بقلم: ديفيد جاردنر
بعد شهر من الانقلاب العسكرى الذى أطاح بالرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، أصبح الجيش منقذاً فى نظر الملايين من المواطنين الخائفين من الحكم الإسلامى، ولكن لا يبدو أنه ينجح فى إعادة صياغة الفترة الانتقالية بحيث تكون ديمقراطية شاملة.
وبعد نشوة الانتصار ينبغى على حركة «تمرد» التى أعادت توحيد القوى الحيوية التى أسقطت ديكتاتورية حسنى مبارك فى 2011 الاستعداد لفترة مقبلة صعبة.
وبالرغم من قدرة تمرد على الحشد ضد محاولة الإخوان المسلمين إعادة تشكيل مصر وفق رؤيتهم ووضع الموالين لها على رأس المؤسسات، فإنهم تحالفوا مع داعمى النظام السابق الذين حلموا بإطاحتهم.
وعند تفسير الأمور بنية حميدة، فإن الجيش قام بواجبه الوطنى وقام بالانقلاب نيابة عن الشعب، وبالتالى فإن مصر أصبح أمامها فرصة ثانية لإعادة إطلاق الثورة، ولكن عدم كفاءة الجنرالات فى المرحلة الانتقالية الأولى بعد نظام مبارك والتى نسيها الشعب سوف تطيح بمصر.
وتلصق صورة الجنرال فى جميع أنحاء مصر، وانتفخت مؤسسة الجيش باعتبارها أهم وأعظم مؤسسة فى مصر نتيجة تأييد الشعب لها، لذا لماذا لا يحاول الجنرال السيسى ركوب هذه الموجة الشعبية ويسعى للرئاسة بنفسه؟ وبالفعل بدأت بعض الأصوات تلمح منذرة بذلك.
وحتى إذا لم يفعل، فمن الواضح أن الجيش عازم النية على حماية نفوذه وامتيازاته وهيبته فى الشئون الاقتصادية والسياسية للدولة مثلما فعل تحت حكم مرسى، بينما لم يفعل تحت حكم مبارك.
ولم يكرس الدستور المستلهم من الإخوان وحلفائهم من السلفيين سلطات الجيش فقط إنما وسعها، فيما يعد جزءاً من محاولات حكومة مرسى غير الموفقة فى استمالة «الدولة العميقة» التى خلفها نظام مبارك والعقود الست للديكتاتورية المدعومة من قبل الجيش والتى بدأت منذ الرئيس جمال عبدالناصر.
والقوى العلمانية فى مصر على وشك أن ترتكب واحداً من أكبر أخطاء الإخوان المسلمين وهو الاعتماد على الجيش بدلا من زملائهم من المواطنين، ولا ينفكون يرددون أن الجيش والشعب «ايد واحدة» بينما ترتكب القوات الأمنية جرائم فى حق شريحة كبيرة من المجتمع من خلال إطلاق النار على الإسلاميين وإغلاق قنواتهم الإعلامية واتهام مرسى باتهامات خيالية تتراوح من القتل وحتى التخابر.
وإذا استمر هذا الوضع، سوف يعطى الجنرالات «فضل الشهادة» للإسلاميين، الذين يشكلون أكثر من ربع الناخبين، فى الوقت الذى ستكافح فيه القوى العلمانية فى بلورة الوضع فى مصر، وعلاوة على ذلك فإن دفن جماعة الإخوان المسلمين سوف يغرى بزيادة الإرهاب الذى يقول الجيش إنه يحاربه.
وقد يكون من المفيد للوضع الحالى بمصر أن يعتدل طموح الجنرالات من خلال قيام الولايات المتحدة بتوضيح أن المنحة العسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار التى تتلقاها مصر منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل فى 1917 متوقفة على التحول نحو الديمقراطية التى تشمل الإسلاميين المصورين حالياً كشياطين.
كما أن منع بعض الطائرات عنهم لن يفى بالغرض لأنهم يفرقون جيدا بين الانزعاج الصورى وبين الغمز والوكز الذى يشجعهم على الاستمرار فى إحكام القبضة.
وأثبتت مصر التى تتطلع إلى المستقبل أن بإمكانها الحشد بهمة غير عادية، ولكنها تحتاج الآن إلى تحويل شجاعتها فى الشارع إلى قوة تكسب بها صناديق الانتخابات بدلا من الاعتماد على صانعى الفراعين، فالجيش ليس بوابة المستقبل الحر، كما أن هناك مكان فى السجن لكل معارضيه.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: فاينانشيال تايمز







