د. سلوي سليمان: الرؤساء الثلاثة السابقين عجزوا عن تحقيق نمو مستدام بسبب استبدادهم
د. عبد الله شحاتة: نحتاج برنامج اقتصادي يراعي مصادر النمو والقطاعات المولدة له
أعلن أسامة صالح، وزير الاستثمار ، أنه تم الانتهاء من إنشاء صندوق برأسمال مبدئي قدره 134 مليون جنيه ينتظر أن يصل إلي مليار جنيه، وذلك بهدف دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إيمانا من الحكومة بالأهمية البالغة التي تلعبه هذه الشركات في زيادة الناتج الإجمالي وتوفير المزيد من فرص العمل، بالإضافة إلي أن هذه المشروعات تمثل نحو 85% من الشركات، التى تؤسس فى مصر.
وقال صالح، خلال مؤتمر “إدارة التحول في مصر: رؤي سياسية واقتصادية”، إن الحكومة اعدت خريطة استثمارية بناء على ما قدمته المحافظات من متطلبات، ومزايا نسبية تتسم بها، وتم بالفعل تحديد 636 مشروعًا استثماريًا في كل أقاليم الجمهورية.
وأضاف أن الوزارة وضعت برنامجا للاستثمار والتشغيل يتكون من 5 محاور رئيسية، أولها، تيسير أداء الأعمال وإزالة معوقات الاستثمار، وأنها بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات جادة في فى هذا المحور، وذلك لتسهيل وتبسيط إجراءات اصدار التراخيص، والعمل الجاد للتخلص من الفساد، وفتح أفاق الاستثمار أمام المستثمرين الجادين.
وأشار صالح أنه لا عودة أبدا إلي عهد الاستيلاء علي أراضي الدولة، لأن الهيئة العامة للاستثمار أصبحت الشباك، الذى يتم من خلاله طرح الأراضى بشفافية حتى لا يحدث النهب والاستيلاء بل أيضا لوقف المضاربات الضارة علي هذه الأراضي لما لها من آثار اقتصادية سلبية، مؤكدا أن قيام الهيئة بهذا الدور يترتب عليه تقليص الفساد وتشجيع المستثمرين على ضخ المزيد من الاستثمارات في الأسواق.
وأكد أن ادراك الحكومة للمزيد من النجاحات في مختلف الملف يحتاج منها أن تحرص علي الصراحة والمكاشفة في تعاملاتها مع الشارع، وذلك بأن تقوم بشرح الظروف الصعبة التي تمارس دورها فيها، مشيرا إلي أن مصر تمتلك مقدرات تمكنها من تحقيق المطلوب الذي يمكن تلخيصه في خلق فرص عمل، ووضع حد أدنى للأجور، وتوافر مؤسسات قوية للمساءلة والمحاسبة.
وقالت د. سلوي سليمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إن المطلوب الآن أن تحرص الحكومة علي أن يكون برنامج النمو الاقتصادي مستهدفا الوصول إلى نتائج توزيعية لثماره أكثر تقاربا بين أفراد المجتمع، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه النمو الاحتوائي، الذي يشير إلي هذا النمو المستدام المرتكز على قاعدة عريضة من المشاركين على مستوى كافة القطاعات، ويشغل الجزء الأكبر من القوى العاملة في أعمال منتجة.
وأضافت أن الرؤساء الثلاثة السابقين عبد الناصر والسادات ومبارك عجزوا عن تحقيق نمو مستدام، بل وانتهوا إلى كل ملامح الأزمة الاقتصادية، التي لا يشهدها المجتمع بدءا من انتشار الفقر، إلى التفاوت الطبقي، وانتشار البطالة واقترانها بارتفاع مزمن في الأسعار مما أدي إلي خلل هيكلي في الاقتصاد، ترتب عليه عجز مزمن في الميزانية، وتفاقم في حجم الدين العام المحلي والعجز الخطير في الميزان التجاري.
وكشفت د. سليمان أن هذا العجز المزمن في الاقتصاد نتج في مجمله عن أن النظام السياسي، الذي أدار الاقتصاد وهيمن على قراراته وتوجهاته منذ 1952، هو نظام فردي سلطوي، وأن تغيرت الوجوه والمسميات والشعارات والأمزجة الفردية للحكام وصورهم المعلقة فوق كل الرءوس فى كل مكان، وأن الذي يثير مخاوف الاقتصادي من نظام كهذا هو العواقب الاقتصادية الفادحة للأخطاء، التي من الطبيعي أن يقع فيها قرار القيادة الفردية المركزية، دون وجود فرص لمراجعتها وتصحيحها من خلال المؤسسات المختصة.
وأشارت إلي أن الوضع الراهن، بما ينطوي عليه من استمرار للحلقة المفرغة بين المناخ السياسي المضطرب والمؤسسات المنقوصة، والشارع الصاخب، والأمن المشوش، والأداء الاقتصادي المتدهور، من شأنه أن يدفع بالأزمة الاقتصادية الحالية إلى أبعاد غير محسوبة، نتيجة عجز الموازنة المتزايد، والتراجع الملحوظ في الاحتياطي النقدي، وتراجع قيمة الجنيه، وعجز الميزان التجاري.
ونصحت د. سليمان بضرورة العمل علي التغلب أولا على عناصر الأزمة، للحيلولة دون مخاطر الانزلاق إلى حلقة تراكمية من التدهور الاقتصادي، وهذا يتطلب توافر حد أدنى ضروري من الاستقرار والهدوء السياسي القائم على التعاون والتفضيل الجماعي للصالح العام، وأنه إذا كانت القيادة تتحمل المسئولية الرئيسية لخلق هذا المناخ الإيجابى، فالجميع أيضا مسؤل عن المبادرة لتسهيل المهمة، آخذين في الاعتبار الأهمية الحرجة لعامل الوقت ومخاطره.
من جانبه أكد د. عبدالله شحاتة، مستشار وزير المالية رئيس اللجنة الاقتصادية لـ”حزب الحرية والعدالة”، أن الاقتصاد المصري بعد أكثر من عقدين من الزمن لم يشهد استدامة لمعدلات نمو مستقرة تضمن تحقيق النقلة النوعية للاقتصاد، ليصبح أحد الاقتصاديات القوية والفاعلة في الاقتصاد الدولي.
وقال د. شحاتة في دراسته التي جاءت بعنوان “رؤية حول مسار النمو الاقتصادي المستقبلي لمصر”، إنه قد غلب علي النمو سمات تتمثل في أن أغلب فترات النمو الاقتصادي (نحو 18 سنة) لم يتجاوز معدل النمو فيها 5%، في المقابل فإن 7 سنوات فقط تجاوز فيها النمو ذلك المعدل، بل إن الأكثر ملاحظة أنه خلال 25 سنة لم يتجاوز معدل النمو حاجز 7% إلا في سنتين فقط.
وأضاف أن هناك ارتباط إيجابي بين النمو الاقتصادي والتضخم في مصر، بحيث أن يزداد التضخم كلما زادت معدلات النمو، لذلك فإن أصحاب الدخول المحدودة أو الذين لا يستفيدون بصورة مباشرة من النمو من الفئات الأكثر تضرراً، وهو ما يلقي بأعباء إضافية على كاهل الموازنة العامة للتقليل من تلك الآثار السلبية، بمعني أن النمو المرتفع يخلق ضغوطا تضخمية، ويدفع السلطات المالية للتوسع المالي في ظل موازنة يمثل فيها الدعم 25% من بنود الإنفاق العام.
وأكد أنه في ظل هيكل العمالة المصرية، التي يغلب عليها انخفاض معدل المهارات، فإن النمو المتزايد لم يسمح بصورة أساسية لتلك الفئات الاستفادة من معدلات النمو الاقتصادي، مما زاد من مشكلات عدم عدالة التوزيع وألزم الدولة بإتباع سياسات توسعية لتوفير الخدمات العامة، وهو ما خلق ضغوطاً على الموازنة العامة ومحاولتها للسيطرة على عجز الموازنة.
وأشار مستشار وزير المالية إلي أن المسار المستقبلي للنمو في الاقتصاد المصري يواجه مجموعة من التحديات تتمثل في ارتباط معدلات النمو بالتغيرات الدولية دون وجود أساس قوي يسمح لهذا النمو بالاستدامة والاستقرار، وأن تزايد المديونية العامة وارتفاع نصيب مدفوعات الفوائد من جملة الإنفاق العام وسيطرة أبواب الأجور والدعم على بقية البنود يحد من هامش الحركة لخلق الحيز المالي الملائم لزيادة الاستثمارات المحفزة للنمو، وخاصة في ظل الصعوبات، التي تواجهها الحكومة دائما عند تنفيذ الإصلاحات مثل ترشيد الدعم واستكمال منظومة الإصلاح الضريبي.
ولفت إلي أنه من التحديات أيضا الخلل في الهيكل المهاري للقوى العاملة وعدم العدالة في التوزيع يحد أيضا من هامش المناورة الاقتصادية للحكومة للتعامل مع الأزمات الاقتصادي، فهي لا يمكنها ضغط الإنفاق العام ببنوده الحتمية، وفي نفس الوقت تحاول تخفيض العجز والسيطرة على التضخم، فهي دائما ما تكون بين المطرقة والسندان خاصة مع تزياد الاضطرابات العمالية وانتفاضة العديد من الفئات للمطالبة بنصيب أكبر في ثمار النمو المتحقق.
وأوضح أن المشكلة والتحدي الأساسي الآخر هو التشوه في الأسواق وغياب عملية تنظيم وإدارة الأسواق على نحو يجعل منظومة عمل نظام السوق الافتراضية غير فعالة، ولا تستجيب للسياسات الاقتصادية بالشكل المرغوب فيه.
ونصح رئيس اللجنة الاقتصادية بـ”الحرية والعدالة” أن تحرص الحكومة إذا كانت تستهدف معدل نمو 8% في المتوسط خلال الخطة الخمسية المقبلة (2012-2017)، فإن عليها أن يكون لديها برنامج عمل إصلاحي متكامل يراعي كافة الأبعاد في منظومة النمو ومصادرة والقطاعات المولدة له.
وذكر أن هذه المنظومة الإصلاحية يجب أن تشمل، اصلاح النظام المالي بعلاقاته المؤسسية المتشابكة، والتي خلقت العديد من التشوهات في منظومة إدارة المالية العامة، والإسراع بعلاج الاختلالات، التي يولدها التشوه في منظومة إدارة الأسواق كسيطرة الشركات وغياب المنافسة الحقيقية، والعمل علي تقوية المؤسسات التعليمية للوفاء باحتياجات سوق العمل من المهارات المختلفة.
كتنب – رمضان ابو إسماعيل
