بقلم: عزالدين شكرى فشير
تبدو الاضطرابات الحالية التى تشهدها مصر ما هى إلا رد فعل لاغتصاب السلطة فى مجتمع مفتت ظاهرياً، ولكنها فى الواقع تسلط الضوء على مخاطر تجاهل التغييرات الجذرية التى غيرت ملامح المجتمع المصرى فى العقود الأخيرة. هذه التغييرات التى مكنت الثورة التى أطاحت بحسنى مبارك من منصبه منذ عامين من فتح الطريق أمام الإخوان المسلمين لتقلد السلطة، كما أنها سوف تحبط أى محاولة من قبل الحكام الجدد لتكرار استبداد النظام القديم.
كانت المرحلة الانتقالية ومازالت حتى الآن لعبة بين ثلاث قوى سياسية: الإسلاميين بقيادة الإخوان المسلمين من جهة، والليبراليين والقوميين الذين أداروا النظام القديم بدءاً من المؤسسات الأمنية للبرلمان والمؤسسات الاقتصادية، وعلى مدار عامين، احتشد الإخوان المسلمون البارعون فى التنظيم وبنوا تحالفات مع معسكر الليبراليين غير المنظم والمتراخى لاسقاط قادة النظام القديم، وكان انتخاب الرئيس محمد مرسى والإطاحة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمثابة تتويج لهذه العملية.
هذه اللعبة تغيرت الآن، فبمجرد أن وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم تبنوا مفهوما للديمقراطية لا يخدم أحداً سواهم، وانقلبت أى وعود سابقة بالمشاركة وتقاسم السلطة إلى الاستحواذ على جميع مؤسسات الدولة.
أكد هذا الطغيان مخاوف الليبراليين أن دعم الإخوان المسلمين لفترة انتقالية ديمقراطية لم يكن سوى وسيلة نحو تحقيق غايتهم وهى استبداد الإسلاميين، وأصبح الوقوف فى وجه الإخوان، بالنسبة للعديد من الليبراليين، بمثابة معركة من أجل بقائهم وبقاء الديمقراطية نفسها.
ولكن الحقيقة اكثر تعقيدا فنجد ان ثلاثة أرباع الشعب المصرى دون سن الخمسين ونصفهم دون الثلاثين من عمرهم، ولقد تم استبعاد هذه الأغلبية عن السياسة ولكنهم الآن محورها، فاحتجاجات التحرير من صنعهم، فهذه هى الأغلبية التى خلقت الزخم فى العملية السياسية وأعطت الحياة لأحزاب جديدة، وشاركت فى الانتخابات، لم يتم تنظيم هذا الجيل من الشباب داخل جماعة واحدة، ولكنك تجده داخل جميع معسكرات الدولة من المعارضة الليبرالية ومؤسسات الدولة إلى الجمهور بوجه عام وحتى وسط صفوف الإسلاميين.
من الممكن القول إن هذه الأغلبية لديها ثقافة سياسية مختلفة عن تلك التى يتبناها الحزب الحاكم، الرجال العواجيز الذين يقودون الحكومة والمعارضة، ترى هذه الأغلبية نفسها كمواطنين ناشطين، على الرغم من انهم قد يحملون الكراهية المألوفة تجاه القوى الأجنبية إثر المظالم التى عانوها فى الماضي، فإنهم يريدون رؤية مصر مزدهرة وتلعب دوراً فعالاً فى العالم.
وأدى عدم قدرة النظام القديم على التعامل مع تطلعات هذه الأغلبية حرمته من الدعم السياسى اللازم لبقائه، عدم قدرة النظام الجديد على فعل ذلك ليس أقل خيبة للآمال.
قد ينجح الإخوان المسلمون فى تدارك الأزمة الحالية رغم تجاهل الأحزاب الليبرالية ولكنهم سيرتكبون خطاءً فادحاً إذا استهانوا بمطالب التغيير من قبل الشباب الذين يمثلون الأغلبية، حيث أعطتنا الأحداث الأخيرة لمحة عن مدى إمكانية تدهور الموقف سريعاً وأسوأ ما يمكن ان يصل إليه، إذا لم يقتنع الإخوان المسلمون بضرورة تغيير مسارهم، سوف تنتقل مصر بسرعة الصاروخ إلى طريق طويل من عدم الاستقرار.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز








