بقلم: بريجيت جرانفيل
الظروف القاسية تتيح الفرصة لما كان يوماً لا مجال للتفكير فيه أن يصبح مطروحاً للنقاش العام، ففي فرنسا ، نجد ان الفكرة الجريئة التي طرحت نفسها هي ان البلاد سوف تنزلق إلي وعكة اقتصادية أعمق اذا لم تستعد سيادتها النقدية.
وقد أبرزت التصريحات التي أدلي بها قادة فرنسا بشأن السياسة الاقتصادية مدي قوة هذا المنطق، اولا، الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند أصابه القلق حيال ارتفاع قيمة اليورو مقابل العملات الرئيسية الأخري بالعالم ودعا إلي استهداف سعر الصرف، وبعد ذلك صرح وزير المالية بيير موسكوفيتشي، بأن اوروبا سوف تمنح فرنسا تأجيلا في مقابلة خفض العجز بنسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي المستهدف هذا العام بمقتضي الاتفاق المالي الذي صدقت عليه منطقة اليورو مؤخراً.
الديون السيادية والازمة المصرفية التي يعانيها الاتحاد النقدي منذ عام 2010 كشف حقائق هذا الاتحاد من وضع سعر ثابت للفائدة وتعميق التفاوت في القدرة التنافسية بين أعضاء منطقة اليورو، وفي حالة فرنسا، تفاقمت أزمة ضياع القدرة التنافسية والانخفاض الحاد في اداء الصادرات من خلال الاعتماد علي الضرائب الساحقة المفروضة علي العمل من اجل تمويل برامج الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة.
هناك طريقان فقط، في إطار الاتحاد النقدي، يمكن من خلالهما تضييق فجوة القدرة التنافسية بين الدول: الانتقال من الدول الاكثر تنافسية إلي الاقل تنافسية، أو عن طريق تخفيض قيمة العملة الداخلية مما يعني تخفيض الاجور الحقيقية.
ولم يكن غريباً ان تكون الافضلية للتحويلات والتي حتي الانهيار المالي عام 2008 أخذت شكل إقراض القطاع الخاص عبر الحدود للحكومات والبنوك، ولكن في أعقاب الفقاعة الائتمانية في 2008 حلت التدفقات المالية الخاصة محل التحويلات المالية مما أدي إلي انفجار أزمة عجز الموازنة، والان مع كون الحكومة الالمانية المقرض الرئيسي أصبحت جميع التحويلات عبر الحدود إلي الاقتصادات الاضعف بمنطقة اليورو مشروطة بخطط التقشف.
وتعد خطط الانقاذ من آلية الاستقرار الاوروبي أوضح مثال علي ذلك، حيث يلزم الاتفاق المالي الموقعين عليه بأهداف عجز صعبة المنال والتكيف الهيكلي.
حتي الان فان خطة «البازوكا» الممثلة في برنامج المعاملات النقدية الصريحة للبنك المركزي الأوروبي آتي بالثمار المرجوه منه، فقد استقرت الأسواق المالية بمنطقة اليورو، وارتفعت قيمة اليورو مقابل الدولار والين الياباني، ولكن كما أشارت تصريحات اولاند الاخيرة فان ارتفاع قيمة العملة هي آخر شيء تحتاج إليه دولة غير قادرة علي المنافسة مثل فرنسا.
علي الرغم من ان الحكومة الفرسية بخلاف نظيراتها الايطالية والاسبانية لم تجد بعد اي صعوبة في تمويل نفسها من خلال خفض أسعار الفائدة، فان ارتفاع قيمة العملة في الوقت الذي ينزلق فيه الاقتصاد نحو الركود يعد بمثابة سكب الزيت علي النار، وحتي يستعيد الاقتصاد الفرنسي نموه، فان الدين العام للبلاد الضخم بالفعل سوف يتسع بصورة غير مستدامة مما يزيد من مخاطر تجنب المستثمرون لشراء سندات الحكومة الفرنسية.
ليس من الغريب ان يبدأ موسكوفيتشي في دعم قرار أوروبي بالاجماع للتخفيف من بنود الاتفاق المالي نظراً لأن الامتثال الفرنسي له سوف يتطلب خفضاً ضخماً جديداً في الانفاق.
فهل ستوافق ألمانيا علي مثل هذا التيسير في البنود أو ستوافق علي طلب اولاند الضمني بأن يحذو البنك المركزي الأوروبي حذو اليابان ويخفف من سياسته النقدية من أجل خفض سعر الصرف؟.
بخلاف اليابان وبالطبع الولايات المتحدة لا تستطيع فرنسا باعتبارها عضواً بالاتحاد النقدي تحقيق أهدافها المحلية بمفردها، لذلك فإن فرنسا لديها خياران فقط لتجنب تعرض اقتصادهل لكارثة، فإما عن طريق إحداث تغيير بالسياسة الالمانية أو ترك اليورو.
هناك سببان حيال كون الخيار الثاني وهو ترك الاتحاد النقدي حتي الآن لا يمكن تصوره، الأول مرتبط بالمخاطر الاقتصادية والمالية، والثاني تتمثل في العقبة الجيوسياسية لخروج فرنسا من منطقة اليورو ولكن الاستمرار في الركود الاقتصادي والارتفاع المطرد في البطالة يزيل تلك العقبة، ففرنسا لن تتمكن من استعادة قوتها الاقتصادية دون الابتعاد عن اليورو.
إعداد: نهي مكرم
المصدر: بروجيكت سينديكيت








