. آه كان بيسرقنا بس كنا عايشين فى أمان، ولاقيين نأكل ونشرب لكن دلوقتى الله أعلم بينا وبحالنا.
المأساة ذاتها ترويها أم يوسف، وهى امرأة عاملة وتقول: أنا دلوقتى بجيب الحاجة على القد بالضبط، حتى الأمور وصلت إلى أقل الأشياء كنت الأول بتعملى طبق السلطة فيه كل حاجة دلوقتى لو عملتيه هتحطى فيه الطماطم والخضرة وخيار بالكتير، وبتعملى طبق واحد بعدما كان أهم حاجة على الأكل! دا حتى حزمة الخضرة بقت بـ25 قرشاً يعنى علشان تعملى حلة محشى لازم تحسبيها كويس، هى هتتكلف كام؟ وأجيب بـ7 جنيه خُضرة علشانها يبقى بلاش منها أحسن، والله أنا لو عملتها بحط 4 حزمات بس، ومش مهم طعمها عامل ازاى ده غير سعر الأرز والطماطم اللى بقى سعرها ثابت على 3 جنيهات ونص أو 4 جنيهات بعدما كانت بـ65 قرشاً!
دى أقل حاجة ممكن تعمليها وسط الاسبوع والله أنا مش باكل اللحمة غير فى العيد لما بيكون لكى جار ذابح أو زميل، ويبعتلك غير كده أنا مبشتريهاش دى عايزة ميزانية لوحدها أو مرتب موظف علشان تاكليها مرة فى الشهر، حتى اللحوم السودانية الموجودة فى الشوادر، والجمعيات بيكون سعرها مناسب لينا «37 جنيهاً» لكننا مش بنلاقيها بيسرقها الجزارين، ويبعوها على أنها لحمة بلدي، ويحطوا فرق السعر فى جيبهم وتسأل: فين دور وزارة التموين للرقابة على السلع الغذائية وتحديد الأسعار؟
وبأسى شديد تقول أم يوسف: والله الناس بقت ماشية بتكلم نفسها من الغلاء الفاحش للتجار اللى ملهوش مبرر غير أنهم بيعملوا اللى على مزاجهم بسبب غياب الأمن والرقابة عليهم.
تركنا أم يوسف وذهبنا إلى الدكتورة رنا أستاذة بجامعة الأزهر، سألناها عن رأيها فى حالة الغلاء التى أصبحت فى كل شيء سواء سلع غذائية أو أى مستلزمات أخرى فقالت: الغلاء ليس له قانون يحكمه، حتى مبقاش زى الأول، الزيادة تكون فى وقت العلاوة ويمكن قبلها بكام يوم، وبتكون الزيادة فى الأسعار أكثر من علاوة الحكومة، وفى أوقات كثيرة جدا بتختفى السلعة التجارية، وبترجع أغلى من الأول يعنى على رأى التجار بنعطش السوق، ولكن تعطيش السوق بيكون على حساب الناس الغلابة اللى ربنا يكون فى عونهم، والله أعلم الناس دى عايشة إزاى لما احنا موظفين وبشتغل أنا وزوجى ومش مكفيين ويدوب الدنيا مشية بالعافية، أما الناس اللى بتشتغل باليومية تعمل إيه وهى على باب الله يوم فيه ويوم لا!!
بالنسبة ليا والكلام مازال للدكتورة رنا غلاء الأسعار عن طريق البحث عن المحال التجارية الكبرى أو العروض الشهرية التى تقوم بها بعض المحال التجارية، وبجيب متطلبات الشهر كله ومش بلجأ إلى السوبر ماركت العادى إلا فى حالة الضرورة لشراء غرض أو اثنين على الأكثر.. حتى هذه العروض لم تعد مثل الأول أن كنت بتشترى واخد خصم 25% من ثمنها الفعلى أو بشراء سلعة والأخرى مجاناً، وبذلك بوفر 50% من الثمن، أما الآن فالعرض يكون عن طريق المحال الجديدة التى تقوم بعمل «هارد هى سكونت» بتخفيض الأسعار 25 قرشاً عن الأماكن الأخري، ودى وسيلة ضعيفة لمواجهة الغلاء ولكنها لا تفيد إلا فى حالة شراء كميات كبيرة فيكون بتوفير 40 جنيهاً على الأكثر.
أما مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم فقد حاولت مواجهتها عن طريق الجمعيات الاستهلاكية ولحوم الشوادر هناك بيكون سعرها مناسب فهى لا تتعدى 40 جنيهاً ولكنها فى الغالب لحوم سودانية وتكون ظروف التخزين بها سيئة ومعرضة للتلوث بشكل بشع، واحنا جربنا أكثر من مرة وكان طعمها غير مقبول لدرجة أنى رمتها.
الجزء الأكبر من ميزانية المنزل ـ كما تقول الدكتورة رنا ـ فيذهب للتعليم والدروس الخصوصية اللى بتاخد نصفها تقريبا، وليس لها حل ولابد من دفع المصروفات والدروس الخصوصية وطلبات المدرسين، وفى حالة عجز الميزانية بعالجه عن طريق الأكل بطبخ مرة واحدة وباقى الأسبوع أكلات عادية أو بنضطر إلى الاستدانة من راتبى لسد العجز كنا الأول بنعمل الجمعيات أو بنترك جزء على جنب للظروف ولكن الآن اللى جاى أقل من المطلوب وفى الغالب تضطرى إلى الاستدانة.
وتتمنى د. رنا أن يطبق الحد الأدنى للأجور ولكن لابد من معالجة المشكلة بين تطبيق الحد الأدنى وبين زيادة الأسعار والاثنين محتاجين حل ومن الطبيعى أن تكون زيادة الأسعار مرتبطة بسعر تكلفة السلعة ونقلها والضرائب وهامش ربح التاجر، وليس له علاقة بالشخص اللى قدامك بيقبض أد إيه ولكن المشكلة أن التجار عندهم حالة من الجشع، وعدم الانضباط والفساد لدرجة انهم بيقولوا لبعضهم: لا إزاى ياخدوا فلوس زيادة، أنا أولى بيها ويضيف الزيادة على البضائع حيث إن اللى كان يشترى بـ 200 جنيه يشترى بـ 225 وكده تكون العلاوة راحت!.
ولابد من فك الارتباط بين زيادة المرتبات وارتفاع أسعار البضائع لانه لا توجد علاقة عقلانية أو اقتصادية بينهما، ولكنها بقت عادة للتجار فى ظل غياب الرقابة والضمير المفروض إنك ملكش دعوة أنا بقبض كام.
قالت أم أحمد، بائعة الجبنة: الزيادة فى الأسعار أثرت على عملها بشكل كبير، فبدل ما بتاخد ست البيت كيلو أو اثنين، دلوقتى بتاخد نص كيلو بس على القد، الدنيا غالية أوى والناس حالتها بقت على القد والبيع والشراء مش زى الأول.. بس إحنا ممشيينها ببركة ربنا، يوم فيه ويوم لا، والأنبوبة مش موجودة بستعملها بحرص شديد لدرجة إن إحنا بنطفى على الشاى قبل ما يغلى!، لو حسبناها بعقل هتخرب..
دى ماشية ببركة الرب، دى أول جملة قالتها ماريان عن تصريف ميزانية المنزل حتى أسعار الكهرباء، والمياه زادت جداً، الموظف مهما كان مرتبه محدود ولو ادولك جنيه بياخدوا قدامه 10، زمان كنا بننزل بـ 20 جنيهاً ممكن تكفى أكله، دلوقتى بننزل بـ 100 جنيه، يدوب تكفى أكله.. المرتب فيه كام مية جنيه لو بتخدى ألف بتصرفيها فى 10 أيام، وبقية الشهر مفيش.. والأولاد اللى فى المدارس بقوا مشكلة، وأقل طبخة دلوقتى بـ 70 جنيهاً، وكمان لحمة مجمدة شوف الخضار والطماطم بقت بكام والدروس الخصوصية ميزانية لوحدها، المادة 300 جنيه بس، 4 حصص فى الشهر، والدخل زى ما هو، كنا بنقول فيه طبقة متوسطة بقينا تحت خط الفقر.
ولما كنا بنقول أنا باخد 500 جنيه مرتب كان مرتب كبير، دلوقتى الألف جنيه كأنها 100 مبتكفيش حاجة حتى الأكل الصيامى غالى، العدس بـ 12 جنيهاً، يبقى الموظف غلبان.. ليه الخفير ميبقاش زى المدير؟.. مش لازم نفرق دا زى دا، كلنا عندنا أولاد، مش لازم نميز الناس، ليه لازم أدور على أقل الأسعار علشان أجيب أكل لا تأكله البهائم، وغالى والفلوس اللى بتتصرف على الدعايات ما تتصرف على حد غلبان أحسن، وينظفوا الشوارع اللى جابت لنا الوباء!.
وتضيف: الرئيس قال خلال 100 يوم هعمل كذا وكذا، ومعملش حاجة، أنا كنت بدفع 18 جنيهاً للكهرباء دلوقتى بدفع 100 جنيه.. حرام لما أدفع ده كله للكهرباء بس.. وكمان أدفع للمدارس والعلاج.. منين؟.. إحنا مش عايزين كلام وشعارات إحنا عايزين أفعال.. إحنا عايشين ببركة ربنا ولو شال بركته مش هنعيش!.
الصورة لا تختلف كثيراً لدى «أ.س» وهى ربة منزل، لكنها بدأت حديثها بحمد الله.. وقالت إحنا كأسرة مش من هواة اللحمة، لكننا نعتمد على الفراخ أو السمك كبدائل لها، ولكنها أيضاً فى زيادة مستمرة، فلو هعمل وجبة بانيه بس هتكلفنى 50 جنيهاً، المرتب فيه كام خمسين علشان تشترى بس جبن مستلزمات الساندوتشات مش أقل من 250 جنيهاً أسبوعياً.
كتبت – رحاب صابر







