بقلم: جدوين راتشمان
ضرب البنك المركزى الأوروبى بعصاته السحرية عندما تعهد بعمليات شراء غير محدودة للسندات السيادية، فى ذات سياق تعهد ماريو دراجي، رئيس البنك المركزى الأوروبي، باتخاذ كل ما يلزم لانقاذ اليورو ولكن أثناء ذلك تسببت العصا السحرية فى جرح عميق لشيء اكثر اهمية داخل أوروبا وهى الديمقراطية.
ونتيجة للاجراءات التى اتخذها المركزى الأوروبي، سيكتشف الناخبون من ألمانيا حتى إسبانيا ان القرارات الحيوية التى اتخذت بشأن سياسة الاقتصاد القومى لم يعد بامكانهم تغييرها داخل صناديق الاقتراع، ففى ألمانيا على وجه الخصوص أصبح هناك ادراك متزايد ان البنك المركزى الأوروبي، ذلك الكيان غير المنتخب والفخور باستقلاليته عن الحكومة، اتخذ قرارا سوف يخلف اثاراً عميقة على دافعى الضرائب الالمان، ولكن هذا القرار لن يتمكن أحد من تغييره.
كان يجب ان تحصل خطط الانقاذ السابقة على موافقة البرلمان وتخضع للمراجعة من قبل المحاكم الألمانية، وفى الواقع سوف تحكم المحكمة الألمانية العليا على دستورية خطة الانقاذ الاخيرة، ولكن قرار المركزى الأوروبى بالموافقة على شراء غير محدود من السندات محصنا من مثل هذه الرقابة الديمقراطية، فليس من حق البرلمان الالمانى ان يلغى قرار البنك، ونظرا لانه احدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فلا تستطيع المحاكم الألمانية مراجعة البنك المركزى الأوروبى ولا يمكن ذلك الا من خلال محكمة العدل الأوروبية.
قد تكون انجيلا ميركل، المستشاره الألمانية، اعطت موافقة ضمنية على قرار المركزى الأوروبى وصوت عضو ألمانى واحد فى مجلس ادارة البنك المركزى الأوروبى بالموافقة مع الاغلبية، الا ان استطلاعات الرأى وتعليقات وسائل الاعلام تشير إلى ان موقف السيد جينس ويدمان، رئيس البنك المركزى الألماني، الذى صوت ضد خطة شراء السندات، يعكس رأى اغلبية الشعب الألماني.
وقد أعلن البنك المركزى الالمانى أن الخطوة التى اتخذها المركزى الأوروبى غير قانونية وخطيرة وسينتهى الامر بدافعى الضرائب الالمان لتحمل ثمن هذا القرار.
ليس فقط الالمان لديهم مبرر لشعورهم بالقلق حيال الآثار المترتبة على الديمقراطية جراء ما فعله البنك المركزى الأوروبي، فمن اجل الدخول إلى القوة النارية غير المحدودة للمركزى الأوروبي، يتعين على الاسبان والايطاليين الموافقة على برنامج غير مستحب يشبه إلي حد كبير العلاج المفروض على مدمن مخدرات عنيد. فى الواقع ستضطر مدريد وروما إلى قبول رقابة مباشرة على ميزانياتها من قبل بروكسل وفرانكفورت على غرار نظام صندوق النقد الدولي، وهو ما سوف يفقدهما بشكل مهين السيادة القومية وفي ظل الركود العميق الذى تعانيه هذه الدول لن يدفع الناخبين الا نحو التطرف السياسي، مثلما حدث فى اليونان من تظاهر.
لماذا إذاً اتخذ دراجى هذا القرار؟ الاجابة هى انه يواجه بالفعل مشكلة عويصة، فقد كان من الواضح ان مئات المليارات من اليورو المخصصة لصندوق الانقاذ الأوروبى لم تنجح فى التصدى لخطر انهيار البنوك والتعثرات السيادية فى جميع انحاء منطقة اليورو، وتعرض المنطقة لكارثة مالية أخرى قد تؤدى إلى ركود آخر يتبعه تطرف سياسى وتهديد الديمقراطية داخل منطقة اليورو والذى يعد اكثر خطورة من قرار البنك المركزى الأوروبي.
وعلى النقيض، إذا عادت تكاليف الاقتراض فى إسبانيا وايطاليا تحت السيطرة وحث حكوماتهما على القيام باصلاحات هيكلية اقتصادية مهمة، حينئذ يمكن تبرير القرارات التى اتخذها البنك المركزى الأوروبى الاسبوع الماضي، ولن يكون دراجى قد انقذ منطقة اليورو فحسب بل اعطى لأوروبا ما تحتاجه من وقت للعودة إلى النمو من جديد.
ولكن، هناك العديد من الاشياء التى يجب أن تسير فى مسارها الصحيح فى آن واحد حتى تنجح خطة دراجي، الا انه من الارجح ان يزداد الموقف الاقتصادى والسياسى فى أوروبا تعاسة خلال العام المقبل، حيث انه من المتوقع ان تنزلق ألمانيا إلى الركود وتعانى إسبانيا وايطاليا المزيد من اجراءات التقشف ناهيك عن اليونان، واذا كان مقدراً لمنطقة اليورو ان تتفكك، فسوف تكون التكاليف المالية المباشرة لألمانيا وغيرها من الدول الدائنة اشد وطأة بسبب برنامج البنك المركزى الأوروبى لشراء السندات.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز






