بقلم – ستيف فوربس
يصادف هذا العام الذكري المئوية لولادة ضريبة الدخل الفيدرالية في شهر فبراير والنظام الاحتياطي الفيدرالي في شهر ديسمبر وكلاهما يتسبب اليوم في حدوث أضرار هائلة.
ولحسن الحظ فإن كلا منهما سيخضع لتغييرات جذرية عما قريب.
إن ضرائب الدخل تعاقبنا علي الأشياء ذاتها التي نريد الاستزادة منها: العمل الإنتاجي والمجازفة والنجاح، ومن الواضح أن ضريبة الدخل هي الثمن الذي ندفعه عقاباً علي العمل، وضريبة الأرباح هي الثمن الذي ندفعه عقاباً علي النجاح وضريبة إيرادات رأس المال هي الثمن الذي ندفعه عقاباً علي المجازفة التي تؤتي ثمارها.
فيما مضي حينما كان يتم التخفيف من عبء ضريبة الدخل ـ أي من خلال تخفيض النسب ـ كان اقتصادنا يزدهر لأن الناس لا تمنع أو تعاقب علي مشاركتها في المزيد من النشاطات الإنتاجية، وقد شهدت عقود العشرينيات والستينيات والثمانينيات من القرن الماضي عمليات ابتكارمذهلة ونمواً اقتصادياً أكبر وتحسيناً ملحوظاً في مستوي المعيشة حتي خلال الأعوام من 2003 ـ 2008 عندما جري تخفيف عبء ضريبة الدخل بات الأداء الاقتصادي أفضل لكن الاحتياطي الفيدرالي قوض هذا الازدهار كما سنناقش لاحقاً.
ويستشهد البعض بعقد الخمسينيات بوصفه دليلاً علي قدرة اقتصادنا علي النمو، في ظل نسب مرتفعة من ضريبة الدخل لكن هؤلاء يغفلون عن أن ذلك العقد قد شهد إقرار قانون يقضي بضم الأزواج معاً ضمن سجل ضريبي واحد عقب الحرب العالمية الثانية مما أسهم في خفض الضريبة المترتبة علي العائلة إلي النصف لقد حققنا الازدهار في الخمسينيات لأن سقف الدخل الخاضع للضريبة كان مرتفعاً، وكان هناك أيضاً العديد من المنافذ القانونية لخفض حجم الضرائب المدفوعة لكن تلك النسب الضريبية المرتفعة كان لها أثر سلبي في حدوث
سلسلة من حالات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وهبوط معدل النمو الاقتصادي في تلك الفترة إلي دون مستوياته الطبيعية.
واليوم تعمل ضرائب الدخل الفيدرالية علي تحطيمنا من جديد فتسوية الهاوية المالية لم ترفع من النسب العليا فحسب بل خفضت أيضاً من الاقتطاعات المفروضة علي ذوي الدخل المرتفعة وعند إضافة ضريبة الرعاية الصحية ونسبتها الآن 3.8% لذوي الدخول العليا تصل النسبة الفيدرالية الهامشية سارية المفعول إلي 44% بل إن الرئيس أوباما يريد زيادة هذه الضرائب أكثر فهو يشعر بالغيرة من فرنسا، التي تفرض نسبة ضريبية بمقدار 75% علي الأغنياء ومما يزيد الطين بلة أن فرنسا تعمل علي رفع مستويات الأرباح الرأسمالية إلي تلك النسبة الكارثية.
ما الذي يدفعنا إذاً لنأمل في حدوث تغير جوهري؟ من جهة دحضت مبررات هذه النسب العقابية وهي خطوة مهمة في حرب الأفكار، فالأدلة التي تدحض مبررات هذه النسب الضريبية المنافية للمنطق بالقول إنها تنتج المزيد من الاستثمارات الحكومية، وأنها لا تؤذي النشاط الاقتصادي تواصل الظهور والانتشار وفي الواقع فإن هذه النسب المرتفعة تساعد في إبطاء عجلة الاقتصاد الوطني الخاملة أصلاً كما أن حالات الركود في دول أوروبا الغربية تزداد سوءاً، ناهيك عن أن اليابان ثالث أكبر نظام اقتصادي في العالم تعاني من الركود أيضاً.
لكن في بلادنا، تأخذ معركة ضريبة الدخل منحي مذهلاً علي صعيد الولاية، فمن بين مزايا نظامنا الفيدرالي أن ولاياتنا تعد بمثابة حقول تجارب للسياسات العامة، ومثال ذلك أن ولاية ويسكنسن بدأت في الثمانينيات، ثم تبعتها ولايات أخري في البرهنة علي أن الإصلاح الجذري في منظومة الرفاه هو شيء قابل للتطبيق وقد أتاحت نجاحاتها حدوث إصلاح فيدرالي مهم في العام 1996 فيما تعمل إدارة أوباما علي تقويضه الآن.
أظهرت بحوث آرث لافر وخبراء اقتصاديين آخرين أن أداء الولايات المعفاة من ضريبة الدخل كان بمرور الوقت أفضل من نظيره في الولايات ذات ضرائب الدخل المرتفعة، ودليل ذلك أن أداء ولاية نيوجيرسي كان متفوقاً دائماً علي أداء الاقتصاد الوطني بشكل عام، لكنها تجهت لاحقاً إلي إقرار ضريبة الدخل في الولاية، بل رفعتها إلي مستويات عالية أيضاً، واليوم أضحي اقتصاد نيوجيرسي أضعف بكثير مقارنة بالماضي ما تسبب في تأخر الأمة ككل، كما حدث الأمر ذاته في ولاية كونيتيكت.
قبل إقرار التعديل السادس عشر الذي سمح لواشنطن بأن تفرض ضريبة الدخل كانت الولايات الأخري في طليعة من وضع الضرائب علي الدخل، أما اليوم فهي تفعل العكس تماماً، وقد كان سام براونباك، حاكم كانساس، صارماً في الدفع باتجاه تخفيض نسبة ضريبة الدخل وعندما أحجم بعض أعضاء حزبه عن الأمر ساند خصومهم في الانتخابات الأولية، لقد انتصر براونباك وهو يضع كانساس الآن علي طريق إزالة هذا الابتزاز كلياً، كذلك ديف هينمان، حاكم نبراسكا يريد أن يفعل الأمر ذاته، وذلك بوب جندالن، حاكم لويزيانا كما أن الحكام الآخرين يدفعون باتجاه خفض النسب الضريبية بكل ما أوتوا من قوة، ومنهم بات ماكروري حاكم كارولينا الشمالية وماري فالين حاكمة أوكلاهوما وجون كاستش حاكم أهايو.
فلنلق نظر علي ما يحدث في ولاية ماساتشوستس: اقترح الحاكم ديفال باترك الذي يأخذ بنصيحة صديقه الحميم باراك أوباما رفع ضريبة الدخل في الولاية من 5.25% إلي 6.25%، بالإضافة إلي رفع الضرائب الأخري وعلي الرغم من عدم وجود تمثيل جمهوري تقريباً في المجلس التشريعي للولاية إذ يملك الديمقراطيون 36 من أصل 40 مقعداً في مجلس النواب يبدو أن خطة باتريك لن يكتب لها النجاح، وعلي النقيض من أوهام البيت الأبيض لا يرغب معظم الناس في دفع المزيد من الأموال إلي الحكومة.
أما الولايات التي يحكمها أشخاص مولعون بفرض الضرائب، مثل إينوي وكاليفونيا ومريلاند وكونيتيكت فهي تتعرض لضربات موجعة ويزعم جيري براون بأن زيادة نسبة الضرائب ذات الأثر الرجعي علي أثرياء كاليفورنيا تساعد في تحسين وضع ميزانيته، لكن هذا لن يدوم طويلاً، فالشركات والأفراد آخذون في الهرب، مما كانت تسمي سابقاً بالولاية الذهبية.
كما تعرض فيل ميكلسون، لاعب الجولف لانتقادات حادة من الليبراليين والإعلام الليبرالي عندما تجرأ علي التعبير عن استيائه من أن معظم أرباحه تذهب لصالح إجراءات الحكومة البيروقراطية، هل هو من قبيل المصادفة أن يكون لرياضيين من أمثال تايجر وودز وديريك جيتر وآخرين، أماكن إقامة رسمية في ولاية فلوريدا التي لا تفرض ضرائب علي الدخل؟ أو أن يكون لعدد كبير من سكان كاليفورنيا منازل مرخصة داخل ولاية نيفادا المجاورة التي لا تفرض ضريبة دخل؟
إن المولعين بفرض الضرائب يلجؤون الآن إلي اتخاذ تدابير يائسة، فمارك دايتون، حاكم منيسوتا يريد أن يغير تعريف الإقامة ليشمل أي شخص يمكث في الولاية مدة 60 يوماً فقط، ومع أننا لن نستطيع التخلص من ضريبة الدخل الفيدرالية قريباً إلا أننا نمهد الطريق للقيام بخفض كبير في الضرائب ومنح تسهيلات ضخمة، وقد بدأ الاجماع الوطني علي هذا الأمر يتكون بالفعل، فلجنة سيمبسون باولز التي أنشأها الرئيس أوباما في عام 2010 للإتيان بطرق لمعالجة أزمة الميزانية أوصت بمنح تسهيلات مقابل خفض كبير في جميع نسب الضرائب علي الدخل، وقد وافق الكثير من الديمقراطيين علي هذا المقترح، مما يعد خطوة أولية علي طريق توحيد نسبة ضريبة الدخل للمواطنين جميعهم، أما تيد كروز، حاكم تكساس الجديد فيحضر حالياً لقانون يهدف إلي توحيد نسبة ضربة الدخل، ومن ناحية أخري ينبغي للجمهوريين الإدراك بأن عليهم تبني أسلوب متفائل وداعم للنمو بدلاً من التذمر والشعور بالكآبة.
احتياطنا الفيدرالي المدمر
يقلل البعض من شأن الضرر الذي يلحقه الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي» بنا لكنه واضح وضوح الشمس، ومما يثير الدهشة أن مصرفنا المركزي لا يملك تصوراً دقيقاً حول الدور الملائم الذي ينبغي لمؤسسة مثله أن تمارسه، وهو أن يوفر لنا عملة مستقرة ويعالج الأزمات المالية بصورة سريعة وحاسمة، ولكن ممارساته منذ أواخر التسعينيات لا تتسم بالعقلانية، وقد كانت سياسته المتعمدة لإضعاف الدولار سبباً رئيسياً وراء الأزمة المالية في عامي 2008 ـ 2009 فلو لم يتم إضعاف الدولار، لما كنا تعرضنا لفقاعة العقارات علي الإطلاق، إن السياسيات الحالية للاحتياطي الفيدرالي تحد من حجم النمو الاقتصادي بشدة، وحينما يضعف الدولار، تسير الاستثمارات في الاتجاه الخاطئ، فالقليل منها يذهب إلي الأنشطة التمويلية المنتجة، والكثير يذهب إلي الأصول الثابتة الآمنة وخلال السبعينيات تسبب انحراف الاحتياطي الفيدرالي عن مساره الصحيح في ارتفاع سعر برميل النفط من 3 دولارات إلي 40 دولاراً، لكن عندما انتهت حالة التضخم في الثمانينيات هبط سعر برميل النفط إلي 10 دولارات قبل أن يعاود الارتفاع بمقدار بسيط، ومنذ منتصف الثمانينيات وحتي مطلع العقد الأخير، بلغ متوسط سعر البرميل حوالي 21 دولاراً، واليوم أصبح سعره 97 دولاراً، ومن الأمثلة الأخري تضاعف سعر الأرض الزراعية في السنوات الأخيرة، وما يفعله الاحتياطي الفيدرالي الآن مع السندات المالية، وكل ذلك يثبت أنه يخلق فقاعات مدمرة.
جون تايلور، الخبير الاقتصادي اللامع، عقد مؤخراً، مقارنة بين سياسة الاحتياطي الفيدرالي في خفض نسبة الفائدة بصورة كبيرة وبين ضبط أسعار الإيجارات، فسياسة ضبط الإيجارات تحد من توافر المساكن، مثلما تحد سياسة الاحتياطي مع نسبة الفائدة من توافر القروض للشركات الصغيرة، فالقروض المصرفية الممنوحة للشركات الصغيرة، التي تتيح فرص عمل عديدة حين تكون حركة الاقتصاد طبيعية تراجعت فعلياً خلال العامين الماضيين، وفي غضون ذلك تحصل الحكومة الفيدرالية علي الأموال كلها التي تحتاجها دون تكلفة تقريباً، وتحيلها بكل بساطة إلي خانة العجز المالي.
الخبراء الاقتصاديون أمثال ديفيد مالباس، وهو من كتاب فوربس أيضاًَ يواصلون انتقاد مثل هذا الأسلوب منذ زمن وقد بدأ آخرون يشاركونهم الآراء ذاتها، بل إن بنك إنجلترا ـ علي سبيل المثال ـ قد عبر عن قلقه العميق حيال فاعلية التسهيل الكمي.
وبالمناسبة، فقد أجري هذا البنك عدداً من الدراسات التي أظهرت أن الأنظمة المالية في العالم تعاني من اضطراب مدمر منذ نهاية معيار الذهب في السبعينيات، ونظراً للمعارضة التقليدية السائدة تجاه تبني معيار الذهب حالياً، لم تستطع دراسات بنك إنجلترا استخلاص نتائج منطقية لكن الأحداث ستجبر صناع القرار علي رؤية الحقيقة.
لماذا يجب أن يرتبط الدولار بالذهب؟ لأن الذهب يحافظ علي قيمته الذاتية أكثر من أي شيء آخر علي وجه البسيطة، فهو مثل نجم الشمال، ثابت دوماً لهذا فهو أداة قياسية مهمة للمحافظة علي استقرار قيمة العملة.








