بقلم: محمد العريان
كان أداء البورصات الأمريكية يشوبه التوتر جراء العلامات التي تنذر بازدياد قلق بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حيال الآثار الجانبية للتيسير الكمي، ولكن هذا لا يعني أن البنك سوف ينظر في إنهاء سياسته غير التقليدية قريبا، بل يدل علي أن المشاكل تتضاعف عندما يفشل الساسة الآخرون في المساهمة في نهج سياسة متوازنة وشاملة.
ناقشت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في اجتماعها الذي انعقد يناير الماضي امكانية ان تخلف الفوائد المتوقعة من التيسير الكمي مخاطر وتكاليف متصاعدة.
وكما قلت قبل ذلك في صحيفة الفاينانشيال تايمز، يعد هذا جزءاً من التحديات الاوسع نطاقا التي يواجهها غالبية محافظي البنوك المركزية الغربية وعدد متزايد من بنوك الاقتصادات الناشئة، ونتيجة تلك الدرجات المتفاوتة من الخلل السياسي، اجبرت المؤسسات المالية علي تقلد دور القيادة ولكنها وجدت نفسها غير مؤهلة لمثل هذا الدور، حيث انهم يسعون لتحقيق العديد من الاهداف مستخدمة ادوات قليلة جدا وغير مباشرة وغير كفء.
وكلما استمر ذلك لفترة أطول، زاد نطاق وحجم المخاطر وتكاليف التيسير الكمي، وخلال هذه العملية، فإن مصداقية الاحتياطي الفيدرالي وسياسته الاستقلالية سوف تثير الجدل، لذلك فهم البعض البيان الاخير للاحتياطي الفيدرالي كإشارة إلي أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة قد تسعي لإنهاء برنامج التيسير الكمي مبكرا، وبالرغم من إمكانية القيام بذلك فإن هذا الأمر من غير المحتمل ان يحدث لسببين.
أولاً: لأنه من غير المرجح ان تدفع ردود فعل السوق الاحتياطي الفيدرالي الامريكي نحو التخلي عن التيسير الكمي، فبخلاف الاقتصادات المفتوحة الاخري، نجد أن البنك المركزي الامريكي لا يغير نهجه بسبب تقلبات سعر الصرف، وعلي الرغم من ان التوقعات التضخمية قد تزداد بمرور الوقت ايضا، فمن المستبعد ان يغير البنك سياسته ايضا بشكل ينذر بالقلق خاصة عندما يساعد الارتفاع المنتظم في معدلات التضخم جنبا إلي جنب مع نظام «القمع المالي» (حيث تدعم معدلات الفائدة المنخفضة المدينين علي حساب الدائنين) الذي يتبعه البنك الفيدرالي حاليا في خفض تدريجي للديون المفرطة التي تعانيها القطاعات الاقتصادية.
ثانيا: بخلاف بنك اليابان المركزي الذي يخضع الان للضغط السياسي الذي فرضه رئيس الوزراء، شينزو آبي، فإن ساسة أمريكا ليسوا في وضع يسمح لهم بإجبار الاحتياطي الفيدرالي علي تغيير سياسته، فهم ليسوا فقط مشغولين بمشاكلهم المالية الذاتية، بل اعتقد ايضا انهم يشعرون بالارتياح حيال جذب الاحتياطي الفيدرالي قدراً كبيراً من الضوء المسلط علي السياسة الاقتصادية.
الأمر الوحيد الذي قد يجبر الاحتياطي الفيدرالي علي ترك التيسير الكمي في أي وقت قريب هو أن ترتفع معدلات النمو والوظائف بسرعة الصاروخ، حتي يحدث ذلك، يحتاج الكونجرس لأن يدعم ما يعزز النمو بدلا من دعم ما يعيقه.
بما انه من غير المرجح ان يتكاتف الكونجرس مرة اخري قريبا، فسوف يواجه الاحتياطي الفيدرالي خياراً غير مريح في كل اجتماع سياسي علي مدار الاشهر القليلة المقبلة، فإما ان يستمر في استخدام الادوات السياسية غير الملائمة ويخاطر بآثار جانبية أكبر وأكثر اتساعا وإما أن يوقف برنامج التيسير الكمي ويقوض الزخم الاقتصادي.
السياسات العقيمة التي يعانيها العالم حاليا هي التي دفعت البنوك المركزية بعيداً عن محيط هيمنتها واستقصاء أفضل ردود فعل، ولا يمكن حل التناقضات الناتجة عن تلك السياسات الا من خلال نهج سياسي أكثر شمولية يتعامل مباشرة مع التحديات التي يواجهها الغرب من النمو الضئيل والديون المفرطة وخطاب سياسي اكثر استقطابا، وفي الوقت الحالي، ليس امام البنوك المركزية اي خيار سوي ما تعتبره اهون الشرين الا وهو الحفاظ علي موقف سياسي معيب بشكل واضح.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز








